عشية اعلان تشكيل الحكومة الجديدة في عهد (الفاتحين الجدد) يتوقع الكثيرون بأن تكون حكومة قوية ذات صلاحيات واسعة وليست كالأخيرة (حكومة باسندوة) ، والتي تجاذبتها القوى السياسية واتت على تركه كثيرة من الفساد ، باسندوه شخصية وطنية مناضلة وكفؤة وليس سيئا او عاجزا ولكنه جاء في الوقت الخطاء وعاصر صراع إرادتين التغيير والثورة المضادة سواء من زعيم الفساد او الإسلام السياسي ( الاصلاح) الذي أطيح به مؤخرا.
في الصورة المرفقة اخر مجلس وزراء في العهد الملكي ، وللأمانة لم يكن بيت حميد الدين سيئين بالمطلق وليس لديهم روح عنصرية باستثناء بعض رموز الأسرة ممن عرفوا بكونهم متعصبين للسلالة الهاشمية مثل الحسن عم البدر واخو الإمام احمد ، وكاتب هذه السطور عرف الحسن شخصيا في واشنطن) وكان مقيما في نيويورك رحمه الله ، ولكن إجمالا الأسرة المتوكلية كانت محبوبة لدى قطاع كبير من الشعب اليمني ، سواء الإمام يحي او احمد الذي كان ذو شخصية قوية ورجل دولة من الطراز الأول وله هيبة وكرزما مذهله ، ولا اعتقد بأن أنصار الله يتحلون بأخلاق ال حميد الدين ، فهم متأثرين بالتجربة الإيرانية وهناك اختلاف في الظروف الذاتية والموضوعية بين اليمن وإيران أو بين العرب والعجم .ودائما عندما نتكلم عن سياسة الحكم الملكي الداخلية والخارجية لابد ان نأخذ بعين الاعتبار ظروف الزمان والمكان ، وبعقلية تلك الحقبة من الزمن .
معروفا بأن رؤساء الوزرات وكبار موظفي المقام الملكي وشئون الدولة كانت لدى أسر قضاة وليسوا هاشميين مثل القاضي عبدالله العمري واخيه محمد الأديب الكبير صاحب سفينة العمري والذي سقط بحادث طائرة ، وكذلك اسرة بيت القاضي مطهر والقاضي الشامي صاحب كوكبان وأخرون ، وشخصيات من بيت الحجري كالقاضي عبدالله الحجري والذي كلفه الامام احمد رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما كان من القاضي عبدالله الا ان بدأ بأبناء الإمام نفسه متهما اياهم بالعربدة وشرب الخمر ! وكذلك شخصيات وعلماء اخرون من بيت لسياغي واسرة مثل بيت محمد علي عثمان ، ويعتقد كثير من النقاد والمحللين والمؤرخين بأن اهتمام الإمام بهذا الاسر دون اسر هاشمية بأن مثل هؤلاء لايفكرون بالإمامة لأنهم ليسوا من نسل الاسر الهاشمية ، ولن تسول لهم انفسهم يوما ما بالتطلع للسلطة ، وكانت تجربة بيت الوزير المصاهرة لبيت حميد الدين تجربة مرة للإمام احمد حيث تأمر على اهل زوجته ( تقية بنت الإمام يحى) كما في مذكراتها على اسرتها الحاكمة ، ومن يومذاك زاد اهتمامة بتلك الاسرة الغير هاشمية .
وكاتب هذه السطور كتب عدة مقالات في وقت سابق يشيد بالعهد الملكي رغم بعض السلبيات الكبيرة مثل العزلة والتخلف ، وكان البعض يتهمني بأني ملكي أكثر من الملك ، ومعجب بالأنظمة الملكية العربية فالأردن يعتبر بحق افضل بلد عربي في التنمية والرقي وحقوق الإنسان والثقافة ، وهي ملكية هاشمية والمغرب من افضل البلدان في المغرب العربي هدوا ورقيا واستقرار وهي وجهة سياحية لكل العالم بعكس جارتها الغنية بالنفط والغاز الجزائر ، وكل من الاردن والمغرب ذات أنظمة ملكية ، وحتى العراق كان افضل حالا واستقرار ايام العهد الملكي ، ولو بقى ملكيا لكان من افضل البلدان العربية ، والثلاثة البلدان يحكمها اسرة هاشمية نبيلة من الدوحة الشريفة ، واليمن لو بقت ملكية لكانت افضل صحيح ان سياسة اليمن انذاك كانت انعزالية وتخلف وفي بعض اركان الأسرة عناصر عنصرية مثل الحسين بعكس الامام البدر كان منفتح وزار اوروبا الشرقية وتأثر بالتطور حواليه ، وكان المثقفون والعلماء والادباء يناصرون البدر وكأنهم في حزب معه ويسمون (البدريين ) ومنهم الشامي والنعمان والزبيري) ووالد كاتب هذه السطور ، وكان له نوايا وعزم في تطوير اليمن ولو بقى الحكم الملكي لتغيرت الاسرة الحاكمة اسوة بتطور الاسر المالكة في عمان وبلدان الخليج ، سوا الملكيات النفطية او الفقيرة ، اغلبهم لا يحكمون بأسم الله ، او بأسم الدين ، في المغرب والاردن دولتان ملكيتان هاشميتان فقيرتان تنهج اسلوب شبه علماني ،
في علم الثورات كانت الثورة السبتمبرية في البداية انقلاب بدعم من عبدالناصر ولكنها تحولت لثورة شعبية ومساندة الجماهير وكأي ثورة كان فيها الانتهازيين ودخلت اليمن لعبة الأمم ومن يومذاك لم تستقر اليمن الى اليوم. استقرت كل من الاردن والمغرب لسببين اولهما ان الدين والسلالة بعيدة عن السياسة والادراة بقدر الممكن ، ونهج البلدان خطط تنموية ودولة مدنية ، ناهيك على ان مواطني ذلك البلدين يشاهدون امثلة سيئة لانظمة عربية مجاورة .
في اليمن لا يمكن استنساخ تلك الانظمة وحتى ولو بصورة جمهورية ، لان الوضع قد اختلف واليمن تغيرت ثقافته ورؤيته للحاكم ، ناهيك على ان اليمن ليس متجانس مذهبياً ، وأيضا فأن اليوم لا يمكن استرجاع عقارب الساعة للوراء ، ومن هنا قد يكون اليمن ملكي في شكل جمهوري مثل إيران ، وهذا كان مناسبا لو اليمن كله من مذهب واحد وليس كما هو الان اغلبه سني شافعي ، الأمر الأخر الإسلام السياسي لا يصلح في اليمن والبلدان التي فيها مذاهب متعددة ، وعليه فليس من المناسب ان تأتي حركة انصار الله لتفرض رؤية ونهج بالقوة وليس بالتوافق ، وتسبق خروج الدستور الذي كان على وشك الاستفتاء عليه ، لقد كان التطورات الأخيرة في الأسبوع الماضي قفزا على المبادرة الخليجية التي اتت على اساس تجنيب اليمن الانزلاق لحرب أهلية ولهذا كانت مقايضة بالحصانة والنتيجة حصانة وتدهور امني والانزلاق والانزلاق في فوضى خلاقة وعدم استقرار .
لن ينجح أي مشروع يفرض عبر فوهة النبدقية ،مثل انصار الله( الاسلام الساسي ) الطموح في زمن لا يجدي حكم الاسلام السياسي، صحيح اليمن تخلص من مراكز قوى عبث باليمن لعقود من السنين ، ولكن لا ينبغي ان نخرج من نفق لندخل نفقا اكثر ظلاما ، يبدو ان الحوار الوطني الذي طال امده أصبح من ذكريات الماضي ، وعرف اليمنيون بأن اتفاق المتصارعين لا تلقى ترجمة على ارض الواقع فكيف توقع اتفاقية شراكة ويستمر النهب والاجتياح وفرض القوة دون تسليم الأسلحة . اليس في ذلك تناقض كبير ، وأجمالا فالعبرة ليست بشكل النظام وليست بشخوصة وسلالتهم ، العبرة بسلوك الفاتحين الجدد ومدى تقبلهم للأخر ، فأذا كان السابقون اصلاح ومؤتمر سيئون فلا يحاكوا سلوكهم يفترض ان يكونوا عبرة للاخرين ، ويكسبون الشعب بالأفعال وليس بالأقوال ، ولذا فأنهم تحت المجهر الوطني والاقليمي والدولي ففي عصر العولمة توسعت افاق الفضاء الاعلامي ويدرك العالم من اقصاه الى اقصاه كل شاردة وواردة في أي مجتمع ، ولكن ما يسجل يوميا من انتهاكات واختراقات مهما برر البعض ونفى فأن الحقيقة ستضل ساطعة مثل الشمس .
الصورة لآخر مجلس وزراء في العهد الملكي المتوكلي ..