كعاصمة تشطرت أجزاؤها إلى ما يشبه “الكانتونات” المغلقة على مناطق نفوذ مقفلة وولاءات متباينة، تبدو صنعاء من الداخل وكأنها تهيأت للتعامل مع أسوا الخيارات المحتملة لحسم معترك الأزمة السياسية القائمة باعتباره ضرباً من القضاء والقدر .
مخاوف المدينة وأهلها الكامنة في انفجار كبير ووشيك للأوضاع الأمنية في البلاد دفعت الكثيرين من هؤلاء إلى المبادرة بشد الرحال مبكراً إلى اصقاع القرى الريفية البعيدة والقريبة من العاصمة تجنباً لويلات ما بات يعتقد، وعلى نطاق واسع، بأنها حرب وشيكة ومتعددة الأطراف، بدأت إرهاصاتها الداكنة في التوالي بهيئة سواتر ومتاريس ترابية مكثفة ومستحدثة نصبت في الشوارع ومفارق الطرق، ومجاميع قبلية وعسكرية متحفزة ومنصات صواريخ ومدافع نصبت على عجل في مواقع مرتفعة تطل على العاصمة مثل “صباحة” و”عطان” و”ظهر حمير” و”جبل نقم”، وأسطح منشآت ومنازل تتوسط أحياء مكتظة بالعاصمة مثل حي “مازدا” و”النهضة” و”حدة” وشارع “عمران” و”الستين” و”الجراف” .
واعتبر الشيخ حمود عبدالقوي ناجي السفياني، أحد الوجاهات الاجتماعية بحي الحصبة بشمال صنعاء في تصريح ل”الخليج” أن ما يشهده العديد من المناطق بالعاصمة حالياً من مظاهر تحفز مسلح في صفوف القوات الحكومية والمنشقة والمجاميع القبلية الموالية للثورة والموالية للنظام القائم، لا يدل على أن هناك أطرافاً تسعى إلى البحث عن مخارج آمنة للأزمة وتسوية بيضاء للأوضاع المحتقنة في البلاد، بل على استعدادات مكثفة للدخول في مواجهات مسلحة ودامية .
وقال الشيخ السفياني: “عندما أستمع إلى خطابات نائب الرئيس أو اللواء علي محسن الأحمر والشيخ صادق الاحمر وتطميناتهم بأن الحرب خيار مستبعد وأن كل طرف منهم حريص على فرض التسوية السلمية للأزمة القائمة أشعر بشيء من الارتياح، لكنني حين اتجول في صنعاء وأشاهد مدفعين تم نصبهما من قبل أتباع الشيخ الأحمر في حي مازدا وأطالع تزايد أعداد المسلحين من قبيلة حاشد المنتشرين بالحصبة ونصب صواريخ ومدافع في مناطق عدة بحي النهضة من قبل قوات فرقة اللواء الأول مدر ع وتحويل مرتفعات صباحة وعطان وظهر حمير إلى مواقع حربية لقوات الحرس الجمهوري، عندما اشاهد كل هذا، أشعر بأن انفجار حرب جديدة بصنعاء ليس سوى مسألة وقت، إنهم يحشدون لبعضهم وستنفجر إن لم يكن اليوم فغداً” .
وقد عاود معظم سكان الأحياء المتاخمة لقصر الشيخ الأحمر بصنعاء النزوح القسري عن منازلهم، بالتزامن مع اغلاق جماعي لغالبية المحال والمعارض والمطاعم المنتشرة على امتداد الشارع الرئيسي الذي يربط حي الحصبة بحي القيادة المؤدي إلى وسط العاصمة، قبيل أن تشهد الايام الأخيرة توسعاً لافتاً لمظاهر الاغلاق الجماعي للمحال والمنشآت الخاصة لتصل إلى مناطق كشارع الزبيري وحي الجامعة القديمة ومسيك والصياح وشيراتون والجزء الغربي من شارع الدائري، فيما لم تعاود أي من المحال والمنشآت سواء الخاصة أو الحكومية الكائنة بشارع جامعة الدول العربية كوكالة الأنباء اليمنية “سبأ” ووزارة الصناعة والتجارة ومعهد الارشاد وهيئة التخطيط الحضري والعقارات استئناف انشطتها بعد توقف الحرب الأخيرة بين القوات الحكومية وأتباع الشيخ صادق الأحمر، زعيم قبيلة حاشد كبرى القبائل اليمنية .
مظاهر التوجس الجماعي من اندلاع وشيك لشرارة الاحتراب مجدداً بالعاصمة تبشدو متسقة مع ما تشهده صنعاء من استعدادات حثيثة لأطراف الأزمة القائمة لتعزيز التحصينات واستحداث خنادق وخطوط دفاعية متقدمة بنصب منصات صواريخ ومدافع بشكل مكشوف وعلني في العديد من الأحياء والمواقع الجبلية المرتفعة المحيطة بالعاصمة، وتصعيد مظاهر الانتشار المسلح للمجاميع المقاتلة، سواء في صفوف العسكر من الجانبين المنشق والموالي للنظام أو المجاميع القبلية الموالية للثورة الشبابية والمؤيدة للرئيس صالح .
ووصف الأكاديمي العسكري العميد صالح عبدالكريم الرياشي في تصريح ل”الخليج” ما يعتمل داخل العاصمة صنعاء من مشاهد يومية لمظاهر تحفز مسلح بأنها أشبه “بدق طبول الحرب الوشيكة” . وقال: “ما يحدث في صنعاء من تصعيد لمظاهر التحفز المسلح من قبل الأطراف المؤثرة في الازمة القائمة وتحديداً القوات المنشقة والقوات الموالية للرئيس علي عبدالله صالح والمجاميع القبلية المسلحة الموالية للشيخ صادق الأحمر والمجاميع القبلية الأخري الموالية لمشايخ موالين للنظام كالشيخ صغير بن عزيز أو الشيخ علي سنان الغولي وحمود عاطف ومبخوت المشرقي، يدل على تراجع فرض تسوية الأزمة القائمة في البلد منذ ستة أشهر عبر اعتماد الخيار السياسي وإن تصعيد الفعل الثوري بات هو المطروح في مقابل ردة فعل متوقعة وعنيفة من القوات الموالية للنظام، بمعنى اوضح أن هناك قناعة تعززت لدى كل الأطراف بأن خيار الحسم عبر الاحتكام للسلاح أصبح بمنزلة شر لابد منه، سواء الحسم لإنهاء الثورة القائمة بإسقاط بقايا النظام أو لضرب مناوئي النظام والدفاع عن بقائه” .