اخبار الساعة - عبد الكريم الحزمي
كشف دبلوماسي مصري سابق، لصحيفة العرب اللندنية، عن سر التذبذب الواضح في العلاقات المصرية- السعودية، وكيف تنتقل بسرعة من الدرجات الدنيا إلى العليا والعكس، ضاربا أمثلة بعدد من الأزمات، أبرزها اليمن وسوريا وليبيا وحماس وإيران، وصولا إلى القوة العربية المشتركة.
وقال الدبلوماسي السابق: إن كلا من مصر والسعودية، ترى في نفسها القوة الإقليمية الأهم، والتي من الواجب أن تلعب الدور الرئيسي في المنطقة، وتقود دفة العالم العربي، ويتعزز هذا الشعور بامتلاك كل منهما مقومات حقيقية للزعامة، كالتاريخ والجغرافيا والسكان والمهام السياسية المفصلية بالنسبة إلى مصر، أو القوة الروحية والمادية والثروة النفطية والنفوذ داخل مجلس التعاون الخليجي والعالم الإسلامي بالنسبة إلى السعودية، الأمر الذي أوجد حساسيات بدت لا تقبل القسمة على اثنين.
أوضح المصدر أن التوافق الذي حدث بين القاهرة والرياض في الأزمة اليمنية، بدأ يهتز بحكم مقتضيات الواقع على الأرض، ففي البداية قادت السعودية عملية عاصفة الحزم، ولم تجعل العملية أمام مصر خيارا سوى أن ترفض العرض أو تنضم إليها، وهو ما قبلته الأخيرة على مضض، لأن تخلفها ربما تتولد عنه تبعات إقليمية، تضر بمصالحها، فقد ضمنت العملية زخما إقليميا ودوليا، بغض النظر عن دوافعه، وعندما أخذت تتزايد حلقاتها، دون أن تحقق هدفها بسرعة، أي عودة الرئيس عبدربه منصور هادي إلى صنعاء، تململت القاهرة، من التعويل على الحسم العسكري، مع أنها أبدت تعاونا كبيرا، بحريا وجويا وبريا أيضا.
عندما تريثت مصر وفضلت عدم التمادي في الحل العسكري، وتلقت دعوات مباشرة وغير مباشرة من أطراف يمنية مقيمة في القاهرة بالتدخل السياسي، فهمت بعض الدوائر في الرياض أن هذا الاتجاه ينطوي على تململ مصري، مع أنه في النهاية يصب في المصلحة العربية والسعودية، فأن تضع أوراقك في أكثر من دفتر، أفضل من أن تضعها في دفتر واحد، ضياعه يفقدك أوراقا ثمينة.
من اليمن إلى سوريا
الحالة اليمنية بتعقيداتها انتقلت بشكل مختلف إلى سوريا، مع قاسم مشترك واحد، يكمن في ميل السعودية إلى عدم تهميش جماعة الإخوان المسلمين، الموضوعة على اللائحة المصرية للتنظيمات الإرهابية، والتي تعد المصدر الأساسي للعنف والإرهاب في مصر والمنطقة.
في الأزمة السورية، لم يتغير اقتناع مصر بأن سقوط نظام بشار الأسد، سوف يجلب جماعات إسلامية متطرفة، ويعرّض الدولة للتفتت، ولم تتبدل قناعة السعودية بضرورة رحيل الأسد، وكانت تلمّح أحيانا بأنها تضمن السيطرة على المتطرفين، الأمر الذي عرّضها لانتقادات حادة وضمنية، وفتح الأبواب لأحاديث عن علاقة ما لها مع المتشددين في سوريا.
وقال السياسي لـ”العرب” إن التباين بين القاهرة والرياض في الأزمة السورية، يمكن أن يكون مفيدا، إذا كان هناك تنسيق وتعاون، فكلاهما يستطيع أن يحافظ على مصلحة الطرف الآخر في الجانب الذي يقف فيه، لأنه في النهاية لا أحد ينكر ضرورة رحيل نظام الأسد، لكن كيف، ومتى، ومن هو البديل المقبول؟
الإجابة على هذه التساؤلات كفيلة بإنهاء أيّ خلاف يظهر بين البلدين، بخصوص هذه الأزمة، التي بدت مواقف قوى كبيرة متناقضة ومرتبكة فيها، بحكم الالتباسات التي تحيط بها، كما أن الخلفية التي تظهر فيها إيران وتركيا، أصابت كل طرف بالتوجس، في بعض الأوقات.
معضلة إيران
أوضح السياسي المصري أن إيران تظل المعضلة الحقيقية في العلاقات المصرية- السعودية، لأن الرياض لديها هواجس من أن النظام المصري لم يتخذ مواقف رسمية قاطعة منها، حتى في ذروة الأزمة اليمنية، وتدخلات إيران السافرة في كلّ من العراق وسوريا ولبنان، كانت الانتقادات تأتي عامة وغير مباشرة وناعمة، بل على استحياء.
على الرغم من تأكيدات القاهرة للدفاع عن دول الخليج وشعار “مسافة السكة” الذي رفعه الرئيس عبدالفتاح السيسي، ورفض التدخلات الخارجية، وكلها كانت طهران مقصودة بها، إلا أن الرياض لا تزال ترغب في دخول القاهرة مواجهة مباشرة مع طهران، تضمن بها الوثوق تماما في نوايا القاهرة.
وقال المصدر لـ”العرب” إن الهدوء المصري المشوب بالحذر تجاه إيران طبيعي ومفيد، فإذا كانت علاقات الرياض الحقيقية معها بلغت مدى يفوق القاهرة، من النواحي الاقتصادية والدبلوماسية، فهل تقبل مصر أن تبلغ قطيعتها مع إيران خط اللاعودة؟
ولفت الانتباه إلى أن خلافات القاهرة مع طهران، تتعلق أصلا بحسابات مصرية خالصة، اسم شارع وإيواء إرهابيين في طهران، وخشية مصرية من فتح الأبواب للسياحة الإيرانية، مضيفا ربما تكون هذه دوافع واهية، لكنها تظل من الأسباب المعلنة، التي تكشف عن جوهر النوايا السياسية.
وأوضح أن عدم الصدام بإيران، قد يحقق مصلحة سعودية في النهاية، لأن سياسة التكتلات والتحالفات الإقليمية على أسس مذهبية، سوف تكون تكاليفها مدمرة على الجميع، وهو ما تأخذه مصر في الحسبان، لذلك لم تغلق أبوابها السياسية مع إيران خلال العامين الماضيين، حتى وسط التلميحات والاتهامات المصرية المبطّنة التي وجهت إلى إيران، كان هناك من يضغط في القاهرة من قوى وأحزاب سياسية لصالح تحاشي التمادي في العداء معها، وهذه الفئة المعارضة، مهما كانت دوافعها، يستثمرها النظام المصري في لحظة معينة، لكبح الاندفاع ضد طهران، إرضاء للسعودية.
وكشف المصدر لـ”العرب” عن معلومة مهمة، عندما أشار إلى تعدد زيارات إعلاميين وسياسيين مصريين، من قوى مختلفة، ورجال أعمال، لإيران في الأشهر الماضية، قائلا: لو كانت الدولة لا تحبذ هذه الزيارات هل كانوا باستطاعتهم الذهاب إلى إيران؟ مضيفا أن هذا الخيط تبقيه القاهرة عن عمد، حفاظا على شعرة معاوية، لأنها لا تريد الانجرار وراء الدخول في عداوة “مجانية” مع إيران، في وقت لا تزال الكثير من الملفات مفتوحة، الأمر الذي بدأت تدركه الرياض، بل وتفهم أبعاده وخلفياته، خاصة بعد أن ألحقت بصمات وأذرع إيران الأمنية الأذى بعدد من دول الخليج.
وأكد أن تشكيل القوة العربية المشتركة بصورة متوازنة، وتحقيق الهدف المرجو منها، يمكن أن ينهي الكثير من المنغصات التي تظهر من حين إلى آخر، وتوقف زحف التفسيرات السلبية التي تروّجها بعض الدوائر الرافضة لاستمرار التحالف بين القاهرة والرياض، والتي تلعب أحيانا على وتر الخلافات العربية البينية التقليدية.
واختتم بأن زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي للقاهرة الخميس الماضي وحضوره العرض العسكري بالكلية الحربية، أوقع عدة عصافير سياسية وأمنية بحجر واحد، وجاء إصدار إعلان القاهرة في ختام الزيارة، ليؤكد أن ملامح الخلاف لا تلغي ضرورات وحتمية الاتفاق.