أخبار الساعة » دراسات ومتابعات » حوارات ولقائات

نص الحوار الذي اجرته صحيفة "الشرق الأوسط" مع وزير السياحة المستقيل "نبيل الفقيه"

- الشرق الأوسط

في هذا الحوار الذي أجرته معه «الشرق الأوسط»، يؤكد نبيل الفقيه، وزير السياحة اليمني الذي استقال احتجاجا على قمع المتظاهرين وأعلن تأييده للثورة الشبابية المطالبة بالإطاحة بنظام الرئيس علي عبد الله صالح، أن الرئيس علي عبد الله صالح ما زال يمسك بخيوط اللعبة السياسية بسبب ضعف المعارضة وأن صالح وأقرباءه في الحكم كتبوا المشهد الأخير من فصل وجودهم في أتون المشهد السياسي.


وعلى الرغم من أن الفقيه يعتقد أن الحرب الأهلية غير وارد حدوثها في اليمن، فإنه يرى أن السيناريو ربما يتغير ويتبدل إذا لم يعِ الفرقاء في الساحة اليمنية الواقع بصورة جيدة، كما أنه يطرح أن على حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم أن يظل لاعبا في الحياة السياسية اليمنية، في حال سقط النظام.
ويقول وزير السياحة اليمني المستقيل: من حق الإسلاميين الوصول إلى السلطة في اليمن، فإلى نص الحوار..

 

* كنتم من أوائل من دعا إلى انتخابات رئاسية مبكرة قبل استقالتكم.. الآن كيف تقرأون المشهد اليمني؟
- المشهد السياسي والأمني بالغ الخطورة، تقلصت الخيارات أمام النظام؛ فالنظام يعيش في أزمة شاملة تعجل من النهاية المؤكدة؛ إذ يدار اليمن اليوم من خلال الأزمات، فنجد القوات المسلحة يزج بها في مواجهات غير متكافئة مع القبائل في «نهم» و«الحيمة» و«أرحب» بهدف إجهاض الثورة، ولإثبات أن تغيير النظام سيؤدي إلى فوضى عارمة تؤثر على الجميع في الداخل والخارج، كما أن التخاذل المتعمد مع المجاميع المسلحة غير المعروفة في أبين يهدف إلى إثبات أن «القاعدة» ما زالت الفزاعة المرهبة للغرب وأميركا، ذلك كله ما هو إلا محاولة لإثبات ما يسوق له النظام من أن التغيير ورحيل الرئيس صالح سوف يؤديان إلى بقاء تلك الفزاعات كلها، وفي ذلك كله النظام قد أخفق وأصبح غير قادر على حسم الأمر لصالحه وغير قادر على خلق تحالف مجتمعي مناهض للثورة، كما أن هناك عقوبات جماعية ممنهجة، وتعاظما لمعاناة المواطنين المعيشية، في ظل ارتفاع الأسعار، وتفاقم الوضع الاقتصادي، ذلك كله غيب الغطاء الشعبي الكامل للنظام، بل وضيق الخناق عليه.. المشهد السياسي أصبح أكثر تعقيدا من ذي قبل.

 

* هل فعلا بات الرئيس علي عبد الله صالح خارج الحلبة السياسية؟
- أثبتت الأيام، منذ خروج الرئيس للعلاج في الرياض، أن الرجل ما زال ممسكا بالخيوط الأساسية للعبة السياسية؛ حيث عجزت المعارضة عن إحكام فعلها السياسي في ظل غياب الرئيس، كما أن استمرار بقاء الرئيس في الحلبة يعتمد على مدى ضعف المعارضة ومدى تفكك شباب الثورة، الرئيس والنظام يراهنان على تفكك ساحات الاعتصام واستمرار غياب الرؤية في انتقال السلطة لدى أحزاب المعارضة، مع عدم إغفال الدور المؤثر للشقيقة الكبرى، السعودية، في بقاء الرئيس على الحلبة.

 

* كيف تنظرون إلى المستقبل السياسي للرئيس صالح وأقربائه وحزب المؤتمر الحاكم؟
- الواقع يشير إلى أن الرئيس وأقرباءه قد كتبوا الفصل الأخير من المشهد السياسي، وأصبح من المستبعد أن يكون هناك مستقبل سياسي أساسي لهم، لم يعد هناك ما يتقوى به الرئيس لمجابهة الشارع، خاصة مع سقوط الكثير من الشهداء والجرحى، كما أنه لم يعد بالإمكان الارتكان إلى الخارج لخلق واقع سياسي يقبل بمستقبل سياسي للرئيس وأقربائه، يجب ترتيب الوضع السياسي لليمن بعيدا عن الرئيس وأقربائه، وإيجاد مخرج ملائم يؤدي إلى التغيير بأقل تكلفة ممكنة، أما ما يخص المؤتمر الشعبي العام كحزب سياسي، فيجب أن يستمر كلاعب أساسي في الحياة السياسية في اليمن، ولا يمكن إقصاء المؤتمر الشعبي العام، يجب على المؤتمر أن يقوم بإعادة هيكلة نفسه وبناء الحزب على أسس تضمن له المشاركة في الحياة السياسية، بما يضمن خلق توازن سياسي في الساحة السياسية اليمنية.

 

* لماذا، باعتقادكم، هناك مخاوف من وصول الإسلاميين إلى السلطة في اليمن؟ وهل هي مشروعة؟
- وفق القواعد الديمقراطية، فإن من حق الإسلاميين الوصول إلى السلطة، ولا أعتقد أن هناك إشكالية تتعلق بالإسلام كمنظومة حكم متكاملة، الخوف هو ممن يصل إلى السلطة، الخوف من أصحاب المواقف الحادة، المتشددين في مواقفهم، المجتهدين بعلم وبغير علم؛ إذ لا يستطيع أحد من المسلمين أن يزعم أن الاجتهاد الذي يطرح لحل مشاكل ما هو من الإسلام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ إذ إن هذا الاجتهاد قد يصيب وقد يخطئ، وعندها لا يمكن أن ننسب الاجتهاد إلى الإسلام بحق وبباطل وإنما إلى المجتهد، من هنا يظهر الخوف، لا أعتقد أن الحكم من خلال الإسلام المستنير وفق النموذج التركي أو النموذج الماليزي سيكون مرفوضا في المجتمع اليمني، يجب على التيارات الإسلامية كلها أن تكون أكثر قدرة على إثبات أحقيتها في الحكم من خلال التكيف مع الواقع بضوابط الوسطية والاعتدال التي يتسم بها الإسلام، لا ضير أن يكون الفكر الإسلامي هو المنطلق لبناء الدولة المدنية الحديثة التي ننشدها جميعا، دولة المؤسسات والقانون، على أسس من العدالة والحرية والمساواة، الهادفة إلى إصلاح منظومة القضاء، ومحاربة الفساد، ومحاربة المحسوبية والرشوة، فإذا كان الاعتماد على الرؤية المعززة بالإسلام كمرشد للفكر سيساعد على وضع أسس الحياة العصرية فهذا شيء إيجابي.

 

* هل تعتقدون أن شبح الحرب الأهلية زال عن اليمن، أم أنه ما زال قائما؟
- الكل يدرك أن ثمن الحرب الأهلية كبير، ومرور شهور على ثورة الشباب الشعبية السلمية هو خير شاهد على عدم الانجرار نحو العنف، على الرغم من الدماء التي سالت وعلى الرغم من السلاح المتوافر في يد كل يمني، كما أن النسيج الاجتماعي المتداخل بين مكونات المجتمع اليمني والتداخل الكبير لمكونات القبيلة اليمنية كذلك يجعلان الانجرار إلى حرب أهلية أمرا مستبعدا، مع الإشارة إلى أن هذا الواقع قد يتبدل، إذا لم يعِ الفرقاء السياسيون أهمية توحيد الصفوف ونبذ الفرقة والشتات والبعد كل البعد عن اتباع سياسة الهدم والتدمير، وإحكام العقل، وأن ينفتحوا على الحلول التوافقية بحيث يصبح التنازل للوطن والمواطن بعيدا عن الشخصنة، يجب أن يدرك الجميع مخاطر الحرب الأهلية على السلم الاجتماعي المحلي والإقليمي والدولي.

 

* هناك من يعتقد أن الرئيس صالح توفي وأن هناك تعتيما على الأمر من أجل ترتيب وضع الحكم باليمن.. بصفتكم وزيرا سابقا ومستقيلا، هل أنتم مطلعون على هذه المعلومات؟
- لا توجد لديَّ معلومات مؤكدة على وفاة الرئيس صالح، إلا أنني أستبعد أن يكون الرئيس صالح قد توفي، اليمن ليس بالإمبراطورية ذات التأثير الاقتصادي والسياسي على المجتمع الدولي حتى يتم التعتيم على وفاة الرئيس حتى يتم ترتيب وضع الحكم باليمن، لكن أجزم أن الرئيس حتى هذه اللحظة ما زال على قيد الحياة.

 

* ألا تعتقدون أن أنجال الرئيس وأنجال أشقائه والمقربين لن يتركوا السلطة ببساطة، أم أن هناك وسائل ضغط قوية سوف تمارس عليهم؟ وممن؟
- أؤكد أن أنجال الرئيس وأنجال أشقائه والمقربين لن يتركوا السلطة ببساطة، هناك مصالح ترتبط بمراكز قوى تحد من رغبتهم في ترك السلطة إن فكروا بذلك، كما أن عدم وضوح الرؤية لما بعد رحيل الرئيس صالح، وما إذا كانت هناك ضمانات ستصدر له ولهم أم لا، لذلك أجد أن أمر التسليم بترك السلطة بسلام يعتبر أمرا مستبعدا، يجب أن يدرك الفرقاء السياسيون أن إيجاد المخرج الملائم لهم بأقل تكلفة هو الحل للدفع بهم نحو التخلي عن السلطة، ما لم يتم ذلك فإن الثمن سيكون مكلفا، خاصة أن هناك أمثلة ماثلة أمام أنجال الرئيس وأنجال أشقائه والمقربين في دول عربية مرت بالتغيير، أما ما يخص وسائل الضغط، فإن المحيط الدولي سيكون هو الفاعل الرئيسي في ذلك، بالإضافة إلى ضغط الشارع.

 

* هل تعتقد أن عقد النظام مرشح للانفراط بتخلي المزيد من أركانه عنه؟
- الوضع الاقتصادي في اليمن ينذر بالكثير من الكوارث الإنسانية التي تعجل من انفراط عقد النظام، خاصة مع استمرار تدهور الخدمات وتذمر الناس من الوضع الذي هم عليه اليوم، نحن أمام تحول دراماتيكي في محددات ثورة التغيير، من ثورة تطالب بالعدالة والمساواة والشراكة والمشاركة، إلى ثورة للجياع سوف تأكل الأخضر واليابس، ثورة جياع لن يكون بمقدورها أن تنتظر المخرج من خلال الفعل السياسي، كما أن التفرد بالقرارات، والنظرة الأحادية للحلول، وشخصنة القضايا، والتناقض داخل أجهزة السلطة بين الأقوال والأفعال، وغياب هيبة القانون وضعف الأداء المؤسسي، ذلك كله يعتبر مؤشرا واضحا على قرب انفراط عقد النظام.

 

* أليست الطروحات المتعلقة بأن صالح وأسرته سيرحلون عن السلطة وسيأتي أبناء الأحمر وغيرهم مكانهم بمعنى استمرار طرق الحكم نفسها؟

- لا يمكن القبول اليوم بهذا الطرح، الثورة وضعت ملامح ومحددات الدولة اليمنية المدنية الحديثة، دولة المؤسسات والقانون، دولة الحرية والعدالة والمساواة، وهذا لن يتحقق من خلال تغيير صوري بل من خلال تغيير جوهري؛ لذا أجد أن الثورة خرجت لتغيير طرق الحكم وتغيير نظام حكم وليس استبدال أسرة مكان أسرة، لن يكون مقبولا استمرار طرق الحكم نفسها، وهذا مؤكد إن شاء الله.

 

* سؤال أخير.. إلى أين يتجه اليمن في المستقبل؟

- يتجه اليمن، إن شاء الله، نحو الدولة المدنية الحديثة، دولة المؤسسات والقانون، الدولة التي يطمح إليها كل يمني، يتجه اليمن نحو تثبيت نفسه كقوة سياسية واقتصادية ذات تأثير إقليمي، خاصة أن المرحلة الماضية قد أظهرت مكامن الخلل التي يمكن أن تعالج في مقبل الأيام، المستقبل واعد بالخير إذا استشعر أبناء اليمن السعيد ذلك وعملوا على عدم الانجرار إلى الحرب والدمار وإلى خراب المعبد على رؤوس الجميع، أما إذا سادت بيننا روح الانتقام وروح الحقد والغل فإن المستقبل سيكون قاتما

Total time: 0.066