أخبار الساعة » السياسية » اخبار اليمن

اليمن فوق بركان الطائفية والمذهبية

- العزب الطيب الطاهر

يوشك اليمن إلى الدخول فى معترك صراع طائفى ـ مذهبى ينطوى على شراسة قد تودى بالدولة والشعب إلى المهالك وربما التقسيم والفوضى, وهو ما بدت نذره مع سيطرة جماعة الحوثيين الشيعية على العاصمة صنعاء فى سبتمبر الماضى، فى خطوة لم تعكس أفقا متسعا لدى قيادتهم

والتى ابتهجت بالخطوة دون أن تتحسب لنتائجها, وفى مقابل هذه الخطوة المتسرعة بل والمتهورة, جاء رد الفعل من تنظيم القاعدة الذى توعد بالرد والعقاب وهو ما تجلى فى سلسلة من التفجيرات الانتحارية التى قامت بها عناصره فى أنحاء متفرقة, والدخول فى مواجهات مع الحوثيين فى مختلف المناطق التى تمددوا فيها بشمال وغرب اليمن والذى وصل الى مدينة الحديدة التى تطل على البحر الأحمر وغيرها من المناطق الاستراتيجية.

فى هذا السياق، يتخوف الباحث على بكر المتخصص فى الجماعات الإسلامية من تحول اليمن لبؤرة جاذبة للجهاديين، خاصة أن تنظيم القاعدة دعا أهل السنة إلى حمل السلاح، والوقوف إلى جواره فى حربه ضد الحوثيين من أجل الحفاظ على حقوقهم. كما يلفت الانتباه الى أن الصراع الطائفى سيكون من شأنه أن يقود الى تعميق أزمة الدولة اليمنية، فالنشاط المتزايد أخيرا لتنظيم القاعدة فى اليمن ضد الحوثيين والدولة، على حد سواء، سيزيد من الصعوبات التى يواجهها الرئيس اليمنى "عبد ربه منصور هادي" فى استعادة سلطة الدولة على كامل الأراضى التى أصبحت شبه منعدمة، خاصة أن القاعدة تصعد من هجماتها ضد الدولة منذ تولى الرئيس هادى الحكم، حتى لا يحدث استقرار سياسى فى البلاد يؤثر فى نشاط التنظيم وبقائه. وحسب رؤيته هناك مخاطر من أن يتحول اليمن لساحة حرب مفتوحة، مما يعنى موجة عنف لن تكون قصيرة الأمد. ويبدو واضحا أن الجماعة الحوثية، التى تتكئ, على غطرسة الشعور بالقوة , فى فرض هيمنتها على المشهد اليمنى، لم تقرأ بتمعن ملف تطورات شبيهة شاركت فيها بعض الأحزاب والتنظيمات فى بلدان عربية والتى ارتفعت قامتها مستندة الى عنصر القوة فقط , لكنها سرعان ما أسهمت فى انهيار الأوطان وغياب الدولة، مما فتح المجال لانطلاق الفوضى والخراب، ولم تع أن الدخول فى شراكة وطنية حقيقية مع القوى والمكونات الأخرى وبعيدا عن منطقة الإقصاء والإلغاء وتصفية الحسابات والتى تشكل الإطار الجامع هو الذى بوسعه أن ينقذ الوطن ويحقق الأمن للشعب. إن أخطر ما نتج عن هيمنة الجماعة الحوثية على صنعاء وغيرها من المدن والمحافظات يتمثل فيما يلى :

أولا : خلخلة سلطة الرئيس الشرعى للبلاد وتراجع سيطرته فى إدارة الدولة, خاصة أن الجماعة هى التى تقوم حاليا بمهام الشرطة والإشراف على الأنشطة الخدمية، التى كانت تقدمها الدولة, وقد فوجئ سكان صنعاء وبعض المدن الأخرى قبل أيام بظهور عناصرها فى الشارع , وهم يرتدون زى رجال الشرطة ويمارسون ضغوطا لضم عشرين ألفا من عناصرهم فى الجيش الوطنى مما يدفع الأمور دفعا الى المزيد من الاستقطاب المذهبى والطائفى, وقامت فى هذا السياق بممارسات هدفت من خلالها الى إثبات تصدرها القوى للمعادلة السياسية والعسكرية والأمنية عبر سلسلة من الاقتحامات لمنازل كبار المسئولين بالدولة ومؤسساتها, والأخطر هو التعامل مع الأسلحة والعتاد العسكرى الثقيل بالذات التى حصلت عليها من المواقع والمعسكرات التابعة للجيش وقوات الأمن بحسبانها غنائم يحق لها نقلها الى منطقة نفوذ الجماعة فى صعدة.

ثانيا : إجهاض أهداف المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطنى والتى شهدت إجماعا من كافة القوى والمكونات - بمن فيهم الحوثيون أنفسهم - وذلك يعنى بوضوح , أن الجماعة لم تعد تقبل بالإطار الوطنى وتعمل على التحرك بمفردها فى الساحة , الأمر الذى لن تقبل به قوى أخرى لها بعضها كان نافذا فى المشهد السياسى مثل حزب التجمع للإصلاح اليمنى ,والقوى الوطنية والليبرالية والناصرية والقومية , فضلا عن تنظيم القاعدة الذى رأى فى التداعيات الناجمة عن السيطرة على صنعاء مجالا خصبا لاستعادة بعضا من شعبيته المهتزة ونفوذه المتناقص , فسارع بإعلان الحرب على الجماعة , بل وعلى من يعتقد أنه يميل اليهم سواء فى مؤسسة الجيش أو الشرطة مثلما حدث بهجومه الانتحارى على معسكر للجيش فى حضرموت قبل أيام وقتله ثلاثة من أفراده بحجة أنهم مؤيدين للحوثيين, وهو تفكير أهوج ينم عن عدم قدرة على الفرز ويؤكد الطابع الإرهابى للتنظيم .

ثالثا: إمكانية تحول اليمن الى ساحة أكثر اضطرابا للصراع والفتنة الإقليمية خاصة بين دول الخليج وبين إيران,فما جرى من سيطرة على صنعاء احتسب تقدما إقليميا إضافيا تحرزه طهران, خاصة أن دول مجلس التعاون الخليجى ترفض التدخلات الخارجية فى اليمن، وتعمل على مساعدة اليمن فى تجاوز هذه المرحلة بما يحفظ أمنها واستقرارها ويصون سيادتها واستقلالها ووحدتها،لأن ما يهدد أمن اليمن وسلامة شعبه يهدد أمن المنطقة واستقرارها ومصالح شعوبها.

رابعا : محاولة تمدد الجماعة الحوثية الى مناطق استراتيجية فى اليمن بعيدا عن العاصمة صنعاء وفى مقدمتها منطقة باب المندب لاعتبارات ذات صلة بأهداف قوى إقليمية معينة تسعى لتحقيق مآربها فى صراعها مع الغرب، غير أن ذلك فى حد ذاته قد ينطوى على مخاطر تهدد الأمن القومى العربى، وبالتالى لن يقبل النظام الإقليمى العربى بسيطرة جماعة ذات أهداف طائفية ومذهبية بالسيطرة على هذا المضيق الاستراتيجى. الخطوة الأولى المطلوبة بإلحاح لاحتواء الأزمة الراهنة فى اليمن تتمثل فى مسارعة الجماعة الحوثية بسحب عناصرها المسلحة من العاصمة صنعاء ومن المناطق الأخرى التى سيطرت عليها،ودعم وتنفيذ استحقاقات العملية السياسية التى لن تعالج إلا بالحوار السلمى والعمل السياسى الصادق , والالتزام ببنود اتفاق السلم والشراكة الوطنية، وذلك لتجنيب اليمن مخاطر الفوضى والانقسام الطائفى والمذهبى فضلا عن الجغرافى.
 

Total time: 0.0378