اخبار الساعة - صنعاء
نشر وزير الداخلية اليمني اللواء جلال الرويشان منشورا على صفحته في شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك حول رسالة تلقاها من إدارة الفيس بوك عنونها ب "اعتراف".
أخبا رالساعة يعيد نشرها كما وردت/
اعتراف :
_______
( تلقيت رسالة من إدارة الفيسبوك أن صفحتي Jalal Ali متوقفة منذ مدة طويلة وربما يتم إيقافها إذا لم يتم تنشيطها ) .. وهأنذا أعترف ...
منذ أمدٍ بعيد كانت - ولا زالت - بداخلي أُمنيَة أن أكون كاتباً أو صحفياً أو إعلامياً . ربما لأن العمل الإعلامي والصحفي يرتبط بحرية الرأي أكثر من أي عمل آخر . ولكن . لأسباب - ليس هذا مجال الإشارة إليها - ذَهَبَت الظروف والعوامل المحيطة بي بعيداً عن هذه الهواية . وجدت نفسي ضابط شرطة .. وللأسف أن وظيفة كهذه لا تتوافق في العالم الثالث مع هواية كتلك . ومع ظهور شبكات التواصل الاجتماعي . والفيسبوك تحديداً . أنشأت صفحتي الشخصية بإسم Jalal Ali وجعلت شعارها ( حريتي هي أغلى ما أعيش به . إن لم تكن فحياتي كلها عبث ) . وارتبطت الصفحة بخمسة آلاف صديق - حرصت على أن يكونوا من مختلف فئات وأطياف المجتمع اليمني - وأكثر من ثلاثة عشر ألف متابع .. منهم من يعرفني وأعرفه . ومنهم من ربما لفَتَتْ انتباهه كتاباتي أو العكس .. وأحسست بالفعل أنني أمارس حريتي وأتنفس من خلال الكتابة . غير أن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن . فبعد ان توليت مسؤولية رئاسة الجهاز المركزي للأمن السياسي في ٨ مارس ٢٠١٤ م فوجئت بأن عدد من الصحفيين وأصحاب الرأي حظروني . أو انسحبوا من كونهم أصدقاء صفحتي بهدوء . وبدأت أتلقى عدد من الرسائل على الخاص فيها الكثير من النقد والتجريح لأسباب وبواعث مختلفة . على أن أقوى هذه الرسائل وأكثرها تأثيراً وردتني من صحفي قال في مضمونها أنه حاول كثيراً أن يُقنع نفسه بالإبقاء على صداقتي غير أنه قرر في نهاية الأمر حظري . إذ كيف يمكن لصحفي وصاحب رأي أن يكون صديقه مسؤول أهم جهاز أمني في البلد !؟ وأضاف أنني خدعته خلال سنوات الصداقة الماضية حين اكتفيت ب Jalal Ali دون توضيح .
أعرف جيداً أن حالة التصادم وعدم الانسجام بين الكاتب ورجل الأمن ، وبين المثقف والسلطة بشكل عام هي حالة ملازمة لأنظمتنا السياسية العربية . لأن هذه الأنظمة تعاني أساساً من عدم النضج السياسي . وهي إما ان تكون في غالبها مغتصبة للسلطة أو رافضة لعملية التداول السلمي لها بعد وصولها إليها . وحين تبدأ ديكتاتورية النظام الحاكم . ومع مرور الوقت وتراكم حالات الشعور باليأس وتدهور الخدمات والحقوق والحريات العامة يصبح المثقف مناوئاً للنظام . ويصبح رجل الأمن مدافعاً عنه . ولا يجد أحدهما مفراً من الوقوف في ذلك الموقف وأحياناً بدون وعي .
حاولت كثيراً أن أستمر على موقفي في التعبير عن رأيي مهما كانت ردود الأفعال المؤيدة أو المعارضة . ولكن جاءت الأيام والظروف بما لم أكُن أتوقعه .. فقد كُلِّفت ضمن حكومة الكفاءات برئاسة المهندس خالد بحاح بتولي حقيبة وزارة الداخلية في ٨ نوفمبر ٢٠١٤ م .. وظهرت عدد من الصفحات على مواقع التواصل الإجتماعي تحمل اسمي وصورتي وتحظى بعدد كبير من المتابعين والمشاركين . وأنا لا علاقة لي بها أصلاً ولا أعرف من يُديرها .. فقررت التوقف أو التخفيف من الكتابة . ليس جُبناً ولا خُذلاناً لقول الحق . وإنما لأنني وجدت المهمة كبيرة وتستلزم بذل كل ما لديَّ من جُهد وطاقة وقدرة لمساعدة وطني الجريح بفعل السياسة وتصرفات أقطاب الصراع السياسي .. بالإضافة إلى أنني وجدت أن مجرد تعزية شخص لموت أحد أقاربه أو تهنئة شخص لمناسبة سعيدة مرَّت بحياته سُرعان ماتتحول من خلال التعليقات إلى مناكفات وصراع على صفحات الشبكة العنكبوتية تزيد من حالة الانقسام والفُرقة .. كما وجدت أن البلاد ذهَبَت إلى منحدرات أخطر وتقَّسمت وتقَّزَّمت حرية الفكر والرأي . وأصبحنا بين خيارين أحلاهما مر . من لم نكن معه فهو يرى أننا ضده . ولا يقبل النقاش ولا الحلول الوسط .. وهكذا لم يعد الأمر مجرد التعبير عن وجهات النظر أو الإختلاف في الرأي . بل تجاوزه إلى صراع سياسي مرير تداخلت فيه المصالح الداخلية والإقليمية والدولية وحروب ومواجهات داخلية وعدوان خارجي غير منطقي وغير مُبرر . وسُفِكَت دماء اليمنيين ودُمِّرت منازلهم ومُقدراتهم ووسائل حياتهم . وأصبح القتل والاعتقال والقصف بالقنابل والصواريخ المحرمة دولياً يسبق اختلاف وجهات النظر وتعارض الأراء . وفي الوقت الذي كان المواطن يبحث فيه عن الوقود والغاز والماء والغذاء والدواء . انتشرت الفتاوى والتبريرات والأسانيد التي تبرر القتل والحصار والعدوان وانتشال جثث أطفال ونساء اليمن من تحت أنقاض منازلهم في صعدة وعدن وصنعاء ولحج وتعز ومأرب ... وغيرها من المدن والقرى اليمنية ودون وازع من دين أو مانع من ضمير محلي أو إقليمي أو دولي .. وتعمقَّت الجراح وتوسعَّت الهوة بين أصحاب الرأي . وتقزَّم الشعور بروابط الدين واللغة والتاريخ المشترك حتى أصبحنا نحصر الهوية الوطنية والعربية والإسلامية في هوية القرية والمنطقة والمذهب ونقتُل ونُقتَل ونَعتَقل ونُعتَقل ونرفض أو نوافق على العدوان بدافع هذه الهوية الضيقة .. فوجدت أن ما بعد هذه الجراح إلا الأسى . وما بعد هذا الألم إلا الصمت .
لست يائساً ولا متشائماً وسأبقى واثقاً أن بلدي ستتجاوز محنتها بفضلٍ من الله سبحانه وتعالى . وبفعل جهود هذا وذاك من أبناء اليمن .. هذا وذاك . وليس هذا أو ذاك .. هذه هي اليمن . وسنذهب جميعاً وتبقى اليمن .. والأيام بيننا .
Jalal Ali
8 / 6 / 2015