أخبار الساعة » دراسات ومتابعات » دراسات وتقارير

مقال: التعبئة والتعبئة المضادة

- د.يوسف الحاضري
قد يخفى على البعض دون البعض أن التعبئات أنواع منها الدينية والاجتماعية والطائفية والحزبية والسياسية وأيضا الاقتصادية المادية ولأن كل جزء من هذه التعبئات لها أهداف ومخرجات ولكنها ( باستثناء الدينية ) تحتمل الرجوع والانشقاق عنها من قبل من يتم تعبئتهم إياها فالفكر الاجتماعي نجد أن من ينتقل من بيئة اجتماعية إلى أخرى يتنازل عن أفكار اجتماعية وعادات وتقاليد محدده ليتأقلم مع الحياة الجديدة وكذلك الحزبية والسياسية والتي تجعل رجل السياسة أن يحور أفكاره ومعتقداته ويحولها تماما مقابل منصب ما أو غير ذلك بيد أن التعبئة الدينية والتعبئة المضادة هي مربط الفرس وهي محور مقالي فكلنا نعلم أن أقوى سلاح ذو حدين هي سلاح الدين فكل أفكار سهله التغير والتشكل والانسلاخ منها والازدياد من أفكارها إلا الدينية والتي أحكامها وأفكارها مقدس لا تراجع عنه ولا يوجد هناك مجال للتفكير وتحكيم العقل عند بعض الطوائف كربط شديد بين النقل والعقل في مجال الدين وأحكامه ومن هنا جاءت بعض الطوائف في مجتمعنا الإسلامي السياسي واستغلت هذه الاتجاهات والأسلحة كطريق سهل وسلس وسليم لتمرير مخططاتها وذلك من خلال استغلال فكر وطموح الشاب المسلم الذي يتم استغلال حبة لله ولجزاءة وللجنة من منطلق (يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها ) وأساس هذه التعبئات هي المرجعيات الدينية في كل طائفة حيث نجد أن لكل طائفة دينية نقية أو دينية سياسية مرجع ديني متمثل في عالم دين أو مجموعة من العلماء حيث يتم تعبئة عقول وقلوب هؤلاء المتبعين أن هذه المرجعية وكل ما يصدر عنها لا جدال فيه ولا نقاش ولا حتى حوار فما يصدر منه يجب أن يتبع منهم ب(صدق هذا المرجع) ويصل إلى درجة التقديس من بعضهم وتصبح أوامره ككهنوتية علماء اليهود والمسيح بعد أن يتم تعطيل العقل والقلب (رغم أن الكهنوتية لا محل لها في ديننا الإسلامي ) ومن هذا المنطلق وجدنا شراسة مقاومة أنصار الحوثية في شمال الشمال اليمني ومنها تأتي صعوبة بل انعدام فرصة النجاح في الحوار مع أنصار الأخوان الإصلاحيين في اليمن أصعب بمراحل كثيرة من حوارك مع ناصري أو اشتراكي أو حزبي والسبب واضح جدا ولعلنا وجدنا هذا جليا بعد تصريح المرجع الأول للإخوان الإصلاحيين في اليمن الشيخ الزنداني عندما صرح بأن كل هذا جهاد في سبيل الله ومن هذا المنطلق وجدنا أن أكثر من مئات الآلاف من أتباعه مستعدون تماما السقوط بين قتلى وجرحى في هذه الأحداث وهو مبتسم كما كان يتساقط الحوثيون في حروبهم مع الجيش اليمني خلال 6 حروب ماضية وكلاهما سقط في أرض اليمن وبمواجهة أبناء جلدتهم وكلهم يحمل في قلبه (لا إله إلا الله) ولأن هذا الموضوع معلوم للجميع فقد اتجهت هذه الجماعات الدينية خاصة الأخوان الإصلاحيين إلى تعبئة أفرادها تعبئة أخرى تحت ما يمكن أن أطلق عليه أنا ( التعبئة الدينية المضادة ) ومفهومها – مبسطا – مقاومة من يتحاور معهم بالدين والرد عليه بالدين (الدين بالدين ) كجدال وليس كتفسير أو توضيح أو شرح واقعي أو مصداقي بل عامل وقاية لهؤلاء الشباب من كل فكر ديني وسطي قد يعرض مخططاتهم وأهدافهم واتجاهاتهم للخطر لأن الشباب الذين يكرسون حياتهم لله وللرسول وللدين ينجرون خلف كتاب الله وأحاديث رسوله (وهذا شئ رائع ورائع جدا ) بل هذا الأمر الصائب ولكنه ومن هذا المنطلق فطنت هذه الجماعات لخطر تحاور هؤلاء الشباب مع أفكار معتدلة وسطية تستطيع أن تقنعهم وتردهم إلى جادة الطريق فسعت حاليا إلى تلقيحهم بجرعة وقائية أخرى كما يحلو لي أن أطلق عليها (بالتعبئة الدينية المضادة ) حيث يرتكز وبشكل أساسي وليس كلي على التمسك ببعض آيات وأحاديث تخدم مصلحتهم حيث أنها آيات وأحكام واضحة وصادقة وصحيحة ولكنها تستخدم في أماكن تخدم متطلباتهم وتكون كقوة مضادة لآيات وأحكام وأحاديث أخرى فعلى سبيل المثال لا على سبيل الحصر عندما تقول لإنسان أن الله أمر بطاعة ولي الأمر ثم تذكر له الآية الدالة على ذلك فمن منطلق مصلحة من يسيره يرد عليك بأن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر تحقيقا لقول الرسول فبالله عليكم قولوا لي هل هناك تعارض بين قول الله وحديث رسوله في هذا الموضوع فالله يقول ( أطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم ) والرسول يقول ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) هل هناك تضارب أو نسخ حديث لآية ( أستغفر الله ) لا يوجد من هذا القبيل فالله أمرنا بالطاعة حتى لو كان جائر فعندما يكون جائر الرسول حفزنا بأن نقول كلمة الحق (قولا وليس فعلا) يعني تنصحة وتعلمه خطأه ولكن لا يعني الحديث أن تخرج عن طاعته أو تحاربه أو تقاتله مثله كمثل وجوب طاعة الوالدين المشركين والذين يأمرانا بالشرك بالله فالله قال لا نطيعهما في هذا الأمر ولكن يجب أن نطيعهما في بقية الأحكام الحياتية ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علما فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ) ولا يجب هنا الاستدلال بحادثة أحد الصحابة عليهم رضوان الله عندما قتل والدة المشرك في إحدى غزوات الرسول لأن الأحكام عامة شاملة واضحة بل نستدل بالآيات الكريمة الواضحة والأحاديث الشريفة النبوية في ربط بينهما لا نجعلها أسلحة مضادة لبعضها البعض لأن المستشرقين سيجدون ضآلتهم في هذه الأمور الدينية الإسلامية  فيجب علينا ألا نستخدمها متى أردناها وكيفما نريدها من خلال التعبئة الدينية والدينية المضادة كتغليف كامل ومحكم ومضمون للعقل والقلب الشبابي .

Total time: 0.153