أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

هل أُنصف السيد أردوغان من معارضيه ومؤيديه؟

- العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم

هل أُنصف السيد أردوغان من معارضيه ومؤيديه؟

أصطف الناس بين مؤيد ومنتقد لسياسات ومواقف السيد رئيس وزراء تركيا السيد رجب طيب أردوغان. وسبب هذا التباين والاختلاف,إنما هي مواقفه وتصريحاته من بعض الأحداث.والتي تتناقض وتتباين  في بعض الأمور.والتي باتت مثار دهشة  وعجب واستغراب. ونذكر بعض مواقف مؤيدو  ومعارضو السيد أردوغان:

·        يرى مؤيدوه: بأن أردوغان( ولد  في 26 فبراير 1954 في إسطنبول)  نشأ في أسرة فقيرة  من أصل جورجي (قوقازي). ووالده كان يعمل في خفر السواحل في مدينة ريزة  على البحر الأسود.وأنه يعتز بمنبته الطبقي الكادح,وفي مناظرة تلفزيونية مع دنيز بايكال رئيس الحزب الجمهوري, قال: لم يكن أمامي غير بيع البطيخ والسميط في مرحلتي الابتدائية والإعدادية,كي أستطيع معاونة والدي وتوفير قسم من مصروفات تعليمي, فقد كان والدي فقيرًا. ولذلك كان رئيس الوزراء الوحيد الذي أستطاع تحسين  الوضع المعاشي للأتراك ,ورفع الاقتصاد التركي إلى مصاف الدول المتقدمة والتي لم تحلم به تركيا  في تاريخها عبر القرون الماضية. في حين يرى معارضوه: بأن كل ما فعله أردوغان أنه وضع اللبنة الأخيرة في بناء تركيا الذي أشاده سابقوه. ويستشهدون بقول أردوغان.حين قال: سنتبع سياسة واضحة ونشطة من أجل الوصول إلى الهدف الذي رسمه أتاتورك لإقامة المجتمع المتحضر والمعاصر في إطار القيم الإسلامية التي يؤمن بها 99% من الشعب التركي. ويستشهدون بأن الكثير من الإسلاميين الأتراك  يعتبرون أن سياسات أردوغان تخدم الأغنياء.فعام 2002 م,حيث كان في تركيا 3 أسر فقط تمتلك كل منها نحو مليار دولار، بينما في عام 2007م,ارتفع العدد إلى 26 أسرة.

·        ويرى مؤيدوه: بأن أردوغان إتهم  بالتحريض على الكراهية الدينية. وسجن ومنع من العمل في الوظائف الحكومية ومن الترشح للانتخابات العامة بسبب اقتباسه أبياتاً من شعر تركي أثناء خطابه الجماهير .قال فيه: مساجدنا ثكناتنا,قبابنا خوذنا,مآذننا حرابنا, والمصلون جنودنا,وهذا الجيش المقدس يحرس ديننا.في حين يرى معارضوه: بأنه  تنكر لكلامه حين شارك بالحرب على أفغانستان. وفاوض بمنطق التجار إدارة بوش على غزوها العراق للحصول على أكثر من 20 مليار دولار.

·        يرى مؤيدوه: بأن أردوغان أرسى ركائز الاستقرار والأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي في تركيا، وتصالح مع الأرمن واليونان  بعد عداء تاريخي، وفتح الجسور مع أذربيجان وبقية الجمهوريات السوفيتية السابقة، وأرسى تعاوناً مع سوريا و العراق. وفتح الحدود مع عدة دول عربية بعد رفعه لتأشيرة الدخول، وفتح أبوابا اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية مع العديد من الدول، وأصبحت مدينة إسطنبول العاصمة الثقافية الأوروبية عام 2010 م. وأعاد لمدن وقرى الأكراد أسمائها الكردية بعدما كان ذلك محظورا عليها، وسمح رسميا بالخطبة باللغة الكردية. بينما يرى معارضوه: بأن أردوغان  لم يحافظ على ما بناه من ركائز وعلاقات وجسور.حيث تشهد الكثير من التوتر والانقطاع والارتباك. فهو أحجم في البداية على دعم  التدخل العسكري في ليبيا,إلا أنه سرعان ما ساند قرار مجلس الأمن.وعلى الرغم من إقراره بقوله: أن الأزمة في ليبيا لن تحل إلا عن طريق الليبيين أنفسهم، ولن تحل بالتدخل العسكري. إلا أنه  عاد بعد فترة  إلى قطع علاقاته بالحكومة الليبية التي يقودها القذافي.

·         يرى مؤيدوه: بأن موقف أردوغان  كان حازماً من خرق إسرائيل للمعاهدات الدولية.وقتلها للمدنيين أثناء الهجوم الإسرائيلي على غزة،وأنه قام بجولة في الشرق الأوسط تحدث فيها إلى قادة الدول بشأن تلك القضية، وكان تفاعله واضحاً مما أقلق إسرائيل, وعرض  تركيا  لانتقاد من إسرائيل وحلفائها.وعبر أردوغان عن موقفه صراحة.حين قال:إني متعاطف مع أهل غزة. بينما يرى معارضوه: بأن أردوغان حدد مطالبه من إسرائيل.بقوله: أن العلاقات التركية مع إسرائيل لن تعود إلى طبيعتها إلا بعد أن تعتذر الأخيرة عن هجومها على أسطول الحرية، وتدفع تعويضات للضحايا، وتسمح بإجراء تحقيق دولي حول الحادث. فرفضت إسرائيل إلا تقديم أسفها, ولم يتخذ بحقها أي أجراء.

·        يرى مؤيدوه: بأن سياساته السليمة ونجاحاته الباهرة ومواقفه السديدة لاقت رواجاً في العالم.وبسببها   حصل على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام لعام 2010م. وشهادة دكتوراه فخرية من جامعة أم القرى بمكة المكرمة بتاريخ 1431هـ (يعتبرها أردوغان أغلى شهادة, لديه لأنها صادرة من مكة المكرمة عاصمة الإسلام والمسلمين). وكذلك حصوله بتاريخ 29 نوفمبر 2010 م على جائزة القذافي لحقوق الإنسان.في حين يعتبر معارضوه: بأن أردوغان تنكر للقذافي الذي دعاه لحضور مؤتمر القمة الأفريقي كضيف شرف,حين أيد قرار مجلس الأمن الدولي بفرض الحصار على ليبيا.رغم أن رئيس وزراء روسيا  بوتين  قال بصريح العبارة بأن حلف الناتو  يشن حرباً صليبية على ليبيا.

·        يرى مؤيدوه: بأن أردوغان يجسد شخصية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر  في تركيا وبلاد العرب والإسلام.وأنهم يعولون عليه الكثير.وخاصة في مجال نصرة العروبة والإسلام وشعب فلسطين وتحرير المسجد الأقصى.في حين يرى معارضوه: بأنه لا مجال للمقارنة بين جمال عبد الناصر و أردوغان. فجمال عبد الناصر كان يتصدى لكل عدوان على أية دولة من دول عدم الانحياز,أو على أي بلد من بلاد العرب والمسلمين.في حين يشارك أردوغان مع الناتو في العدوان على دول عربية وإسلامية.

·        يرى مؤيدوه: بأن أردوغان استطاع أن يجمع بين الأصالة والمعاصرة، و بين الإسلام والحداثة .وأنه         بنظر الغرب نموذجاً يجب أن يحتذى  في العالم الإسلامي الذي يتخبط بين تيارين: إما أنظمة علمانية ولكن دكتاتورية مقطوعة عن شعوبها، وإما أنظمة أصولية مرتبطة بشعوبها ولكن منقطعة عن روح التقدم والعصر والتطور. وأن أردوغان قدم  نفسه كزعيم للتيار الإسلامي الديمقراطي. وأنه قال للأوروبيين: أنتم عندكم أحزاب ديمقراطية مسيحية فلماذا ترفضون أن يوجد عندنا أحزاب ديمقراطية إسلامية؟ في حين يرى معارضوه: أن فوز أردوغان يعود إلى جملة أسباب: أولها أن النظام العلماني التركي أصبح متكلساً ومتحجراً أكثر من اللزوم، وفُرض بقرار رئاسي قسري. وثانياً، لأن هذا الحزب أصبح حزب النخبة الغنية البورجوازية في منطقة الأناضول والمدن الكبرى، ولم يعد حزب الشعب في جماهيره العريضة. وثالثاً، لأن النظام السياسي السابق غارق في الفساد . ولهذا السبب فإن الطبقات الوسطى والشعبية انفضت عنه وانضمت إلى حزب العدالة والتنمية. وخاصة وأن البطالة ازدادت كثيراً في صفوفها دون أن تتحرك الدولة لفعل أي شيء.وأن تركيا متعطشة للعودة إلى جذورها وتاريخها بعد أن فصلها أتاتورك عن ميراثها الإسلامي وبعنف لسنوات طويلة.وأن الأجيال التركية الحالية لا تستطيع أن تقرأ تراثها القديم لسبب بسيط، هو انه مكتوب بالحروف العربية في حين أن اللغة التركية حالياً مكتوبة بالحروف اللاتينية.فالجماهير جائعة لتراثها، وعطشى لهويتها.

·        يرى مؤيدوه: بأن أردوغان منجم هوايات .فهو يجيد الغناء ولعبة كرة القدم. ويتقن عدة لغات أجنبية..وأنه أحد التلاميذ النجباء لنجم الدين أربكان. في حين يرى معارضوه:أن  معرفته بالعالم الخارجي قليلة.وأن أربكان كان يشعر بقلق وتشاؤم إزاء مستقبل الاقتصاد التركي بسبب سياسات أردوغان. الذي وصفه :بأنه تلميذ فاشل هرب من المدرسة من الباب الخلفي. ولا يبدو أربكان سعيدا أبداً بتلميذه أردوغان، الذي كان يتصل بين الحين والآخر ليطمئن على صحته قبل وفاته، وكان أربكان يقول: أن هذه الاتصالات لا تعني شيئا. ووجه أربكان اللوم إلى  صحيفة الشرق الأوسط. وقال: إنها ساعدت على تلميع صورة أردوغان في العالم العربي والإسلامي. وعندما ردت الصحيفة بأنها تلتزم الحياد، وان الكثير من قرائها يعتزون بأربكان وتجربته  حين كان رئيساً للوزراء. رد أربكان ضاحكاً: صحيفة الشرق الأوسط مثل الشعب التركي تحبنا، لكنها تدعم حزب العدالة والتنمية. وتابع أربكان قائلاً: لا أعتقد أن علاقات حزب العدالة  مع أميركا وإسرائيل ستستمر طولا. فتح الله كولن (زعيم ديني تركي) وعبد الله غل و أردوغان كانوا يقولون خلال فترات طويلة من حياتهم السياسية: أن إسرائيل هي ممثلة الصهيونية التي تكره المسلمين. وأن أميركا هي الشيطان الأكبر، وإسرائيل هي الشيطان الأصغر.فكيف خلال فترة عامين أو 3 أعوام فقط يصبحون حلفاء سياسيين؟.

·        يرى مؤيدوه:بأن أردوغان عانى الأمرين.فهو قد أضطر أن يستقيل من  الجيش حين طلب منه أن يحلق شاربه وسجن أربعة أشهر. وأن مدرس التربية الدينية حين سأل الطلاب عمن يستطيع أداء الصلاة في الفصل ليتسنى للطلاب أن يتعلموا منه؟رفع رجب يده, ولما قام ناوله المدرس صحيفة ليصلي عليها. رفض أن يصلي عليها لما فيها من صور لنساء سافرات. دُهش المعلم,وأطلق عليه لقب  الشيخ رجب. وأنه تصدى  لشيمون بيريس بعنف في مؤتمر دافوس. وقال له: إنك أكبر مني سناً ولكن لا يحق لك أن تتحدث بهذه اللهجة والصوت العالي الذي يثبت أنك مذنب. فجيشك  يقتل الأطفال في شواطئ غزة، ورؤساء وزرائكم قالوا لي إنهم يكونون سعداء جداً عندما يدخلون غزة على متن دبابتهم. في حين يرى معارضوه:أن ما عاناه أردوغان عانى منه  الكثير من الأتراك.وأنه لم يُقرن قوله بفعله.

·        يرى مؤيدوه: أن أردوغان عبر عن شعوره بالألم والحسرة من الحروب وسفك الدماء والنزاعات الداخلية في منطقة الشرق الأوسط. ونفى  وجود نيات مبيتة لدى تركيا للسيطرة على الشرق الأوسط,أو العالم العربي.وذكر في الوقت نفسه بأن بلاده هي الوريث الشرعي للعثمانيين. وأن دخول تركيا الاتحاد الأوروبي لن يكون على حساب علاقاتها بالعالمين العربي والإسلامي. وأن سياسة أنقرة الخارجية تقوم على مفهوم الصلح والسلام والصداقة. وأنه في كلمة له استهل بها الحوار الذي شاركت فيه 200 شخصية من السياسيين والمفكرين والمثقفين والإعلاميين من الدول العربية والإسلامية وعرب المهجر.قال أردوغان:إن تاريخنا يُلزمنا أن نحمل مسؤولياتنا الكبيرة. ومن أجل ذلك لا يحق لأي منا أن يبقى على مقاعد المتفرجين على الأحداث، بل يجب المساهمة بفعالية فيها من خلال السلوك اليومي.وأن الإسلام عمل على نشر المدنية والثقافة والعدالة والمساواة في المنطقة. في حين يرى معارضوه: بأنه لم يقم بجهود تذكر لوقف نزيف الدماء سوى النصح والتهديد والاتهام.بل أنه تنكر للعرب الذين هتفوا للسلطان عبد الحميد في الحرب العالمية الأولى في الساحات,قائلين:  جلالة السلطان عبد الحميد لا تعبس ولا تبتئس, فنحن جنودك ولباس الحرب  عم نلبس.

نذكر السيد رجب طيب أردوغان بما خاطب به الجماهير بعد توليه رئاسة بلدية اسطنبول. وهذا بعض مما قاله: لا يمكن أبدا أن تكونَ علمانياً ومسلماً في آنٍ واحد ، إنهم دائما يحذرون ويقولون أن العلمانية في خطر. وأنا أقول نعم إنها في خطر . إذا أرادتْ هذه الأمة معاداة العلمانية فلن يستطيع أحدٌ منعها . إن أمة الإسلام تنتظر بزوغ الأمة التركية الإسلامية, وذاك سيتحقق. إن التمردَ ضد العلمانية سيبدأ. وهو من أجاب حين سئل عن سر نجاحه الباهر والسريع ,فقال: لدينا سلاح أنتم لا تعرفونه ، إنه الإيمان ، لدينا الأخلاق الإسلامية وأسوة رسول الإنسانية عليه الصلاة والسلام. ونذكره أيضاً باليوم الحزين حين توافدت الحشود إلى بيته المتواضع . من أجل توديعه وأداء صلاة الجمعة معه في مسجد الفاتح .وبعد الصلاة توجه إلى السجن برفقة 500 سيارة من الأنصار. وفي تلك الأثناء  وهو يهم بدخول السجن. ألتفت إلى الجماهير,وخطب خطبته الشهيرة.قائلاً لهم : وداعاً أيها الأحباب، تهاني القلبية لأهالي اسطنبول وللشعب التركي وللعالم الإسلامي بعيد الأضحى المبارك، سأقضي وقتي خلال هذه الشهور في دراسة المشاريع التي توصل بلدي إلى أعوام الألفية الثالثة. والتي ستكون إن شاء الله أعواماً جميلة.سأعمل بجد داخل السجن وأنتم اعملوا خارج السجن كل ما تستطيعونه.ابذلوا جهودكم لتكونوا معماريين جيدين وأطباء جيدين وحقوقيين متميزين. أنا ذاهب لتأدية واجبي, واذهبوا أنتم أيضاً لتأدوا واجبكم.أستودعكم الله وأرجو أن تسامحوني، وتدعوا لي بالصبر والثبات.كما أرجو أن لا يصدر منكم أي احتجاج أمام مراكز الأحزاب الأخرى.وأن تمروا عليها بوقار وهدوء ، وبدل أصوات الاحتجاج وصيحات الاستنكار المعبرة عن ألمكم ، أظهروا رغبتكم في صناديق الاقتراع القادمة. ونذكره أيضاً بما قاله في إحدى الاحتفالات,حين قال أردوغان: لم نأت للتنازع بل للحب،  وصدق الشاعر حين قال :نحن امة تعرف كيف تحيل المرّ عسلاً. ونذكر أردوغان أيضاً برده على إحدى النائبات الفرنسيات في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا. والتي قالت له: إن أنقرة لا تحترمُ الأقلياتِ الدينيةَ. فرد  عليها أردوغان بهذه العبارة: إنك تتحدثين دون معرفة بالوضع في تركيا. في تركيا، الذي يستعصى عليه الفهم نقول عنه: إنه فرنسي. ونذكر السيد رجب طيب أردوغان ,حين أحرج الرئيس ساركوزي الذي يرفض انضمام تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي.ويرفض زيارة تركيا كرئيس لفرنسا.وإنما زار أنقرة لمدة ست ساعات كرئيس لمجموعة العشرين. و الذي لقنه أردوغان درساً في كيفية التعامل مع الأمم, بتقديمه لساركوزي هدية,هي عبارة عن  رسالة كتبها السلطان العثماني سليمان القانوني عام 1526م.رداً على رسالة الاستغاثة التي بعث  بها فرنسيس الأول ملك فرنسا للسلطان عندما وقع الملك  فرنسيس الأول أسيراً في يد الأسبان يطلب فيها العون والمدد من السلطنة العثمانية والسلطان.وطمئنه السلطان برسالة بأنه سيخلصه من الأسر. وبالفعل أرسل قوة عسكرية حررته من الأسر.

فهل أُنصف السيد رجب طيب أردوغان من قبل معارضيه أومن قبل مؤيديه؟ وهل تتطابق أقواله مع أفعاله في بعض ما يشهده العالم من  أحداث وحوادث , واضطرابات وعواصف تعصف ببعض بلاد العرب والمسلمين ؟

Total time: 0.0671