قال المحلل السياسي المعروف محمد جميح إن اليمنيي يعلمون حجم المسئولية الملقاة على عاتق الرئيس هادي ، مضيفاً أننا كمحللين وضعنا الكثير من التبريرات للرئيس هادي لكن لايخلو تعامله مع المشهد مؤخراً من علامات استفهام وتعجب.
وقال الجميح في مقال له : خرج علينا الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ليقول، إن ما تم من سيطرة مليشيا الحوثيين على العاصمة صنعاء كان مؤامرة، وقبل ذلك قال عن محاولات الحوثيين اقتحام صنعاء إنها محاولة انقلابية.
الكلام أعلاه يعطي الانطباع بأن هادي ونظامه يتعرضان لمحاولة انقلاب، وأن مؤامرة داخلية وخارجية تحاك ضدهما، والمؤامرة على أي حال واردة. غير أن استقبال هادي لمن وصفهم بالانقلابيين الذين يفترض أن يكونوا أدوات المؤامرة، استقباله لهم، والتوقيع على «اتفاق السلم والشراكة» معهم وتهليله لهذا الاتفاق، الذي قال عنه ناطق الحوثيين إنه يلغي المبادرة الخليجية، كل ذلك يضع علامات استفهام حول طبيعة ما يقول هادي وما يفعل.
القول بأن مؤامرة تحاك ضد اليمن يتعارض مع الفعل المتمثل في جلوس الرئيس إلى جوار من وصفهم بالمتآمرين والانقلابيين، وإذا كان لا بد لنا أن نصدق ذلك، فهذا لا يعني إلا شيئاً واحداً، وهو أن نظام الرئيس اليمني اليوم يتستر على المتآمرين والانقلابيين، ويعطيهم الغطاء السياسي محلياً وإقليميا ودولياً.
بالنسبة لي شخصياً حملت وداً كبيراً لهادي، ورأيت فيه ذات يوم أملنا في العبور إلى الضفة الأخرى، وجئت من لندن حينها للمشاركة في فعاليات انتخابه وتغطية هذا الحدث إعلامياً، والتقيت هادي في لندن، وأجريت معه بعض الحوارات التي نشرت في حينها، ثم شاركت في مؤتمر الحوار الوطني على قائمة الرئيس هادي ضمن حوالي 65 عضوا اختارهم الرئيس على قائمته، وغطيت ما استطعت من فعاليات الحوار.
أسوق ذلك لأقول إنني حتى اللحظة الأخيرة كنت أدافع عن تصرفات الرئيس هادي، وأُحسن الظن به، وتحملت في ذلك الكثير من الأذى ممن صنفوني على معسكره، أقول ذلك، لأشير إلى أنني لا أحمل أي موقف عدائي ضد نظام الرئيس هادي، وأن العكس هو الصحيح. لكن الأمور ساءت تحت إدارة الرئيس فوق ما يمكن للمرء أن يتحمل، وفوق ما كنا نتخيل. أصبح هادي اليوم، شاء أم أبى، غطاءً ينفذ من تحته الحوثيون كل مخططاتهم في التحكم بمقدرات البلاد، وتكريس نهج التغيير بالقوة، وإشعال الحروب الطائفية والقبلية والمناطقية في البلاد. استهدفوا كل ما يمكن استهدافه من رموز سيادية في الدولة وهادي لا يحرك ساكناً، وصلوا إلى كيلومتر من قصره مساء السبت، وأطلوا على القصر من «حارة الليل»، وهو يتمسك بضبط النفس، كل هذا كان من الممكن أن يكون جيداً لو أن الثمرة كانت مخالفة لما نراه اليوم، من سيطرة المليشيات على شوارع وأزقة وحواري صنعاء التي لو أراد هادي التحرك في شوارعها لربما أوقفت موكبه نقطة تفتيش للحوثيين.
وقبل أسابيع عندما سقطت عمران في يد الحوثيين زارها الرئيس في اليوم الثاني ليؤكد أن عمران آمنة، وأنها عادت إلى سيطرة الدولة. فهل كان هادي يقصد أن الحوثيين الذين سيطروا عليها هم الدولة، أم أراد أن يقول إن الحوثيين سيعيدونها إلى الدولة؟ وبعد سقوط صنعاء في يد الحوثيين خرج الرئيس ليقول لنا، إن صنعاء «لم تسقط». فهل نصدق ما قيل أم نصدق شوارع صنعاء التي ترزح تحت وطأة مليشيات الحوثيين ونقاط تفتيشهم المنتشرة في كل مكان من العاصمة، هل نصدق ما قيل أم نصدق كل وكالات الإعلام التي تقول إن صنعاء سقطت؟ وبالطريقة نفسها يطرح السؤال: ماذا يعني هادي بقوله إن صنعاء «لم تسقط»؟
في الحقيقة لقد بدا أداء الرئيس مرتبكاً ومخجلاً إلى حد جعلنا نحن الذين نعيش خارج الوطن نعاني ونحن نبحث عن تبرير لأفعاله. كل ما سبق من نقد صحيح في حق الرئيس على اعتبار حسن الظن به، مع أن تقارير إعلامية بدأت تتحدث، لا عن ضعف أداء الرئيس، وقلة خبرته السياسية، ولكن عن ضلوع له في ما حصل بالتنسيق مع جهات إقليمية، لضرب خصومه من أتباع الرئيس السابق، أو ضرب حلفائه في اللقاء المشترك، وحزب الإصلاح تحديداً، وهو ما برز في سرعة تخليه عن مستشاره العسكري اللواء علي محسن الأحمر، ودافعه في ذلك كله ـ كما تقول تلك التقارير – ليس التخلص من مراكز القوى التي تعيق بناء الدولة المدنية، ولكن لكي يكرس سلطته أكثر بإبعاد كل من يمكن أن يشكل خطراً عليها.
ومع ذلك فإنه حتى مع إحسان الظن بالرئيس هادي، وعدم تصديق ما يطرح في وسائل الإعلام، فإن الرئيس هادي مثل لثمانية ملايين يمني صوتوا له في معظمهم، ولملايين آخرين من اليمنيين في الداخل والخارج، مثل هادي خيبة أمل مريرة لن ينسوها، ولا أعتقد أن تاريخه سيكتب أنه جنب اليمن الحرب، التي لم يسلم منها اليمنيون، بقدر ما سيكتب أنه كان يتناول الأمور بيد مرتعشة، وقلب واجف.
لم يعد مفيداً لهادي تكرار عباراته التي حفظها الناس عن ظهر قلب، والتي كررها في خطابه الأخير بقوله «لا بد أن أشير وأكرر إلى أنني عندما استلمت الدولة عام 2012 لم أستلم منها إلا شبه دولة لسلطة متفككة ومؤسسات متغولة في الفساد وجيش مقسم الولاءات ومحافظات عدة خارج سيطرة الدولة»، وهي الأسطوانة التي جعلت سلفه صالح يسخر من ترديدها، والذي يمكن أن يرد عليه بأكثر من رد أقلها أن غيره استلم انهياراً تاماً في دولته وخرج بها في سنوات قليلة إلى مصاف الدول الناهضة، والأمثلة كثيرة في التاريخ الذي نعيشه، ثم على افتراض صحة هذا الطرح ، فإن سؤالاً محرجاً سيطرح، وهو هل بقيت الدولة على ما كانت عليه يوم استلمها الرئيس، أم زادت الأمور سوءاً؟
لم يعد من المقبول – كذلك – تكرار قوله «لم يكن من الممكن أن يتم تغيير كل هذا في عامين قضيتها بإطفاء الازمات ومحاولة تحقيق التوافقات وتجنيب البلاد الحروب قدر ما استطعت»، لسبب بسيط وهو أنه حتى هذه لم ينجح فيها تماماً. أما أن يقول هادي «أعترف لكم بأن الكرسي الذي أجلس عليه لم يكن أبداً وجاهة ولا منصبا، بل كان كرسيا من نار»، فكنت والله تمنيت لو أنه لم يقلها، لأنها تكرار لمقولة صالح عن الكرسي ذاته إنه «كرسي جهنم»، ولا أدري لمَ يصبر من يجلس على الجمر على مكانه سنوات طويلة!
خلاصة الكلام، هادي هو الحل وهو جزء من المشكلة، والتاريخ يلاحظه، وأعتقد أن أكبر إنجاز يمكن أن يقدم عليه هادي في اللحظة الراهنة، هو أن يمتنع عن كونه رئيساً يمنياً بمواصفات لبنانية. لا ينبغي أن يرضى هادي بسلطة صورية أشبه ما تكون بسلطة الرئيس اللبناني الخاضعة لحزب الله، لا ينبغي أن تخدعنا السلطة الصورية للرئيس هادي في حين أن الحاكم الفعلي هو قائد مليشيات الحوثي. ولئن رضي هادي لنفسه بمنصب كهذا، فلن نرضى لوطننا بوضع كهذا.
لن نقبل أن يكون اليمن برئيس لبناني، حتى لو قبل هادي بقصر بعبدا.
ما حدث مؤخراً في صنعاء ليس المشهد الأخير. ما جرى هو البداية. ويعلم الله وحده ماذا بعدها.
المحلل السياسي جميح : وضعنا الكثير من التبريرات للرئيس هادي لكن لايخلو تعامله من علامات استفهام
اخبار الساعة - صنعاء