أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

سفارتنا في موسكو والتدهور الاداري

- محمد أنيس

السفارة معناها في اللغة العربية تعني الرسالة ووسيلة للاتصال والتفاهم والمنافع المشتركة الوجه الأخر لليمن ممثل الوطن ناقل رسالته إلى كل أنحاء العالم – الوجه الأخر لوزارة الخارجية – هذه المؤسسة السيادية والتي وصلت إلى حالة التدهور الإداري والأخلاقي افقدها فعاليتها وأعاقها من التطور والنمو. ومما يثير الحزن والأسى أن المهاجر اليمني هو الوحيد - في العالم- الذي تتضاعف معاناة غربته وتزداد مرارتها، لأنه لا يلمس وجود رعاية وخدمات حقيقية تقدمها له سفارة بلده. فبدلاً من أن تكون سفارات اليمن وجهة اليمنيين وقبلتهم التي يجدون فيها السكينة والاطمئنان والعون للتغلب على مرارة الغربة، تتحول هذه السفارات إلى كابوس ومصدر قلق لليمنيين وكأن الشقاء والبؤس قد كًتب عليهم في حلهم وترحالهم. والحقيقة هي أن كثيراً من موظفي السفارات والقنصليات اليمنية هم امتداد لأفعى الفساد التي تنهش الجسد اليمني وتعيق تقدمه واستقراره منذ عقود من الزمن
وحتى يتضح الموضوع وتتبين بشاعة الممارسات في السلك الدبلوماسي والقنصلي، فإنني سأذكر بعضاً من المشاهدات والقصص الواقعية والتصرفات التي لا يستطيع أحد أن ينكرها والناتجة عن اختلال واعتلال هذا القطاع المهم والذي يكبد ميزانية الدولة مبالغ طائلة بالعملة الصعبة تذهب سدى وتلتهمها بطون وجيوب كثير من الفاسدين والمعتلين وطنياً والذين يشوهون صورة هذا البلد الذي يستحق من أبنائه ومسؤوليه تمثيبلاً مشرفاً يليق برصيده الحضاري العريق.
الحقيقة المرة أن من يتم تعيينهم لشغل هذه المناصب الدسمة - في الغالب- ليسوا من أهل الكفاءة والنزاهة ولم يخضعوا للمنافسة الشريفة الشفافة، بل يتم تعيينهم وفقاً لجهات النفوذ التي تدعمهم سواء كانت حزبية او جهوية أو مناطقية أو أسرية، وهذه الأخيرة (الأسرية) طامة كبرى في اليمن، حيث ان بعض الأسر أو العائلات المتنفذة تمتلك صكاً مقدساً منذ عقود بأن يتم تعيين أبنائها في السلك الدبلوماسي، والمطلعون على هذا الأمر يدركون صحة ما أقول.

حاولتُ خلال أسفاري وترحالي إلى العديد من البلدان العربية والأجنبية زيارة سفارات اليمن وقنصلياتها، وكنت أركز على معرفة وتقييم مستوى الخدمات وأسلوب تعامل موظفي السفارات مع اليمنيين والأجانب، واستمعت إلى قصص كثيرة من اليمنيين والأجانب عن تجارب مريرة لهم مع بعض موظفي سفارات اليمن وقنصلياتها في الخارج. للأسف الشديد، لا توجد مواقف وتعاملات مشرفة عموماً – بعيداً عن الاستثناءات – فالواقع المرير هذا يتلخص في ان معظم موظفي السفارات لا يدركون حساسية الوظيفة الدبلوماسية وأهميتها وحجم المسؤولية الجسيمة الملقاة على عواتقهم، فتجدهم ينقلون أساليب التعامل الروتينية السيئة المتداولة في الدوائر الحكومية داخل اليمن ويمارسونها في أماكن عملهم في السفارات، غير مدركين بأن هذه البلدان تختلف عن اليمن ثقافياً وإدارياً وتنظيمياً، وكل هذا يولد احباطات كثيرة لدى من يتعامل مع سفاراتنا من غير اليمنيين وتتكون لديهم انطباعات سلبية عن اليمن واليمنيين.
بعض المواقف والممارسات المؤسفة لسفاراتنا وملحقياتها في الخارج:
- لعل أهم الاشكاليات تتمثل في الفساد المستشري في الملحقيات الثقافية والتي لا علاقة لها- في معظم الأحيان- بالثقافة والعلم بل هي بمثابة إدارة مهمتها تسيير أمور المنح والبعثات الدراسية مالياً وتسليم مخصصات الطلاب - وياليتها تنجح في هذه المهمة. ومن مظاهر فساد واختلال أداء الملحقيات والسفارات عموماً ما يلي:
تأخر صرف مستحقات الطلاب اليمنيين في الخارج. فالملحقيات اليمينة - هي الوحيدة- بين نظيراتها من كل بلدان العالم التي تدفع الطلاب اليمنيين إلى تنظيم مظاهرات واعتصامات في معظم البلدان، مما بشوه صورة اليمن إعلامياً وما يحدث من استدعاء لقوات الشرطة في تلك البلدان لفض الاعتصامات، وهذه - لعمري- فضيحة حصرية متكررة للدبلوماسية اليمنية، لم تحدث في ملحقيات دول مماثلة لليمن كــ اريتريا والسودان واثيوبيا، والتي تتعامل بمهنية ومسؤولية تجاه طلابها وهذا ما تعرفت عليه من خلال أصدقاء أعزاء لي من تلك البلدان.

تقصير الملحقيات الثقافية في التعامل بمهنية مع الجهات الرسمية في البلدان التي تتعامل معها ويتضح ذلك من خلال تأخير دفع الرسوم الدراسية للجامعات مما يدفع تلك الجامعات - احياناً – لتضييق الخناق على الطلاب اليمنيين، اضافة إلى الروتين المعقد والإبطاء في إنجاز المعاملات.
بحسب تتبعي لأخبار الملحقيات الثقافية، فإن النشاطات الثقافية التي تساعد على تعزيز الروابط الثقافية بين اليمن والبلدان الأخرى تكاد تكون منعدمة، والسبب هو أن معظم المسؤولين في الملحقيات الثقافية هم من أعداء الثقافة أو ممن لا ينتمون إليها، إلا ما ندر، والنادر لا حكم له! وبمفهوم بسيط جدا ( ان السفارة التي لا تستطيع أن تأتي بمردود موظفيها على الأقل عليها أن تغلق أبوابها وترحل من أين أتت

Total time: 0.0288