في وقت تشتت في الانتباه بين الأحداث الدموية الجارية في أنحاء البلاد العربية، تجري الآن أحداثاً جديدة، تجري بين قوتين متناكفتين، أيديولوجيّاً وعقدياً ودينياً أيضاً، وهما المملكة السعودية والدولة الإيرانية، والخشية أن تكون الأعنف عمّا سبقها، بغض النظر عن تقارب هنا أو هناك، لم يكن قد تمت ترجمته إلى حقيقة واقعة.
فمنذ اتخاذ السعودية قرارها بالتدخل العسكري في الأزمة اليمنية، وقيامها بقيادة حملة (عاصفة الحزم) ضد الحوثيين، باعتبارهم انقلبوا على الشرعية، بدت وكأنها موجهة ضد دولة إيران - لدى الإيرانيين على الأقل- باعتبار دورها، هو الذي أدّى إلى تفاقم المشكلة وزيادة العنف في البلاد، من خلال مساندتها للحوثيين قولاً وعملاً، وحتى برغم الحديث عن أنها لا تقوم ولا ترغب في محاربة إيران، وأن ما تقوم به، جاء بناءً على مطالبة الشرعية اليمنيّة لها بالمساعدة وحسب.
وكانت السعوديّة قد دعت إيران منذ البداية، لوقف دعمها للحوثيين، ووقف تدخلها في الشؤون الداخلية ليس اليمنيّة وحسب، بل في داخلية بلدانٍ عربية أخرى أيضاً، إذا ما أرادت تكوين ثقةً معقولة معها، فيما تقول إيران، بأن السعودية هي التي تنتهج نهجاً عدائياً باتجاهها، ومواقفها كانت لها دلالة قاطعة، بأن لديها نوايا سيئة، تقود إلى تأزيم الأمور وإثارة الخلافات.
تطورات (عاصفة الحزم)، أنشأت توترات نشطة، فيما بين الدولتين، فالسعودية التي بادرت إلى التهديد، بأن إيران لا يمكنها تجربة القوه السعوديّة، لم تُشأ إبداء – إلى حد الآن على الأقل- أيّة استجابة، للدعوات الإيرانية، بضرورة وقف حملتها العسكرية ضد اليمن.
وذلك في ضوء أنها تجد ترحيباً ودعماً محلياً ودولياً كبيرين، إضافة إلى أنها تجد اطمئناناً بأن إيران الداعية، ستلوذ بالصمت بعد قليل من الثرثرة، سيما وأنه ليس بمقدورها افتعال أيّة مواجهة معها، باعتبارها منهكة اقتصادياً نتيجة تراكمات الحصار المفروض، ومشتتة عسكرياً أيضاً، نتيجة لنشاطاتها على أكثر من جبهة، وخاصة على الجبهة السورية.
لكن وبرغم اعتماد السعودية على ما سبق في ردّها المتشدد، تقوم إيران بكل ما يلزم، من إظهار تهديدات مماثلة، تكشف عن أن السعودية، ستضطر إلى دفع الثمن نتيجة مواصلتها الحرب، وكانت هددت إيران صراحةً، من خلال قائد القوات البرية الإيرانيّة، العميد "أحمد رضا بوردستان"، الذي وعد بأن السعودية، ستشهد آثار الهزيمة، من دون أن تضطر إيران لإطلاق النار، فما بالُها لو انفجرت عدة مفرقعات في أنحاء الرياض؟
وكما فقد الكثير من الناس أرواحهم، وممتلكاتهم، منذ أن بدأ الحوثيون بالزحف العسكري باتجاه العمق اليمني، فقد راح الكثيرين منهم أيضاً، وجرح الآلاف، بسبب الحملة (عاصفة الحزم)، ما يعني أن اليمن مرشح للعودة إلى أيام أعمال عنف قاسية، تفوق بكثير تلك التي شهدها منذ بدء ثورة الشباب اليمنيّة في العام 2011، ضد نظام "علي عبدلله صالح"، حينما قُتل آلاف اليمنيين وجرحوا بعمليات رد متبادلة على مدار كل يوم. حيث لم تنتهِ تلك المرحلة، إلاّ عندما دخلت مرحلة أخرى، لتنشئ أحداثاً أقسى وهي تلك الحاصلة الآن، فلغة التصعيد هي السائدة وتشهد ارتفاعات متتالية، ولا يُنتظر أن تشهد انحداراً، وإن في الوقت المنظور، سيما وأن غايات الطرفين السعودي والإيراني- المتناقضة أصلاً- ليست في مرمى الحجر، بل هي ممتدة إلى الأبعد، وربما إلى ما لا نهاية.
وحسب التقديرات فإن السعودية لن تذهب جانباً، إذا ما أنجز الحوثيين تقدماً ما، سيما وهي مصممة على إلحاق الهزيمة بهم، بما بعني تكبيل الأقدام الإيرانية من أن تخطو للأمام مستقبلاً، إضافة إلى إحرازها القدرة على مضاعفة دورها القدين الجديد، باتجاه الأزمة السورية من أجل إسقاط نظام "بشار الأسد"، وتحقيقاً لرغبتها في تسيّد المنطقة.
وبالمقابل فإن الإيرانيين لن يسلّموا ببساطة، إذا ما شعروا بأن إنجازاتهم باتت مُهددة، ولذلك فهم مصممون على إفشال ليس (عاصفة الحزم) فقط وإنما أيّة مساعٍ أخرى وبأيّة وسيلة، وهذه النوايا المتبادلة، قد تُسفر عن خطوات تالية – لا سمح الله- باتجاه مواجهة مباشرة، في ضوء التقديرات التي لا لبس فيها، والتي تشير إلى عدم استعدادهما للتراجع خطوة واحدة إلى الوراء، برغم إدراجهما مبادرات سياسية لوقف الأزمة، لاعتبارها مجرّد خداع.
خانيونس/فلسطين