وفود دولية وإقليمية أنابت عن كل العالم تقريباً، هبطت إلى العاصمة المصرية، للمساهمة في أعمال المؤتمر الدولي للمانحين وللإعلان عن تعهداتها المالية المخصصة لإعادة إعمار قطاع غزة.
الدولة الوحيدة التي تغيّبت وبشكل غير متوقع هي إسرائيل، بالنظر إلى مشاركتها في مؤتمرات إعمارية مماثلة، والذي كان سببه الطلب المصريّ، خشية جلب التوتر وإفشال المؤتمر، مع العلم أن إسرائيل لها علاقات جيدة مع جميع الدول المشاركة بما فيها دول عربية.
ظاهراً أبدت إسرائيل انزعاجها من عدم تقديم دعوة خاصة بها للمشاركة، وأظهرت في نفس الوقت بأنها لن تغضب كثيراً لغيابها، لتفهمها حساسية الوضع الذي أوجدته مصر أمامها، وإن كان السبب ضعيفاً، إلاّ أن إسرائيل ستكون هي الحاضرة روحاً ونفساً وإن لم تكن حاضرة ببدنها، وغيابها سيكون أفضل لها من الحضور كون الجميع سيحافظ على أنها غائبة وليس باستطاعتها الإعلان عن مساهمتها، أو بشأن الدفاع عن نفسها إذا ما تواجدت الدواعي لذلك، وكان وزير الخارجية الإسرائيلي "أفيغدور ليبرمان" قد نفى عدم المشاركة في المؤتمر وأكّد في هذا الخصوص، بأنّ إسرائيل هي مشاركة بالفعل، إذ لا يُمكن نجاح المؤتمر دون اشتراك وتعاون إسرائيليّ، وبالتوضيح كان يقصد بدون موافقة إسرائيلية على أيّة بنود وقرارات واردة، علاوة على أن إسرائيل، كانت وضعت ما يتوجب عليها وضعة أمام أيّة نجاحات للمؤتمر، وما يمكنها من ضمانات، من أن الكل يسير لصالحها وعلى هواها.
إذاً فالدور الإسرائيلي متواجد وكبير وأوراق اللعب الإسرائيلية موضوعة مسبقاً على الطاولة ليس منذ الآن، ولكن منذ انتهاء العدوان الأخير على الأقل، وهي أوراق تعتبر قوية ولديها الفرصة في التحكم في كل شيء وخاصةً في شأن الإعمار، والكل يدرك قوة أوراقها بغض النظر عن أنها ظالمة ومتغطرسة،
يعلم الفلسطينيون حتى قبل ذهابهم إلى المؤتمر، بأنهم سوف ينجحون في تحشيد العالم لحضور المؤتمر، وبأنهم سيحصلون على أرقام دولارية ربما خيالية أو لا بأس بها أو مُرضية على الأقل، بسبب أن لديهم مؤشرات بشّرت بنتائج إيجابية، لكنهم يعلمون في نفس الوقت بأن القليل منها سيصل إلى القطاع بسلام، ويعلمون مسبقاً أيضاُ بأن هناك أثمان يجب دفعها أولاً أو التعهّد بدفعها مستقبلاً، لقاء تواجد هذه الأموال، علاوةً على أن المواد اللازمة أو شروطها ستكون مجحفة تبعاً لخطّة "روبرت سيري" مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط، والتي لن تغيّر الكثير من شكل الحصار الإسرائيلي والدولي المفروض على القطاع منذ ما يقرب من عقدٍ من الزمن، والتي لا تروق بالمرّة لا للفصائل المُقاتلة ولا للشعب الفلسطيني بشكلٍ عام، على الرغم ممّا يُشاع، بأن آلية تنفيذ خطة الإعمار ستكون سلسة وشفافة ومن غير حساب.
هذه الأثمان ستكون ذات طوابع سياسية والتي تتعلق - وفي حضور المانحين- بثني الرئيس الفلسطيني "أبومازن" عن مساعيه في التوجه لمجلس الأمن والذي يهدف إلى إنهاء الاحتلال، ولتخفيف جريه باتجاه محكمة الجنايات الدولية، بهدف تجريم إسرائيل على أفعالها الدموية لصالح الفلسطينيين.
إسرائيل ربما لا تُخيفها تلك المساعي ولا يحزنون، لاعتبارها أن أيّة خطوات فلسطينية بعيدة عن الرأي الإسرائيلي، ستكون خطوات أحادية وجهد ضائع ليس إلاّ، ولكن الذي يهمها بالدرجة الأولى، هو تكريس سياساتها وتكريس أمنها وتكريس وجودها (مُحتلة) على الأرض، وفي إطار هذه التكريسات، فإنها وضعت أمام الولايات المتحدة في شأن الإعمار اشتراطاتها المختلفة سياسية وأمنية واقتصادية، حتى حفظتها عن ظهر قلب، وأنبأتها بأنها ستعترض على كل ما يتجاوز إعادة وتأهيل الدور المهدّمة والمشافي ورياض الأطفال، أو أي نشاط يبتعد عن يد السلطة الفلسطينية، وصولاً لإنهاء حكم حماس، علاوة على الترتيبات التي وضعتها من أجل أن تضغط الولايات المتحدة بشأن استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، وهو ما سعى إليه "جون كيري" وزير خارجيتها المتواجد على رأس المؤتمر، على أنه مطلب الكل وبخاصة الجامعة العربية ودول عربية أخرى للانتهاء من القضية الفلسطينية.
خانيونس/فلسطين
أوراق سياسية على طاولة مؤتمر المانحين !
اخبار الساعة - د. عادل محمد عايش الأسطل