يظهر شباب التغيير في العاصمة اليمنية صنعاء إبداعاتهم التي تبهر المتوافدين إلى ساحة التغيير التي يرابط فيها عشرات الآلاف منذ ما يقارب ثلاثة أشهر ونصف الشهر، مطالبين برحيل فوري للرئيس علي عبد الله صالح ونظامه . فمن يوم لآخر يقدم الشباب نماذج رائعة تكشف عن طاقتهم وإبداعاتهم .
الشاب محمد علي محمد السراجي، جعل خيمته، التي نصبها في مرحلة التصعيد
بتوسيع ساحة الاعتصام نصباً تذكارياً يتوافد المواطنون لمشاهدته والتقاط
الصور إلى جانبه . لاحظ السراجي الأطفال والنساء المسنات يجمعون عبوات
المياه المعدنية الفارغة بعد استخدامها لبيعها لتوفير بعض المال من اجل
لقمة العيش، الامر الذي جعله يستخدم تلك العبوات البلاستيكية في تجهيز
خيمته الصغيرة أمام بوابة جامعة صنعاء القديمة بهدف إيصال رسالة للعالم
تعبر عما يعانيه الشعب اليمني من هذا النظام الذي يعيش ثلث سكانه تحت خط
الفقر .
وقال طالب المختبرات (سنة أولى بجامعة صنعاء) محمد السراجي لـ "الخليج":
"استطعت إيصال رسالة هؤلاء الفقراء من أبناء الشعب اليمني الذين يعانون من
الفقر والظلم من هذا النظام، بنصب خيمة عبارة عن عبوات مياه معدنية في ساحة
التغيير، وقد أوصلت رسالتي عبر (الفيس بوك) للعالم الخارجي بتطوع مجموعة
من الشباب" . عن بداية الفكرة يقول السراجي: "بدأت الفكرة تتبلور عندما
شاهدت أطفالاً ونساء يقومون بجمع عبوات المياه البلاستيكية الفارغة (بحجم
لتر واحد) من ساحة التغيير بغرض بيعها لسد جوعهم، وهو ما جعلني أقوم بنصب
خيمة مكونة من تلك العلب، الهدف من ذلك نقل معاناتهم ورسالة منهم للنظام
الحاكم الذي نطالبه بالرحيل الفوري" .
ويشعر الشاب محمد، ابن محافظة إب (وسط اليمن) بسعادة كبيرة حينما يتوافد
المواطنون لمشاهدة الخيمة، وقد انبهروا بما صنعه، وقال: "يتوافد الآلاف
يومياً لمشاهدة الخيمة التي تجعلني أشعر بارتياح جراء الإشادات التي
أتلقاها من المرابطين في الساحة والزوار"، مضيفاً أنه يريد بهذا العمل أن
يكشف للعالم "مدى قدرة وإبداعات الشباب اليمني القادر على اختراع وصنع
أشياء من أدوات لا تساوي شيئاً وتحويلها إلى حاجات لخدمته ومجتمعه ويحافظ
على بيئته في ظل هذا النظام الفاسد الذي تعمد خلق إحباط وسط الشباب
وإشغالهم بملاحقة لقمة العيش" .
وبعد أن تمكن من الحصول على عدد من العبوات البلاستيكية الفارغة قام بجمع
البقية من صالات الأفراح ليستطيع تجهيز خيمته خلال شهر كامل، وقال: "تحتوي
الخيمة وطولها 30 .2 متر وعرض 10 .2 متر أكثر من 1300 عبوة بلاستيكية"،
مشيراً إلى أنه في البداية لم يتحمس أحد لمساعدته ولكن بعد إنجازه جزءا من
الخيمة قام شقيقه وأحد أصدقائه بمساعدته حتى تمكن من تجهيزها في شهر واحد
فقط .
يشرح السراجي مراحل تجهيز خيمته التي يسعى لأن تكون أفضل خيمة في ساحات وميادين الاعتصام باليمن بالقول: "بطريقة سهلة قمت بعمل ثقبين بكل عبوة في الأسفل والأعلى مستخدما أسلاكا من الحديد مخصصة لتعليق الملابس وربط كل علبة فارغة بأخرى مع تركيب باب سحاب للخيمة من دون استخدام عجلات لفتحة وإغلاقه"، مبينا أن "الخيمة عبارة عن خمسة أجزاء، أربعة جدران والخامس السطح وكل جزء منفصل عن الآخر، ويمكن نقلها إلى مكان آخر بسهولة، ولنقل رغم بساطة الشعب اليمني إلا أنه قادر على أن يحقق أشياء إبداعية كثيرة وجميلة" .
ولوحظ طلاء جزء من الخيمة بالألوان الحمراء والبيضاء والسوداء "علم اليمن"، وكتب وسط العلم المرفرف فوق الخيمة عبارة "والله لن ننساك يا شهيد"، ووضع شعاره الأساسي على الخيمة هو "من يجهل الحقوق لا يستحق أن يقود" . وما زال السراجي، الشاب المعتصم في ساحة التغيير، يبحث عن اسم مناسب لخيمته التي عرض عليه زملاؤه المرابطون معه عدة أسماء منها "صديق البيئة" وآخرون "وزارة الصحة"، لكنه فضل وضع شعاره "من يجهل الحقوق لا يستحق أن يقود"، حتى يجد لها اسماً مناسباً، موضحا أنه بعد نجاح الثورة الشبابية الشعبية السلمية سينقلها إلى أحد متاحف اليمن إثر تلقيه مقترحات من المعتصمين، لكنه يقول: "في حينه سيتم تحديد موقعها بحسب رغبة الثوار" .
كما أنه خلال تجهيز خيمته وضع معالجات لمناخات الطقس الأمطار وحرارة الشمس وقال إن "مادة البلاستيك تمتص حرارة أشعة الشمس والفراغات التي وضعها بين علب المياه الفارغة تساعد على دخول الهواء البارد مما يلطف الطقس .
وفي حال نفذت القوات الأمنية هجمات عليهم وتعرضت خيمته التي رشحها الشباب في ال "فيس بوك" كأفضل خيمة في ساحة التغيير إلى خراب، يقول: "إذا هاجمت القوات الأمنية الساحة وهدمت الخيمة سوف أقوم بعمل خيمة على شكل جامع الرئيس صالح الذي أنفق عليه ملايين الدولارات، تاركا شعبه يجمع تلك العلب لبيعها مقابل الحصول على وجبة غداء"، موضحا أنه "كان الأحرى بصالح أن يبني جامعاً بسيطاً مراعاة لشعبه المقهور والعمل على تحسين وضعهم المعيشي ويدعم الشباب في تنفيذ مشاريع تستوعبهم بدلاً من التباهي في إنفاق هذه الأموال كلها" .