أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

العقيد.الوجيه:كلية الشرطة التي يحتاجها اليمن

- عقيد: عبدالغني الوجيه

عندما فتحت كلية الشرطة في اليمن لأول مرة كانت الابتدائية العامة هي الشهادة المطلوبة للقبول , ومع تقدم الأيام وزيادة نسبة المتعلمين في البلد صارت الثانوية العامة هي الشهادة المطلوبة للالتحاق وكان خريجو الثانوية حينها محدودي العدد وعدد المتقدمين منهم للكلية محدود أيضاً.

في العام 2000م تقدم لكلية الشرطة آلاف من خريجي الثانوية العامة , دخل المئات منهم فقط الكلية وبعضهم الآخر أحيلوا إلى مدرسة تدريب أفراد الشرطة للدراسة فيها وتخرجوا من المدرسة بعد عام من الدراسة والتدريب للعمل ضمن وحدات الشرطة المختلفة (شرطة الدوريات الراجلة – شرطة السير – البحث الجنائي وغيرها من الوحدات الأخرى ) وكانت (المدرسة ) خطوة متقدمة خطتها وزارة الداخلية.

نحو تحسين الأداء وأثبت كثير منهم نجاحه في الميدان ولمست شخصياً أداء من عمل منهم معي في شرطة الدوريات الراجلة , نحن الآن في العام 2014م ولا زال بعض من نتحدث عنهم يتقدم لكلية الشرطة في كل عام يفتح فيها المجال للقبول منذ 14 عاماً ولم يدخلوها رغم الخبرة الطويلة التي اكتسبوها في عملهم الميداني ضمن وحدات الشرطة المختلفة !!!

تعالوا معي إلى حسبة بسيطة توضح فداحة الظلم في طريقة القبول بكلية الشرطة :

الطفل الذي كان عمره (4)سنوات حين استحق من تحدثنا عنهم آنفا الكلية هو الآن خريج الثانوية المتقدم للكلية , سيتخرج منها في العام 2018م ويأتي مسئولاً وقائداً على ذلك الفرد الذي لن تبارحه رتبة المساعد والذي سيكون قد خدم في الميدان (18) سنة بمآسيها , والأمر من ذلك أن الملازم الخريج ستتنزل الترقيات حتى يصل أعلاها بينما يبقى ذلك الفرد برتبة المساعد مدى الحياة.

لا نحتاج الى مثل أبلغ من هذا يبرز الصورة المأساوية لطريقة القبول في كلية الشرطة التي لا زال منهاجها متأخراً كثيرا جدا عن ملامسة حاجة شرطتنا الفعلية ولا يواكب تطور الجريمة الذي يزداد يوما بعد آخر مستغلاً ثورة التكنولوجيا التي لم نحسن نحن استغلالها في مكافحة الجريمة فضلاً عن واجبنا في استغلالها للوقاية من الجريمة وسبق منع وقوعها .

كلية الشرطة التي أذهلتنا أخبارها وفوضاها المتكررة خلال العام الماضي وهي رأس هرم النظام في الشرطة في أي بلد دون أن تستطيع وزارة الداخلية لها حلا والتي كان بإمكانها أن تكون جزءاً من حل مشكلة الجامعيين من منتسبي قوة الشرطة بدلاً من أن تزيد من مشكلتهم , هذه الكلية تترنح في الفوضى لتصبح جزءاً منها بدلاً من أن تكون النموذج الذي يصدره النظام لباقي وحدات الشرطة في البلد !!!.

إنها الحسابات الأخرى !! حسابات قوائم الترضية للجهات والشخصيات على حساب المصلحة الوطنية ومواصلة برامج الفساد المستنسخة التي أخلت موازين التصحيح للعمل الشرطي والأمني, يتقدم للكلية آلاف الأشخاص الذين تتوفر فيهم صفات استثنائية جداً, ثم نجد فيمن تم اختيارهم كثير ممن لا تتوافر فيهم شروط الانتساب !!!.

أصبحت وظيفة الشرطة في بلادنا مهنة من لا مهنة له وحالة من حالات الضمان الاجتماعي (هذا المدبر ما نفع في شيء ... عسكروه) بل زاد الطين بلة أنها أصبحت منحة لكل من مر على خيمة سياسية حتى وإن لم تتوافر فيه شروط الانتماء إلى سلك الشرطة , وعبثأ أن نحاول تطبيق شروط الانتساب إلى السلك الشرطي على مثل هؤلاء لأن أول هذه الشروط (أن يكون وطنياً لا ينتمي لحزب أو طائفة) لن يكون متوفراً في كثير منهم وسيكون بالتأكيد ولاؤهم للحزب أو الشخصية التي كانت سببا في حصولهم على الدرجة الوظيفية , هذا الواقع المؤسف كان حال كثير ممن انتسبوا للشرطة في السنوات الأخيرة وحال من نتوقع فوزهم بمقاعد الكلية من خريجي الثانوية العامة الآن .

لا أقصد التعجيز وقد اعتدت أن أورد الحلول لكل قضية أمنية أطرحها حتى يكون في ذلك براءة لذمة العلم الذي يجب أن لا أكتمه عمن قد يستفيد منه وهذا ما دأبت عليه من أعوام عديدة , على سبيل المثال , فقد عدلت في منهاج فترة الاستجداد للدفعة (33 ) من خريجي كلية الشرطة حين عينت قائداً لفترة المستجدين , واستطعنا في خلال (45) يوماً أن ننهي برنامج الدراسة للسنة الأولى كاملاً فضلاً عن الإضافات التي أبهرت كل من حضر حفل الاستعراض لنهاية فترة الاستجداد من الحركة النظامية وفنون التدريب ومواد الدراسة , وكنت أتوقع أن تستغل إدارة الكلية تلك النتيجة لتطوير نظام الدراسة لكنها أخفقت في ذلك .

اليوم نحن أمام فرصة ذهبية في الفراغ الموجود حالياُ في الكلية (لا يوجد بها سوى دفعة واحدة تخرجها العام القادم ) والأولى أن تستغل رئاسة أكاديمية الشرطة وقيادة الوزارة هذه الفرصة لما يلي :

- تحديث البرنامج التعليمي بما يتواكب و تطور علوم الشرطة في كافة المجالات بما فيها العلوم الأمنية الاجتماعية (شرطة المجتمع )و مجالات جرائم الحاسوب والقرصنة الإلكترونية .

- الاهتمام بأن يكون برنامج استقبال المنتسبين الجدد وفق علوم التربية البدنية التي تضمن الوصول بالمتدرب إلى مستوى اللياقة البدنية المطلوب دون ضرر يلحق به بما فيها الأضرار التي يصاب بها ضباط الشرطة عند الكبر نتيجة الأخطاء التدريبية أثناء فترة التدريب بالكلية.

- تحديث البرنامج التدريبي العام بحيث يشتمل على فنون قتال الشوارع (مارشال آرت ) التي تعد من أساسيات محتاجات العمل الشرطي وتحديث برنامج الأسلحة التي تدرس حيث أضيفت أنواع جديدة من الأسلحة التي تصرف رسميا لكنها خارج البرنامج التدريبي الحالي بالإضافة الى تحديث أساليب التدريب على الحركة النظاميةوتصحيح وضع نظام القدمية العتيق.

- يضاف في شروط الانتساب الى كلية الشرطة أن يكون المتقدم للكلية أحد خريحي مدرسة تدريب أفراد الشرطة أو المركز التدريبي بتقدير لا يقل عن جيد جداً , وأن يكون قد مارس عملاً ميدانياً لمدة لا تقل عن عامين وحصل على تقدير لا يقل عن جيد جداً في التقرير التقييمي السنوي لكل عام منهما.

وعندها يمكن أن يكون برنامج الكلية تخصصيا مع التطبيق العملي أثناء الدراسة (نظام أكاديمي ) بدلا من الدراسة العامة لمنهج نظري يجد المتخرج نفسه في واقع مختلف تماما بعد استلامه للعمل , وللمجلس الأعلى للشرطة أن يعدل في مدة الدراسة أو رتبة الضابط عند تخرجه من الأكاديمية.

لا شك أن المجال لو فتح لاستقبال الآراء من مختلف الرتب فإن ذلك سيثري الموضوع بمقترحات تستطيع الوزارة من خلالها إحداث قفزة نوعية في مخرجات أكاديمية الشرطة وهم القادة المعول عليهم رسم الخطط الأمنية وتنفيذ المهام الميدانية وبالتالي يتحسن الأداء الشرطي والأمني في بلادنا.

من وجهة نظري , شهادة الثانوية العامة يجب أن تكون الحد الأدنى لقبول (الأفراد) في هيئة الشرطة بشكل عام , كما يجب أن يكون القبول عبر مدرسة تدريب أفراد الشرطة والمركز التدريبي بنظام الدراسة عام كامل وشهادة دبلوم معتمد في العلوم الأمنية وتدريبات الشرطة, وبالتأكيد فإننا بحاجة ماسة إلى إعادة تأهيل كل من انتسبوا إلى هيئة الشرطة دون تدريب ولا يحتفظ بالعمل إلا من يجعل الوطن حزبه الوحيد و يتخلى عن كل ولاء حزبي أو طائفي أو شخصي و يقسم على الالتزام بلوائج وأنظمة الشرطة.

 

همسة أمنية :

 

في الأعمال الإرهابية الأخيرة تعمد الإرهابيون زرع عبوات تنفجر إحداها في مكان مجاور بعد دقائق من انفجار الأولى , إحذروا التواجد والتجمهر في مواقع الحوادث والجرائم والتفجيرات حرصاً على سلامتكم .

دام اليمن و دمتم بإذن الله سالمين :)

 

 

قائد شرطة الدوريات الراجلة – سابقاً .

alwajih@yahoo.com

Total time: 0.0629