أخبار الساعة » دراسات ومتابعات » دراسات وتقارير

" اسطول الحرية " يعتقل اسرائيل

- د. صالح بكر الطيار

 حفنة من النشطاء ينتمون الى 32 دولة استطاعوا في رحلة بحرية بإتجاه غزة  ان يوقظوا الضمير العالمي وأن يسجلوا في الذاكرة الحاضرة ان هناك اكثر من  مليون ونصف المليون من الفلسطينيين محاصرين منذ سنوات دون ماء ولا كهرباء  ولا غذاء ، والبعض منهم دون مسكن ويفترش العراء .

 حفنة من النشطاء  ابتكروا طريقة جديدة للتعبير عن تضامنهم تختلف عن الطرق المعتمدة عادة  والتي كانت تتكل فقط على اصدار البيانات او القاء الخطب او ارسال  البرقيات او الحديث عن مأساة انسانية عبر وسائل الإعلام . حفنة من  النشطاء تمكنوا من كسر الحصار الذي تفرضه اسرائيل ، وأربكوا كل عواصم  العالم والمنظمات الدولية والإقليمية وأظهروا بشكل ملموس حقيقة اسرائيل  المعادية لحقوق الإنسان والتي لا تحترم القوانين الدولية ، ولا تلتزم  بتشريعات الأمم المتحدة ، والتي تسمح لنفسها بممارسة ارهاب الدولة دون  ادنى محاسبة من القوى العظمى التي نصبت نفسها مثالاً يُحتذى في  الديمقراطية وحرية التعبير .
وكل ما فعله النشطاء انهم ركبوا امواج البحر  الأبيض المتوسط على متن عدة سفن تحمل الغذاء والدواء مجردين من أي سلاح  سوى ايمانهم بأنهم يدافعون عن قضية انسانية ، وأبحروا بإتجاه شواطىء غزة  حيث كان بإنتظارهم الشيوخ والنساء والأطفال والذين لم يتكنوا من  استقبالهم لأن القوات الإسرائيلية هاجمت السفن في المياه الدولية مستخدمة  اقسى اساليب العنف والذخيرة الحية التي اودت بحياة نحو عشرة اشخاص وجرحت  عشرات غيرهم .
ومن سوء حظ القيادة الإسرائيلية ان القتلى الذين سقطوا  كانوا من الأتراك أي من الدولة التي انقلبت منذ حرب غزة 2008 – 2009 من  موقع الحليف الإستراتيجي لإسرائيل الى موقع الخصم السياسي الرافض لما  قامت به تل ابيب حيث لم تترك انقرة منذ هذا التاريخ منبراً دولياً إلا  وطلت من خلاله مدافعة عن الشعب الفلسطيني وعن حقه في تقرير مصيره لجهة  اقامة دولة مستقلة ذات سيادة .
ومن سوء حظ اسرائيل ايضاً ان الجريمة التي  ارتكبتها كانت اكبر من ان تتمكن أي جهة من لفلفتها نتيجة موجات الإحتجاج  العارمة التي عمت كل عواصم العالم والتي احرجت السلطات الرسمية التي كانت  مضطرة الى ان تماشي شعوبها لجهة المطالبة بفك الحصار عن غزة وتشكيل لجنة  تحقيق دولية ومحاسبة المسؤولين .
وذهب البعض ابعد من ذلك مثل جنوب  افريقيا والأكوادور التي استدعت سفيرها من تل ابيب .
اما ردة الفعل  الرسمية العربية فإنها كعادتها لم ترتق الى مستوى الحدث حيث اكتفى مجلس  وزراء الخارجية بإصدار بيان دعا فيه الى كسر الحصار دون ان يتبنى أي  خطوات عملية من اجل ذلك ، والى تكليف لبنان دعوة مجلس الأمن للإنعقاد من  اجل ادانة اسرائيل علماً ان مجلس الأمن سبق وأجتمع بناء على دعوة من  لبنان وتركيا وأكتفى بإصدار بيان رئاسي اعرب فيه عن اسفه لمقتل بعض  الناشطين ، كما قرر وزراء الخارجية العرب تنسيق جهودهم لإثارة الجريمة  الإسرائيلية امام المحافل الدولية ، وبعثوا ايضاً برسالة الى الرئيس  الأميركي باراك اوباما دون ان يعلنوا عن مضمونها .
وهذا الموقف العربي  ليس بجديد إذا ما اعدنا التذكير بإن القمة العربية لم تنعقد عام 1982 إلا  بعد مرور ثلاثة اشهر على اجتياح القوات الإسرائيلية لجزء كبير من الأراضي  اللبنانية بما فيها العاصمة بيروت .
وأياً تكن ردود الفعل سواء الخجولة  او الجريئة فإن الناشطين قد حققوا انجازاً مهماً وهو ان مسألة حصار غزة  لم تعد قضية ذات شأن اسرائيلي بل اصبحت قضية دولية ، وإن اسرائيل لم تعد  قادرة على ممارسة ما يحلو لها دون عقاب بدليل ما اثير على مستويات 
المنظمات الأهلية العالمية ، وإن اسرائيل اصبحت الأن هي المعتقلة لدى  الناشطين الذين كانوا على متن سفن " اسطول الحرية " والذين لن يتوقفوا عن  القيام بمثل ما قاموا به خاصة وأن هناك تحضيراً جارياً لإطلاق " اسطول  الحرية – 2 " الى ان تستعيد غزة حريتها الحقيقية .

رئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي

Total time: 0.1034