دعا سماحة المفتي العام في السعودية رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ قادة وزعماء العالم الإسلامي إلى توحيد الكلمة وحماية الدين، ووصف الجرائم التي ترتكب اليوم باسم الجهاد والإسلام بأنها «جرائم شنيعة وإرهاب ظالم وعدوان غاشم وفساد والله لا يحب الفساد».
ودعا آل الشيخ بالنصر لأهل الشام وبالتوفيق لأهل العراق واليمن وليبيا، وقال: «اللهم انصر إخواننا بالشام من ظلم الظالمين، اللهم وفق إخواننا في العراق وفي اليمن وليبيا وفي سائر بلاد الإسلام، يا إخواني في العراق اتقوا الله في أنفسكم وعسى أن تتغلبوا على هذه المتفجرات، يا إخواني في اليمن ما هذه الحالة السيئة حولتم البلاد إلى خوف وذعر، يا إخواني في ليبيا اتقوا الله في أنفسكم وتعاونوا على البر والتقوى واحذروا الشيطان، يا أخواني في كل مكان كونوا يداً واحدة وتعانوا على الخير والتقوى».
وقال آل الشيخ في خطبته أمس في مسجد نمرة بعرفات أمام حجاج بيت الله الحرام، مخاطباً زعماء العالم الإسلامي، وخاطب سماحته قادة وزعماء العالم الإسلامي وعموم المسلمين قائلاً: «اتقوا الله في أنفسكم، اتقوا الله في أنفسكم، واتقوا الله في شعوبكم، اتقوا الله في بلادكم، اتقوا الله في دينكم، أوصيكم اتقوا الله، واعلموا أنه كل مسؤول عما ائتمنه الله عليه (كلكم راع ومسؤول عن رعيته)، أعدوا للسؤال جواباً وللجواب صواباً، اعملوا جميعاً في حماية دينكم وأخلاقكم، دينكم مستهدف، أمنكم مستهدف، عقيدتكم مستهدفة، قوتكم مستهدفة، عقولكم مستهدفة، فأعداء الإسلام يعدون ضدكم، فاتقوا الله في أنفسكم وتعاونوا في ما بينكم تعاوناً صادقاً في المحافظة على الأمن والاستقرار، واحذروا أن يكون أي منكم متآمراً، فأنتم أمة مسلمة، أنتم خير أمة أخرجت للناس، واتقوا الله في أنفسكم وتعاونوا على الخير والتقوى في سبيل مصالح العامة».
وأضاف: «أيها المسلمون إن مجلس التعاون الخليجي خطى خطوة يشكر عليها، ولكن نحن بحاجة لتعاونكم في سبيل عز الأمة واستقرارها واستقرار أمنها، فاتقوا الله يا أيها المسلمون واسعوا في توحيد كلمتكم وصفوفكم، اتقوا الله في أنفسكم واعملوا خيراً وقدموا خيراً.. أيها المسلمون إن أمن المجتمع مسؤولية، كل فرد منا يسعى في أمنه ويبتعد عن ما يسيء إليه، ولنحذر من سوء الحماقات».
وأشار المفتي إلى «إن للإعلام دوراً عظيماً في خدمة الأمة وحل قضاياها وحل مشكلاتها للتخفيف من همومها ومشكلاتها من منطلق شرعي وتعاليم الإسلام، وأن يهتم بقضايا مصيرية وأن يكون مصدراً للقيم، وليكن الإعلام بعيداً عن المهاترات وأن يكون هدفه الإصلاح، فالإعلام إذا كان صادقاً واقعياً يكون له دور فاعل».
وأكد آل الشيخ أن عنوان صلاح كل أمة هو استقامتها ومحافظة أبنائها على النفوس، فإن قتل المسلم بغير حق عدوان ظالم وظلم كبير من الجرائم المنكرة، وقال: «ولكن ابتلينا بأمة سفكوا الدماء وقتلوا النفس المعصومة وقدموا بها تمثيلاً سيئاً لا يمثل إسلاماً ولا خلقاً إنسانياً.. هؤلاء هم الخوارج الذين أشار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم عندما اعترض أحد منهم وقال هذه قسمة ما أٌراد بها وجه الله فقال صلى الله عليه وسلم: (فإنه يخرج من صلب هذا قوم تحقرون صلاتكم عند صلاتهم وصيامكم عند صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم يدعون إلى الأوثان)، فهم أعظم شأناً من الخوارج، هؤلاء إجراميون انتهكوا الأعراض وسفكوا الدماء ونهبوا الأموال وباعوا الحرائر ولا خير فيهم».
وإن هذه الأعمال السيئة عظيمة.. يُقتل المسلم بغير حق يقول لا إله إلا الله ويصلى ويصوم، كيف بلا إله إلا الله إذا جاءت تحاج يوم القيامة، فقد قتل أسامة بن زيد في إحدى السرايا رجلاً قال لا إله إلا الله، فقال له الرسول صلى الله عليهم: يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله قال: نعم، قال لماذا؟ قال: قالها خوفاً مني، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أشققت عن قلبه، كيف لك بلا إله الله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة، قال أسامة بن زيد تمنيت أني لم أسلم إلا يومئذ. وأكد سماحته أن هذه الجرائم الشنيعة إرهاب ظالم وعدوان غاشم وفساد والله لا يحب الفساد، وأشرُ من ذلك أنهم لبسوا باطلهم بأنه جهاد وأنه الإسلام، والله يعلم أنهم بُراء من الإسلام ومن الجهاد، وأنهم الطغاة، فاحذروا أفكارهم المنحرفة ودعواتهم الزائفة.
وحث أمة الإسلام قائلاً: «أنتم صمام أمتكم تحمون حدودها واستقرارها وتضربون بيد من حديد على كل الأعداء من الخارج ومن الداخل، وعملكم شريف فاتقوا الله في أنفسكم، واحتسبوه عند الله ثواباً، فقفوا صفاً واحداً واصبروا ورابطوا، ففي الحديث: (من رابط يوماً في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها)، فيا أمة الإسلام اسألوا الله التوفيق والسداد، وأن يثبتنا على ذلك وأن يعيننا على مهمتنا، وليعلموا أن الالتفاف على الإسلام جهاد في سبيل الله». وأوضح سماحة المفتى أن من أخلاق المؤمن محبة الخير له ولإخوانه والدعاء لهم يقول المولى جل وعلا: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)، فمحبة الصحابة والدعاء لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة، والترضي عنهم واجب، ولا نعيبهم، ولا نقول بهم إلا خيراً، فإن من يعيبهم ويستهزئ بهم ويسيء الظن بهم دليل على إجحاف في قلبه.
وقال: «حجاج بيت الله الحرام اشكروا الله على هذه النعمة أن بلغكم الوصول إلى بيت الله الحرام سالمين معافين لتقضوا مناسككم، فيا أيها الحجاج عليكم بالتماسك والتكاتف والالتحام قدر الإمكان ولا تؤذوا النساء والضعفاء والعجزة».
واستذكر سماحته الأعمال الجليلة التي تبذلها المملكة العربية السعودية في خدمة الحرمين الشريفين، فمنذ وحدت البلاد على يد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - أولى الحرمين الشريفين وخدمة حجاج بيته الحرام العناية والرعاية، وقام أبناؤه الملوك من بعده سعود وفيصل وخالد وفهد - رحمهم الله - بمواصلة نهجه، حتى أتى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود الذي تميزت في عهده الخدمات والمشاريع العظيمة منها توسعة الحرمين الشريفين والأعمال التطويرية بالمشاعر المقدسة والمطاف، التي أسهمت جميعها في استيعاب الحجاج.
ودعا حجاج بيت الله الحرام للوقوف بعرفات إلى غروب الشمس وعدم النفرة منها إلا بعد غروب الشمس، موصياً الجميع بالإكثار من ذكر الله والاستغفار والتهليل وسؤال الجنة والنجاة من النار.. وقال: «أنتم في يوم مبارك من أيام الله يوم عرفة ويزيده شرفاً أنه يوم الجمعة، فقد اجتمع يومان فاضلان، هذا اليوم يقول فيه صلى الله عليه وسلم: (فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه)، وينزل الله إلى سمائه الدنيا آخر النهار فيقول انظروا إلى عبادي وأشهدوهم إني غفرت لهم، هذا اليوم يوم عيد أسبوعي ويوم عيد عرفة هذا اليوم يوافق موقف النبي صلى الله عليه وسلم، هذا يوم إتمام الدين وإتمام النعمة، أيها المسلمون اتقوا الله جل وعلا وقفوا إلى غروب الشمس، وصلوا في مزدلفة المغرب والعشاء، وبيتوا فيها إلى معظم الليل ولكم إلى منتصف الليل، وإكمال حجكم.
وأوصى سماحته حجاج بيت الله الحرام في بداية خطبته بتقوى الله عز وجل، وأنها من خصائص المؤمن في سره وعلانيته ونجواه، مشيراً إلى أن: «النفس البشرية لو تركت وداعي الفطرة لذهب الناس إلى الشبهات والشهوات، وحق لهذا الدين أن يكون دين فطرة ودين البشرية جاء بدستور يوافق العقل وقريب للقلب وأخوة رابطة، أخوة الإيمان والإسلام ديننا دين الإسلام دين كمال وشمول جاء بما يهدي الناس إليه في أمور دينهم ودنياهم وعباداتهم ومعاملاتهم وكل شؤون حياتهم ونهج متكامل بمبادئ راقية وأخلاق عالية، ونظم كاملة ومما يدل على ذلك هذا الدين بكل أصوله ومبادئه السليمة التي توافق الفطرة السليمة والقلب السليم والعقل المستقيم».