تحولت جولة النصر (كنتكي سابقاً)، التي تتوسط شارع الزبيري، أطول الشوارع الرئيسة في العاصمة اليمنية صنعاء إلى مفرق طرق استراتيجي تنعقد عليه رهانات طرفي معادلة الأزمة السياسية القائمة، سواء في تحقيق التعجيل بالحسم الثوري أو كبح جماح الثورة الشبابية المتصاعدة وإطالة بقاء النظام الحاكم .
حساسية الموقع الاستراتيجي، الذي يتميز به موقع شارع الزبيري، عززته خارطة الانقسام الديموغرافي الجديدة كأبرز تداعيات الأزمة السياسية القائمة في البلاد، فذات الشارع بات يمثل ما يمكن وصفه ب”الشريط الحدودي الشائك”، الذي يفصل بين مناطق التماس الحيوية التي تتمترس خلفها المجاميع العسكرية التابعة للقوات المنشقة، مقابل مجاميع عسكرية أخرى أكثر كثافة تابعة لقوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي الموالية للنظام، التي حرصت ومنذ نصب مخيم الاعتصام الاحتجاجي على امتداد الشارع الرئيس، الذي يخترق حي الجامعة الجديدة، على فرض ما يشبه “الجدار العازل” من الجنود والدبابات والعربات المصفحة والمجاميع المدنية المسلحة المساندة، انطلاقاً من الاستشعار بأن استمرار صمود النظام الحاكم أمام خارطة المد الثوري رهن بمدى القدرة العسكرية والأمنية على إحكام السيطرة على شارع الزبيري وتطويق امتداد ساحة الاعتصام ومواقع تمركز القوات المنشقة والمجاميع القبلية المسلحة الموالية للثورة الشبابية وحصرها في ذات مناطق تمركزها الراهنة .
واعتبر الأكاديمي اليمني المتخصص في إدارة الأزمات الدكتور أسامة عبدالرحمن الصرح أن أحداث العنف الأخيرة التي شهدتها صنعاء ولجوء القوات الموالية للنظام إلى استخدام العنف المفرط لتفريق مسيرة احتجاجية حاشدة للمعتصمين بساحة التغيير عبر الاستهداف المباشر وغير المسبوق للمتظاهرين بأسلحة غير تقليدية كقذائف المدفعية ومضادات الطائرات وقذائف ال”آر .بي .جي” ونشر أعداد قياسية من القناصة، مثل ردة فعل متوقعة من قبل القوات الحكومية التي تعاطت مع اقتراب المسيرة الاحتجاجية من مفرق “جولة النصر” ومظاهر الحماية المسلحة المرافقة لها من قبل قوات اللواء الأول مدرع المنشقة باعتباره “زحفاً يستهدف اختراق حدود التماس والوصول إلى القصور الرئاسية والمنشآت الحكومية الحيوية التي يمثل شارع الزبيري أقصر الطرق لمداهمتها والسيطرة عليها” .
وقال الدكتور الصرح ل”الخليج”: “أحداث العنف الأخيرة التي شهدتها صنعاء تركزت بصورة رئيسة في مناطق محددة ومحصورة في المربع الجغرافي المحيط بشارع الزبيري، الذي يتركز فيه أكثف تجمع وانتشار لقوات الأمن المركزي والحرس الجمهوري، وتحديداً شارع هايل وحي باب القاع وحي الزراعة، وهذه المناطق تمثل مداخل فرعية تفضي إلى شارع الزبيري” .
وأضاف قائلاً: “في اعتقادي أن استخدام القوات الموالية للنظام أسلحة غير تقليدية لردع المتظاهرين كالقذائف الثقيلة ومضادات الطائرات وال”آر .بي .جي” كان مقصوداً وبتوجيهات عليا بهدف إيصال رسالة سواء للمعتصمين في ساحة التغيير أو القيادة العسكرية للقوات المنشقة وبقية مكونات الثورة من أن الاقتراب من حدود شارع الزبيري يمثل خطاً أحمر، وأن أية تكرار لمحاولات الاختراق سيجابه بعنف مماثل أو أشد، كما أن نشر مجاميع من القناصة في مواقع متعددة بجولة “النصر” وأخرى محيطة بالساحة واستهداف منطقة شمال ساحة التغيير بقذائف المدفعية لاحقاً استهدف تعزيز الرسالة السابقة، بمعنى “إذا اقتربتم ثانية أو حاولتم الزحف ستواجهون بما هو أشد” .
المخاوف من سيطرة القوى الثورية المناوئة للنظام على شارع الزبيري بصنعاء تصاعد خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة التي سبقت أحداث ال 18 و19 من شهر سبتمبر/ أيلول الدامية إثر تمكن القوات الموالية للثورة، التي يقودها اللواء على محسن الأحمر من توسيع نطاق انتشارها انطلاقاً من “مفرق جولة مذبح، المقابلة للمدخل الغربي لساحة التغيير بصنعاء، وصولاً إلى شارع الستين، وامتدادا إلى منطقة شارع “شملان”، إلى جانب استحداث مواقع تمركز جديدة مؤخراً في عدد من مداخل الأحياء المتفرعة عن شارع هايل .
وبادرت قوات الحرس الجمهوري التي يقودها النجل الأكبر للرئيس صالح خلال الأيام القليلة الماضية إلى تعزيز وجودها العسكري في كافة أنحاء منطقة “شارع الثلاثين”، المتفرع من شارع الستين بصنعاء، أكبر الشوارع الرئيسة بالعاصمة، عقب ساعات فقط من سيطرة القوات المنشقة على منطقة جبلية مرتفعة تسمى “تبة الشيخ صادق الأحمر” ومبادرة الأخيرة بنصب قاعدة صواريخ على قمتها، قبيل أن تسارع القوات التي يقودها نجل الرئيس المتمركزة في معسكر صباحة و”تلة عطان” إلى قصف موقع التبة بعدة صواريخ من طراز “هوتزر” وإرسال تعزيزات عسكرية مكثفة لاستعادة موقع “التبة”، بالتزامن مع شن هجمات مباغتة على ثكنات عسكرية تابعة لقوات اللواء الأول مدرع، تمركزت في منطقة “تبة محمد علي محسن”، الكائنة بشارع الخمسين المقابل لمحيط مجمع دار الرئاسة، ما أسفر عن انسحاب المجاميع العسكرية التابعة للقوات الموالية للثورة بعد مواجهات مسلحة عنيفة مع القوات الحكومية التي اندفعت بضراوة لخوض المواجهات الأخيرة لاعتبارات تتعلق بكون سيطرة القوات الموالية للثورة عليهما يضع كلاً من مقر مجمع دار الرئاسة والمعسكر الرئيس لقوات الحرس الجمهوري الكائن بمنطقة “سواد حزيز” تحت طائلة ومرمى نيران القوات الموالية للثورة .