اخبار الساعة - د. عادل محمد عايش الأسطل
حكومة التوافق الفلسطينية والتي تم تشكيلها بناءً على تفاهمات بين حركتي فتح وحماس، في أوائل يونيو/حزيران من العام الفائت، كان من المفترض لها إلى جانب مزاولة نشاطاتها في تأدية خدماتها للجمهور الفلسطيني كأي حكومة أخرى، أن تعمل على تحقيق الأهداف التي تم الإعلان عنها، وهي توحيد المؤسسات الفلسطينية داخل شطري الوطن، والتحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية، وإنهاء حالة الانقسام السياسي، إلاّ أنها فشلت في تحقيق أيّ منها، كما أنها أخفقت في منع حدوث أي اختناقات بين الحركتين أو التخفيف من حدّتها أيضاً.
فعلى مدار حياتها، كانت واصلت مكائن الإعلام المنتصبة في رام الله تشويه صورة حماس، بأنها سبب الانقسام الفلسطيني، وتتخذ من الدين ستاراً لبسط سلطتها الانقلابية، ولممارسة نشاطاتها الخارجة عن العرف والقانون، وتجعل العصي في دواليب المصالحة بحجج وذرائع لا تصبّ سوى في إبقاء سيطرتها على منطقة القطاع، ضمن أيديولوجيا سوداء حالكة.
وبنفس القدر، واصلت آلات حماس المسلطة، تلطيخ سمعة حركة فتح، بأنها تقود السلطة للتعاون مع إسرائيل، نحو تنفيذ مخططات، تهدف إلى القضاء على المقاومة في منطقة الضفة الغربية، وهي تستمر بالتنسيق الأمني، والذي يسير على قدمٍ وساق على حساب القضية الفلسطينية ومصالح الشعب الفلسطيني، حتى على الرغم من اتخاذها قرارات متتالية بأنها ستقوم بوقفه.
خلال الأيام الفائتة شهدنا جولة ساخنة أخرى بين الحركتين، من خلال قيام أجهزتهما الأمنيّة بشن حملة واسعة من الاعتقالات والإجراءات ضد صفوف أعضاء كل منهما، حيث قامت أجهزة رام الله الأمنيّة بمطاردة واعتقال نشطاء حماس دونما إبطاء، وطالت قادة وشخصيّات مؤيّدة أو متعاطفة، وأخرى من الأسرى المحررين، أدّت إلى قيام أجهزة حماس بممارسة إجراءات غاية في الشدّة والعنف باتجاه حركة فتح، فعلاوةً على قيامها باستدعاء العديد من أعضاءها، فقد وضعت آخرين رهن الإقامة الجبريّة أو تحت الرقابة الصارمة، ووصل بالبعض إلى اتهامها وفي أحايين سابقة، بأنها هي من تقوم بإطلاق النار على أعضاء الحركة، بهدف ترويعهم والتضييق عليهم.
رغم دعوات فصائل فلسطينية مختلفة، بضرورة وقف جولة التسخين وإطلاق سراح المعتقلين، باعتبارها طعنة للشعب الفلسطيني ومقاومته، وتقدم خدمة مجانيّة للاحتلال، إلاّ أنها لم تجد آذاناً صاغية، باعتبار أن سلسلة الاعتقالات لدى رام الله، تأتي في إطار مواجهة الخارجين عن القانون، وفي ذات الوقت، فهي لا تنفي بأنها تأتي في سياق عدم السماح لحماس بتغيير المشهد القائم في الضفة الغربية، سيما بعد أن توفّر معلومات مكتملة لأجهزتها الأمنية، بأن حماس تنوي جرّها إلى حرب مع الاحتلال أو إلى حرب داخليّة.
قد تكون الذرائع السابقة قويّة كي تُذاع أمام الرأي المحلّي على الأقل، لكن قيادة السلطة، تعتمد ذرائع متراكمة ومعقّدة ضد حماس، ليست بأقل مما تُكنّه حماس باتجاهها باعتبارها حركة تنوي نسخ المقاومة وحماس تحديداً عن الساحة السياسية، لتودي بالقضية الفلسطينية وبحياة الشعب الفلسطيني بشكلٍ عام.
فقد صاغت مؤخراً، بأن حماس تسعى إلى الترتيب مع إسرائيل لنسج علاقة جيّدة، تهدف إلى أوضاع جديدة في القطاع، وفي ضوء أن جهات إسرائيلية سياسية وأخرى على مستوى الجيش الإسرائيلي، ترى بضرورة بقاء حماس في الحكم، وإن كانت تلك الرؤى تتحقق من خلال اتمام الهدنة الطويلة المنتظرة.
كما صاغت، بأنها تقوم بالتودد إلى تنظيم حزب الله اللبناني، لترقيع علاقاتها معه باعتباره السبيل السهل للعودة إلى الحظيرة الإيرانية، لضمان تدفق المساعدات المالية، والتي ستسمح لها في حال وصولها، بأن تتعاظم من جديد، أمام الشرعية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني بشكلٍ عام، وبنفس الصياغة، فقد سعت على أن حماس ضالعة في أحداث سيناء ضد القوات المصرية.
تأتي تلك الإجراءات والصياغات اللاحقة والردود المُقابلة، باعتبارها سياسة محليّة بائسة، والتي من شأنها تغليظ العِنادات المتبادلة، وخلق صراعات جديدة وممتدّة تشمل كافة جبهات الساحة الفلسطينية، وكنّا استمعنا إلى أن اعتقالات الضفّة ستستمر، وإلى تهديدات حمساوية قاسية، والتي أوضحت بأن أجهزة رام الله الأمنية ستصبح هدفاً للمقاومة، وهذه من شأنها قد تعمل على تهديم سُبل المصالحة، وعطب أي مِصعد لأي توافق وطني.
بغض النظر عن تباعد مساري الحركتين، وسواء باتجاه العلاقة مع إسرائيل، أو بشأن كيفية إدارة الحياة الفلسطينية العامة، فإن الأجدر أمامهما واحتراماً منهما باتجاه الفلسطينيين، اللجوء إلى ضبط النفس، والابتعاد عمّا يمكن أن يعكر المعكور أصلاً، وكل ما من شأنه تعميق الازمة باتجاه بعضهما البعض، والتركيز على مبدأ أن لهما مصلحة مشتركة باتجاه إعادة اللحمة بين قسمي الشعب الفلسطيني، وخاصة خلال هذه الفترة، والتي لايزال يحترق فيها الشرق الاوسط، ويتجدد المشروع الصهيوني.
خانيونس/فلسطين