اليوم تكمل “عاصفة الحزم” السعودية عامها الاول وتدخل عامها الثاني، والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الذي جاءت هذه “العاصفة” لاعادته الى سدة الحكم بالقوة، ما زال مقيما في الرياض، لان مدينة عدن التي اتخذها عاصمة بديلة لم تعد آمنة على الاطلاق بعد التفجيرات التي استهدفتها يوم امس، واعلنت “الدولة الاسلامية” مسؤوليتها عن تنفيذها، ومن المتوقع ان تطول اقامته هذه المرة في العاصمة السعودية.
شرعية الرئيس هادي و”عاصفة الحزم” تلقيا ضربة كبيرة اليوم السبت عندما غص ميدان السبعين في العاصمة صنعاء بمئات الآلاف من المتظاهرين الموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح الذين رفعوا صوره، ورددوا هتافات مناصرة له ولعودته الى الحكم، ومن المؤكد ان المظاهرة الاخرى التي نظمها “تيار انصار الله” الحوثي في حي الروضة، على بعد مسافة قريبة من الاولى، حظيت بمشاركة ضخمة ايضا، ستضع شرعية الرئيس هادي امام اختبار كبير وصعب.
الثورة اليمنية التي انطلقت قبل خمس سنوات للاطاحة بحكم الرئيس صالح الديكتاتوري الفاسد، حسب ادبيات رموزها القيادية، تبخرت فيما يبدو، وتحولت الى تاريخ، بالنظر الى الثورة المضادة التي نراها الآن في شوارع العاصمة اليمنية، وباتت تأخذ شرعية شعبية وتشي بان المزاج السياسي في الشارع اليمني قد تغير، وبات يميل اكثر الى الاستقرار والحنين الى الماضي بالتالي، رغم سيئاته وتحفظاته (اي الشارع اليمني) عليه، وهي تحفظات حقيقية ومشروعة.
من الواضح ان هذه الشعبية المتزايدة للرئيس صالح والتيار للحوثي معا، تأتي انتقاصا وتراجعا لشعبية، وشرعية، خصومهم في الرياض، وعلى رأسهم الرئيس هادي وحكومته، وربما هذا ما اراد الوصول اليه الرئيس صالح وحلفاؤه الحوثيون عندما لجأوا الى ترتيب هذه المظاهرة، وحض انصارهم للمشاركة فيها لايصال عدة رسائل سياسية الى اصحاب “عاصفة الحزم” ومن يدعمهم في اليمن.
القاسم المشترك في الكلمتين اللتين القاهما الرئيس صالح وحليفه عبد الملك الحوثي، وهو الهجوم على المملكة العربية السعودية، فالاول اتهمها بأنها خلف كل الكوارث التي حلت في اليمن وسورية والعراق وليبيا، وهي المسؤولة عن حال الفوضى الدموية التي تسودها، بينما اكد الثاني، اي السيد الحوثي في خطاب متلفز ان القيادة السعودية مسؤولة عن الصراع الطائفي وتصعيده في اليمن.
السيد عبد الملك الحوثي كان اكثر تحفظا من حليفه صالح في انتقاد السعودية، ربما يعود ذلك الى رغبته في الالتزام ببنود اتفاق التهدئة الذي وقعه تياره معها، بينما لم تستجب السعودية مطلقا لنداءات الرئيس صالح بالحوار المباشر، وفضلت تجاهل هذه النداءات بالكامل في اطار سياستها لبذر بذور الخلاف بين شقي التحالف “الحوثي الصالحي”، تبنيا لسياسة “فرق تسد” البريطانية الشهيرة.
لا نعتقد ان الرئيس صالح الذي يوصف في اليمن بأنه من “الدهاة”، ويملك خبرة في حكم بلد صعب تمتد لاكثر من ثلاثين عاما، ما كان يهاجم السعودية بهذه القسوة والمباشرة، لولا انه يدرك جيدا ان “عاصفة الحزم” وما الحقته من آلاف القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى في اليمن، باتت غاراتها تعطي نتائج عكسية تماما، وتألب الشارع اليمني، او معظمه، ضد السعودية والدول المشاركة في تحالفها العربي.
اليمن يتغير بسرعة وبـ”حزم” ضد التدخل العسكري السعودي وانصاره، وبات يعود الى الوراء، او بالاحرى، الى السيء الذي خبره بالمقارنة بالاسوأ الذي يعيش في ظله منذ 12 شهرا، وبات عنوانا للقتل والدمار والتخريب والحصارات واللااستقرار.
هذا لا يعني ان اليمنيين الذين فجروا ثورة سلمية ضد الفساد والطغيان، ومن اجل الديمقراطية والحريات وابسط الحقوق المشروعة سيقبلون العودة الى ذلك الماضي بسلبياته ونواقصه الكبيرة، الشعب اليمني المعروف بكرمه وشهامته واعتزازه بنفسه وشجاعته، يتوحد حاليا في معظمه، ضد “عاصفة الحزم” والتدخلات العسكرية والسياسية الخارجية في شؤون بلاده، وبعد ان ينجح في وقفها سيعود الى اولوياته في اقامة نظام ديمقراطي تسوده العدالة الاجتماعية، ويرتكز على التعايش بين مختلف اطيافه القبلية والمذهبية، بعيدا عن كل اشكال الفساد وانتهاك حقوق الانسان.
لا نرى احتفالات في السعودية، وعواصم حلفائها بالذكرى السنوية الاولى لعاصفة حزمهم، بل نرى حزنا وخيبة امل، الامر الذي يلخص مدى نجاح هذه “العاصفة”، او فشلها، في تحقيق الاهداف التي انطلقت من اجلها.
ختاما نقول، اننا لا نعرف ما اذا كان الرئيس هادي وحلفاؤه السعوديون في الرياض قد راقبوا مظاهرات اليوم بشقيها الصالحي والحوثي، واذا كانوا تابعوها، فما هي مشاعرهم والقناعات التي توصلوا اليها.
ما نعرفه، او ما يمكن ان نستخلصه، من قراءة ما بين سطورها، انها تشكل تسونامي سياسي شعبي جرف الكثير من المفاهيم السابقة التي تكونت على مدى خمس سنوات، ووضعت اليمن امام خريطة جديدة وواقع مختلف، الامر الذي يعجل بالمصالحة الوطنية والحوار، والوصول الى اتفاق سلام، اذا سادت الحكمة والعقل اوساط الاطراف المتحاربة، والسعودية، الدولة الاكثر تورطا في اليمن.
“راي اليوم”