اخبار الساعة - * تاج الدين عبد الحق
السهولة والسرعة، التي سيطر بهما الحوثيون، على مفاصل الدولة اليمنية، لا تعادلهما إلا سهولة وسرعة اجتياح تنظيم داعش، لبعض المناطق في شمال العراق ،وفيما بعد مناطق الأكراد في شمال سوريا .
كنا نعتقد، أن طموح الحركة الحوثية مهما كبر، لا يمكن أن يصل إلى حد السيطرة على مقاليد السلطة، وأن أقصى ما كانت تأمله، هو الاعتراف بها، كشريك في الثورة، وفي السلطة، والقبول بدور سياسي لها، باعتبارها أحد مكونات المشهد السياسي اليمني، وليست جسما طارئا عليه.
كانت المعطيات تشير إلى أن الداخل اليمني والخارج الإقليمي لن يسمح للحوثين بتحقيق انتصارات أكثر مما يجب، ناهيك عن السماح لهم، بالاستئثار بالسلطة أو الإمساك بتلابيبها .
من هذا المنطلق فهم التدخل العسكري السعودي المباشر، والتدخل السياسي الخليجي، كما فهم الرفض الإقليمي لتنامي الدور الإيراني في الشأن اليمني.
اليوم تتغير الصورة، فالجيش اليمني الذي كان "بيضة القبان" بين القوى السياسية اليمنية، يخرج تقريبا، بعد أن أصبح بين مطرقة القاعدة والقوى الإسلامية التي استنزفت قواه، وسندان الحركة الحوثية التي أرادت استثمار دور الجيش في ضرب التطرف الإسلامي، وتجيير هذا الدور، لصالح أهداف الحركة الحوثية، ومقاصدها النهائية.
كان يمكن أن تمشي الرياح، بعكس ما خطط له الحوثيون، وبعكس ما أرادوه، أو فرضوه. لكن داعش، والقاعدة، التي تضع الحوثيين ضمن أعدائها التقليديين، وفرت - وياللمفارقة -، فرصة ذهبية لنجاح الحركة الحوثية، وأعطت لتحركها الأخير، غطاء إقليميا، سهل لها فرض نفسها على الشارع اليمني، لا كشريك في المشهد السياسي ، ولكن كمخرج له، وككاتب للسيناريو، بل، وكبطل، وحيد للعمل ككل.
فدول الإقليم المؤثرة، منشغلة حتى النخاع، بالتهديد الذي تمثله داعش في العراق، والقاعدة في اليمن، وهذا التهديد يمثل أولوية واضحة، لا بسبب التطور الذي طرأ على إمكانيات هذين التنظيمين، ولكن بسبب السمعة السيئة التي اكتسبها الإسلام السياسي، مما فعله في الإقليم العربي، بدءا من مصر ، ومرورا بليبيا، وانتهاء بسوريا والعراق. وكان واضحا أن فرص الوصول إلى تفاهم سياسي مع قوى الإسلام السياسي، قد وصلت إلى طريق مسدود، خاصة بعد أن ضاقت مسافة التصنيف بين التنظيمات الاسلامية، وضاعت الحدود الفاصلة بين من يوصف بالاعتدال، ومن يوصم بالتطرف.
عند هذه النقطة التقت وتقاطعت مصالح وأولويات الحركة الحوثية مع أولويات، ومصالح دول الإقليم. فكلا الجانبين يخوض نفس الحرب، ومع نفس القوى.
الصمت إزاء ما حققته الحركة الحوثية لا يعود فقط إلى تقاطع المصالح عند هذه اللحظة التاريخية من حياة الإقليم، بل يعود أيضا، إلى أن هذه الحركة بكل ما تمثله طموحاتها، من هواجس ومخاوف للداخل اليمني، والجوار، هي جزء من مشروع سياسي إقليمي، يمكن التفاوض عليه وبالخصوص مع إيران.
ومثلما أن السعودية ودولا خليجية، خاضت هذه التجربة بشأن ما حدث أو يحدث في العراق وسوريا، فإن التفاهم بين الرياض وطهران، بشأن اليمن يمكن أن يكون الوسيلة لاحتواء تداعيات ما حدث، أو سيحدث هناك.
اللهجة التصالحية، واليد الممدودة، التي أعلن عنها ، زعيم ما يعرف رسميا بأنصار الله عبد الملك الحوثي، لم تخف روح الانتصار الذي اتسمت بها كلمته الجماهيرية، ولم تخف شعوره بأنه القوة الكبرى القادرة على بسط مظلتها على الجميع سواء كانوا من الحلفاء الذين جمعتهم بالحوثيين مصالح ومواقف، أو خصوما أضعفهم الاستنزاف الداخلي أو انهيار الحماية الإقليمية .
وعبد الملك الحوثي يدرك برغم إنتصاره حاليا ن أنه لا يستطيع الاستئثار بالمشهد السياسي اليمني طويلا ، فقوته في الشارع اليمني، محكومة بحالة الضعف التي يعيشها خصومه، وهي حالة مؤقتة مهما طالت. ذلك أن الخصوم لديهم معطيات تجعلهم قادرين على استعادة موقعهم التاريخي. وهم وإن تشرذموا بسبب الخلافات الحزبية والنزاعات القبلية لديهم إطار جامع، يجعلهم أغلبية، عندما يبدأ البحث، في تقاسم وتوزيع السلطة.
وعبد الملك الحوثي يدرك أن الوقوف، في صفوف المعارضة مهما كان صعبا، يظل في حالة اليمن أقل كلفة، من أعباء الحكم، ولذلك فإن تقاسم هذا العبء حتى مع الخصوم، يظل أهون عليه من أن يصبح هدف التغيير القادم ، كحال علي عبد الله صالح ، وعبد ربه منصور هادي وغيره من زعامات اليمن التي كانت، تعتلي المنابر وهي تحمل شعارات المطالبة بالتغيير والثورة حتى إذا ما تحقق لها ذلك تصبح هدفا لما طالبت به .
الحوثيون، إذن، لا يملكون حتى مع حالة الانتصار التي يعيشونها أي فرصة للاستئثار بالسلطة، وهم عاجلا أو آجلا، مضطرون لتقاسمها مع الآخرين، وهم في أحسن الأحوال يحاولون استساخ تجربة حزب الله اللبناني، الذي يملك القوة العسكرية، لكنه لا يملك القدرة على ترجمة هذه القوة إلى واقع مختلف، يتجاوز فيه الإرث السياسي، والمعطيات الداخلية والقبلية والضغوط الإقليمية والدولية.
* رئيس تحرير شبكة إرم الاخبارية