هل حصل معك سابقاً أن شعرت بأنك لم تستطع الكلام أو الوقوف من مكانك لساعة أو لساعتين ومن الممكن أن يصل بك الأمر أن لا تقف أو تتكلم لأيام؟ وهل شعرت سابقاً بأن جسمك يقشعر لسماعك خبراً صعقك؟ صدقوني هذا ما حصل لي وأعتقد لكثيرين غيري.
في ليله الجمعة كنت جالساً ببيتي أتصفح الأخبار، وكعادتي تصفحت وكالة معاً الإخبارية فوجئت بخبر رئيسي مفاده اختطاف الصحفي الايطالي "فيتوريو اريغوني"، ومرفق معه فيديو يؤكد الخبر باختطافه على أيدي قتلة لا هَم لهم سوى التكفير والتنفير والتعسير.
وفي صباح يوم الجمعة صدمني خبر قتل فيتوريو الذي أدمى قلبي وأفقدني بسمتي، فقد ضاعت الكلمات والهمسات والحركات، لم أتوقع أن هؤلاء الذين اختطفوه كائناً من كانو بهذه الهمجية لقتله بهذا الشكل البشع، ما هو ذنبه؟ وما هي الفعلة التي استحق عليها الإعدام؟ هذا ظلم والله
يبدوا أن هؤلاء بفكرهم كما اعتدنا عليهم قالوا أن هذا الكافر جاء ليفسد في بلادنا فوجب الخلاص منه، طبعا هذه هي الفتاوى الجاهزة والمغلفة، التي اجتاحت عقول فتيه غرر بهم فتنوا بدينهم لينفذوا بدون تفكير.
ولكن هل من قتل هذا الرجل قاصراً لا يملك العقل ليفكر قليلاً قبل أن يقدم على ارتكاب هذه الجريمة التي يندى لها الجبين، ويقرأ جيداً لديننا الحنيف الذي هوا براء من هؤلاء وأمثالهم، رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم قال:": "ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة" رواه أبو داود، وحسنه ابن حجر والألباني، ويقول عليه الصلاة والسلام "من قتل نفساً معاهداً لم يُرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً" - صحيح البخارى.
أم أن الفتوى حلت محل كلام حبيبنا المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، ومن أعطى الحق لهؤلاء اختطاف فيتوريو وهو على حد توصيفهم (ذمي)، ومن ثم قتله وهو آمن في ديار الإسلام حيث تنطبق عليه صيغة "المُعاهِد" فهل ترويعه واختطافه ومن ثم قتله وارد في الإسلام؟
ألم يعلموا أن هذا المناضل الذي نقش على ذراعه "مقاومة" ليدلل على مدى شغفه وحبه لنا ولمقاومتنا، والمقاومة توحد تحت رايتها الكل الفلسطيني، واأسفاه عليكم، ترك بيته وأهله ووطنه الذي أحب وجاء هنا ليعيش معاناتنا وليعاني ما نعاني ويحاصر معنا، ويقاوم ضد الاحتلال الإسرائيلي كما نقاوم، بعد كل هذا أيقابل هكذا وبهذه الطريقة البشعة التي لم يشرعها ديننا، والتي هي بعيدة كل البعد عن أخلاقنا كفلسطينيين ولا إنسانيتنا أبعقل هذا؟ هذه الفعلة النكراء أساءت لكل فلسطيني على بقاع المعمورة، هل الخيانة طبعنا، فهي خيانة لآمن وافقنا على دخوله أرضنا، التي هزت للفاجعة التي حدثت على ظهرها.
ماذا نقول لوالدته التي أكدت أنها ستكون على رأس القافلة القادمة إلى غزة، حيث قالت:" أريد أن أرى غزة التي آمن ابني بها وبطيبة شعبها".
ردنا لها أن نقول:" أن دم فيتوريو لن يذهب هدراً، وسيتم القصاص، وسيعاقب المجرمون، وستكون غزة آمنة لكل ضيف يحل عليها ويطأ أرضها".
من هنا أقول يجب على الحكومة المقالة بغزة العمل بكل ما أوتيت من قوة بحل لغز هذه الجريمة، والوصول إلى القتلة بأسرع وقت ممكن ومحاكمتهم والقصاص منهم، وليكونوا عبرة لغيرهم، ولمن تسول له نفسه العبث بأمننا وأمن المتضامنين معنا ضد هذا المحتل والذي يجب أن تكون أنظار الجميع متجهة له، لا لمن جاء ليقاوم معنا ضد الاحتلال البغيض.
فالإسلام برئ براءة الذئب من دم يوسف من هذه الجريمة ولا هو من نهج السلف الصالح، اعذرنا فيتوريو فهؤلاء لا يفقهون من الإسلام شيئا، سامحنا وقد عجزنا وللأسف أن نوفيك حقك وقدرك، يا من واجهت المحتل بصدرك العاري، رحلوك جواً رغماً عنك فعدت بحراً رغماً عنهم , يا من يعرفك كل صياد في غزة ويعرفك كل متضامن مع غزة، سامحنا فقد آذانا قبل أن يؤذوك، وقتلونا قبل أن يشنقوك.
رحلت بجسدك وصورتك بقلبي باقية، تركت بعملك بصمة يذكرك عليها الفلسطينيين بالخير، فبأخلاقك ستلاحق من قتلك،فإلى اللقاء "فيتوريو اريغوني"، لن أنساك.