أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

ذكريات من مافي مرمرة : تلك التي تلهم الشجاعة

- عباس عواد موسى
ذكريات من مافي مرمرة : تلك التي تلهم الشجاعة
ألبوسني المقدوني ياسمين الرجبي يتذكر
عن ريبورتير المقدونية
 
ذات ليلة , كنا عائدين من جنوب البلاد . بعد أن وزعنا ثلاثمائة طرد على المهاجرين غير الشرعيين الذين كانوا يمشون على الأقدام أو يركبون الدراجات من مدينة غفغيليا الحدودية مع اليونان باتجاه مدينة كومانوفو , وفيما نحن عائدون إلى العاصمة سكوبية أمطرت السماء على رؤوسنا في مدينة فيليس فأبطأنا السير بمركبتنا . وفي الظلام الدامس لاحظنا دراجة . مهاجر !
وحيداً كان يغرقه المطر . توقفنا واقتربنا منه . عرضنا عليه الغذاء والشراب وما أخذ شيئاً غير الماء . ولم يتبقى من الملابس معنا فقد وزعناها في ديمير كابيا . 
ورداً على سؤالنا من أين هو ؟ أجاب : غزيّ من فلسطين ! من غزة التي لم أتمكن من دخولها بسبب العدوان الصهيوني على أسطول الحرية الذي كان يأويني إلى جانب شيخ الأقصى رائد صلاح . ذلك العدوان البربري الذي نجم عنه استشهاد تسعة من النشطاء . وقد سُرّ بال ذلك المهاجر الغزي وأنا أتحدث إليه وقال : 
ذكريات من مافي مرمرة : تلك التي تلهم الشجاعة
" أأنت , من لم يتمكن من العبور إلى غزة ينتظرنا في عرض بلاده ليساعدنا على الوصول إلى ما بعد ذلك ؟ " .
هكذا , أرسلني الله في هذا الطريق لأساعد أولئك الذين منعني الصهاينة من الذهاب عندهم لأساعدهم في بلادهم . 
شاقة كانت رحلته وقد تسلل لمصر عبر الأنفاق ومنها إلى ليبيا التي أبحر منها ليصل إلى اليونان ومن ثم حيث التقيته حيث أعيش في مقدونيا .
هو أحد العديدين الذين انطلقوا مثله من غزة . وبعده التقيت بالكثير من الفلسطينيين .
ذلك الأسطول . كان شيئاً عظيماً . فقد بذلنا جلّ عطائنا فيه . كنا من مختلف البلدان ذوي ثقافات متنوعة وأديان عديدة وكذلك أيديولوجيات كل منا . لكن هدفنا كان إنسانياً نبيلاً يتجسد في كسر حصار ظالم عن شعب مظلوم . وها هي خمس سنوات تمر على ذلك ولا زلت أتذكر كل أولئك النشطاء والساسة والإعلاميين وأولئك الشهداء . وتذكرتهم وأنا أشهد جلسات المحكمة في إسطنبول ضد إسرائيل .
من إشراقة إسطنبول , من ضيافة مواطني أنطاليا , من العجوز التي عملت ملفوفاً للنشطاء ومن الطفلة التركية التي أهدت إكليلاً من الزهور لأخرى من غزة . 
أتذكر رائحة الكباب يشوى في عرض البحر وألحان الأغاني العربية والتركية . وخصوصاً تلك : " ألشهداء لا يموتون " . 
ذكريات من مافي مرمرة : تلك التي تلهم الشجاعة
أتذكر صوت الهجوم . أتذكر صوت القنابل والصراخ . صراخ الجرحى ورائحة الدماء .
دماء شركائنا بقيت على ملابسنا طيلة ساعات ذلك اليوم الذي قضيناه مكتوفي الأيدي على سطح السفينة لحين أودعونا السجن .
أتذكر شجاعة الشبان الذين حموا طفلاً في السنة الأولى من عمره وقد تعرض لضرب جندي صهيوني على ساقه .
أتذكر شجاعتهم في السجن حينما بى الواحد أن يخرج بمفرده . حتى خرجنا كلنا سويا .
أتذكر تلك الشجاعة والتضحية وأنا أشاهد فرساناً يدافعون عن الضعفاء . يهبون لمساعدة اللاجئين في بلدي هنا ويشيعون الإنسانية وينشرون تلك الأمثلة الرائعة في ذلك وأشكرهم .
وأتمنى لهؤلاء الذين سيصبحون مواطنين أوروبيين في المستقبل أن يتذكرونا وقد رافقناهم في منتصف طريق هروبهم من أكبر سجن في العالم على الإطلاق . وتحية منا لهؤلاء الفلسطينيين .
 
المصدر : عباس عواد موسى

Total time: 0.0489