اخبار الساعة - وكالات
كان يمكن أن يبدو مثل هذا الطرح خياليا وبعيدا عن التصديق في حقب ماضية، أما الآن وبعد أن صار الماء سلعة تباع وتشترى، ويحاول البعض تعبئة الهواء النقي لبيعه فلا يمكن استبعاد أي شيء.
كما هو معلوم، تحكم عالمنا المعاصر آلية استهلاكية شرهة، تقودها منظومة عالمية اقتصادية محكمة تعتمد على قاعدة تسويق تتحكم بصور مختلفة في أذواق المستهلكين، وتتفنن في إبداع وسائل كسب غير مسبوقة وإنتاج سلع تتحول بسرعة من خانة الكماليات إلى الضروريات.
هذا العالم المتسع والمتشابك والمضطرب والمليء بضجيج من كل نوع والذي هو في الحقيقة سوق ضخمة، يفوز فيه دائما من يبادر ومن يتقن لغة العرض والطلب ويفقه أسرارها وخباياها، وهذا ما حاولت أن تفعله سيدة إسبانية تدعى أنخيليس دوران وتبلغ من العمر 54 عاما.
بادرت هذه السيدة الإسبانية إلى تسجيل سابقة غريبة يمكن وصفها بالعبثية نظرا للملابسات المحيطة بهذه "الصفقة"!، لقد سجلت الشمس، النجم الوحيد في فضائنا الكوني والذي يبعد عن الأرض بنحو 149 مليون كيلومتر باسمها وأصبحت المالكة "القانونية" له بعد أن قام فريق من الخبراء بدراسة طلبها ولم يجدوا أي مانع يحول بينها وبين رغبتها، وذلك لأن الاتفاقيات الدولية تحظر على الدول والمؤسسات امتلاك مثل هذه الأجرام، لكنها لا تنص على حظر امتلاكها على الأفراد!.
وفي هذا السياق، تقول أنخيليس دوران: "بما أن شركات الطاقة تتحصل على أرباح من الأنهار، وهي ملكية عامة، فأنا أمل أن أستفيد من الشمس".
خطرت للسيدة الإسبانية فكرة ضم الشمس إلى ممتلكاتها بعد أن قرأت عن أمريكي سجل القمر باسمه، وبعد أن نقبت في القوانين علمت أنها عمليا قادرة على الإعلان عن امتلاكها للشمس والحصول على وثيقة رسمية بذلك.
وتقول هي في هذا الشأن: "لقد فعلت كل شيء بطريقة صحيحة، أنا على دراية بالقانون، ولست بلهاء. يمكن أن يفعل ذلك أي شخص، لكن الفكرة خطرت لي قبل الجميع!"، مضيفة: "حان وقت الشغل الصحيح. إذا لم يكن أحد مؤهلا لإبداع وسائل للحصول على النقود وتحسين أوضاع البشرية فلماذا لا أقوم أنا بذلك؟".
وقررت أنخيليس دوران أن تجبي قيمة مالية من جميع مستهلكي الطاقة المنبعثة من الشمس. ولإظهار كرم سجاياها ونواياها الحسنة، فقد منحت الحكومة الإسبانية نصف عائد بيع طاقة الشمس!، وخصصت 20% لصندوق التقاعد الوطني، و10% لتطوير العلوم، و10% لمكافحة الجوع في العالم!، واكتفت بالاحتفاظ لنفسها فقط بـ10%!.
قد يبدو مثل هذا الطرح للكثيرين مضحكا وهزليا ولا يخضع لمنطق سوي، إلا أننا يجب أن لا ننسى أن الكثير من الأفكار تبدو في بداياتها على هذه الشاكلة باهتة وغير مقنعة قبل أن تنمو ويشتد عودها.
ويمكن الإشارة في هذا الشأن إلى أن تكتلا يضم عددا من كبريات الشركات والمؤسسات الألمانية يتأهب منذ عدة سنوات لإقامة مشروع عملاق في شمال إفريقيا لاستغلال الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء لإنارة كامل أوروبا وربما العالم!.
وقد نستيقظ ذات يوم ليس ببعيد، لنجد أننا، سكان المنطقة العربية التي تتميز بشمسها الساطعة على مدار العام، قد فقدنا الشمس كما فقدنا السيادة على أراضينا ومياهنا الإقليمية وأجوائنا، وأصبحنا ندفع مثل بقية سكان الأرض، فواتير لشركات دولية مقابل إنارة بيوتنا وشوارعنا وشحن هواتفنا النقالة المستوردة!
وحينها، وهذا الأمر واقعي جدا وكل المعطيات الراهنة تسنده، ربما سيتذكر شخص ما معاصر هذه السيدة الإسبانية، لتتوالى الأحداث متسارعة في ذاكرته تعرض كيف خسرنا سباق الحضارة نهائيا وخرجنا من كل الحسابات، وضيعنا ثرواتنا الضخمة ونحن نجتر الماضي، ونلهث في دائرة مفرغة من التقاتل والتباغض والجدل والكسل والخمول.