سافرتُ الى اليمن بداية ثمانينات القرن العشرين، وكتبت تحقيقاً في مجلة «اليمامة» السعودية بعنوان «اليمن: القات والانضباط والمرأة». اللافت في تلك الرحلة المرأة اليمنية، كانت تلعب دوراً يثير الإعجاب، والقات مشكلة المجتمع، لكن قضية الانضباط تثير القلق على مستقبل الدولة. سألت الأديب اليمني عبدالعزيز المقالح عن هذه القضية. قلت له: ما رأيك في الانفلات السائد في البلد؟ أشعر بأن المواطن اليمني لا يقيم وزناً للنظام.
قال: اصبر على اليمنيين، للتو خرجوا من عهد الإمامة، سوف يتمردون على القوانين لفترة لن تطول، ثم ينتظمون. حديثي مع الأديب المقالح جاء بعد عشر سنين على نهاية الحرب الأهلية في اليمن.
لم أجرؤ على القول للمقالح إن ثقافة الدولة غائبة، وأن أحدّثه عن التسيُّب الذي رأيتُه في الإدارة الحكومية. في تلك المرحلة كان اليمن مثل بعض البلاد العربية، خرج من ظلم الحرب وجمود الاستبداد، لكنه لم يؤسس لبناء الدولة. استمر يدير حياته بمنطق القبيلة، أو «إمامة الأحزاب» ولكن بشعارات ثورية.
أحداث 2011 التي أطاحت نظام علي عبدالله صالح، كشفت عن جيل يمني لم أرَه في تلك الزيارة، فضلاً عن أن الذين حكموا اليمن قرابة نصف قرن لم يعرفوه، أو يُدركوا قوة تأثيره وحجمه. شباب نشأ في غفلة من الجميع، لكن هذا الجيل المتَّقِد وعياً وحماسة وحباً لليمن، غُيِّب عن صنع نتائج تلك الثورة، وهو أصبح مجرد أداة لحدوثها. اليمن لن يمضي الى المستقبل إلا بإعطاء هذا الجيل دوره في إكمال المسيرة التي بدأت عام 2011، وربما يكون من الأفضل للسعودية ودول الخليج عدم تكرار تجربة المصالحة السابقة. الظروف تغيَّرت، ومعاودة بناء اليمن بزعامات احترفت المراوغة والحرب والفساد لن تنقذ اليمن، فضلاً عن أن دول مجلس التعاون يجب ألاّ تدير مبادرتها الراهنة تحت هاجس الخوف من نفوذ إيراني محتمل في اليمن. النفوذ الإيراني في هذا البلد خيال سياسي يصعب تصديقه، ناهيك عن حدوثه.
لا شك في أن اليمن ليس لبنان ولا سورية، والحوثي لا يسيطر سوى على صنعاء وبعض أطرافها، وهو مجرد عميل ينفذ أجندة لا يدرك أو يعرف أين تنتهي.
الأكيد أن التعامل مع الجيل اليمني الجديد سيُنقذ اليمن، والاعتقاد بأن الزعامات القديمة ستكون معبراً إلى حل دائم هو استنزاف للوقت والجهد، ونحن جرّبنا الاستنزاف في سورية واكتشفنا أنه ارتدَّ علينا جميعاً.
"الحياة اللندنية"