أخبار الساعة » دراسات ومتابعات » تحليل ومتابعات

الحرب عندما تكون “رصاصة الرحمة” للبسطاء في اليمن

- صنعاء - عادل الصلوي

تحولت فرضية اندلاع حرب أهلية وشيكة في اليمن إلى ما يشبه الاعتقاد السائد الذي يتشاطره اليمنيون على اختلاف مواقفهم من طرفي الأزمة السياسية المتصاعدة في البلاد .

انحسار مساحة التفاؤل الشعبي في إمكانية تراجع خيار الحرب في مواجهة خيار التسوية السياسية السلمية، عززها لدى الكثير من النخب الشعبية اليمنية ليس فقط تعثر مساعي الوساطات والتدخلات الإقليمية والدولية في نزع فتيل التوتر المتصاعد للأوضاع الأمنية والعسكرية واستشراء مظاهر التصعيد المسلح في البلاد، فحسب، بل أيضا حالة التفهم والإدراك الجماعي لتعقيدات خارطة الصراعات والخصومات الناشئة بين الرئيس علي عبدالله صالح ومناوئيه الجدد، على رأسهم اللواء علي محسن الأحمر وزعيم قبيلة حاشد الشيخ صادق الأحمر وأشقاؤه، الذين كانوا وحتى ما قبل ال 18 من شهر مارس (آذار) المنصرم، يمثلون محاور رئيسة في حلقة التحالفات الضيقة التي طالما أدار من خلالها الأول لعبة التوازنات القبلية والعسكرية في البلاد كوسيلة آمنة لإطالة بقائه على سدة السلطة المطلقة .

واعتبر الأكاديمي اليمني المتخصص في مجال علم الاجتماع السياسي الدكتور عبدالرحمن أحمد جمعان في تصريح ل “الخليج” أن “التعثر المتكرر والمتعاقب لكافة مساعي الوساطات الإقليمية والدولية وتراجع الحل السياسي للأزمة اليمنية في مقابل التصعيد العسكري والمسلح على الأرض ليس نتاجا لقصور في مقترحات ومبادرات التسوية المقدمة لإنهاء الأزمة أو لكون الأخيرة شديدة التعقيد، لكن لطبيعة تعاطي هذه الأطراف الأزمة الرئيسية وبخاصة الرئيس صالح مع الأزمة القائمة عبر شخصنتها واختزالها في مجرد ثلة من الخصوم الجدد كاللواء علي محسن الأحمر وعائلة الشيخ الأحمر وقيادات الصف الأول في أحزاب المعارضة” .

ويقول جمعان: “ثقافة تصفية الحسابات الشخصية هي التي تتحكم بمشهد الأزمة السياسية القائمة في البلاد، الرئيس لا يتعاطى مع ما يحدث في البلاد على أنه ثورة شعبية تواجه نظامه المزمن وتطالب بالتغيير السياسي المشروع، إنما باعتباره “مؤامرة” حاكتها أصابع خصوم تتسم علاقته بهم بالكثير من الحساسية يسعون إلى الإطاحة به والاستحواذ على السلطة عبر ركوب موجة الثورة الشبابية، الأمر الذي يمكن معه الجزم بأن الرئيس صالح لن يقبل بأية تسويات سياسية تزيحه عن الحكم وسيظل يماطل ويناور لكسب المزيد من الوقت بهدف حشد الاستعدادات اللازمة لتمكينه من منازلة خصومه الرئيسيين باستخدام السلاح والعسكر” .

فداحة كلفة التداعيات اليومية لاستمرار مشهد المراوحة في الأزمة السياسية القائمة ووطأة هذه التداعيات على حياة الأغلبية الشعبية الفقيرة والمعدمة دفع البعض للتعاطي مع خيار الحسم المسلح باعتباره أشبه ب “رصاصة الرحمة” أو “مشرط الجراح”، الذي من شأنه التسبب ببعض الآلام المؤقتة كخيار اضطراري في سبيل استعادة الجسد اليمني قدرته على الحركة مجدداً والنهوض من عثرته الراهنة والمزمنة .

وعبر حمود إسماعيل علي الشعباني، أحد الوجاهات الشعبية في حي سوق باب السباح بوسط صنعاء تصريح ل “الخليج” عن وجهة نظر محبطة يتشاركها معه العديد من الشرائح الاجتماعية والشعبية بالعاصمة حيال المخارج المتاحة لإنهاء حالة المراوحة المزمنة في الأزمة اليمنية القائمة .

وقال: “تفاءلت بعودة مبعوث الأمم المتحدة مرة أخرى إلى اليمن وتمديده لزيارته الأخيرة آملا في أن يكون وراء هذه العودة خير وانفراج للأزمة الخانقة، لكنه غادر وهو يائس ومحبط مثلي أنا والكثير من اليمنيين” . ويضيف قائلاً: “يحكمنا الرئيس علي عبدالله صالح منذ 33 عاماً، وبحكم معرفتنا وخبرتنا به وبطباعه التي ترسخت خلال هذه السنوات الطويلة فهو لن يترك السلطة مطلقا لا بمبادرة خليجية ولا حتى بقرار من مجلس الأمن” .

من جهته اعتبر معين محمد قاسم حجر، الذي يملك محلا لبيع الحلويات الشعبية في حي الزمر، أحد الأسواق الشعبية الشهيرة بمدينة صنعاء القديمة في تصريح ل “الخليج” أن خيار الحرب لحسم الأزمة اليمنية وإن كان مكلفا وكارثياً، إلا انه أصبح لديه والكثيرون غيره بمثابة “الكي الذي يأتي كآخر العلاج” .

وأضاف: “بالنسبة لي أن تنفجر حرب خاطفة تحسم الصراع القائم على السلطة وتنهي الوضع المعلق القائم في البلاد أهون بكثير من أن أكابد وأسرتي كل يوم مرارة العيش في أجواء مخنوقة بالتوتر والخوف والافتقاد للأمان، فنحن نصحو على أصوات الانفجارات وننام بإغماض عين واحدة من شدة القلق، أتمنى كغيري أن تتجاوز بلادنا هذه الأزمة دون المزيد من الخسائر وعبر اتفاق سياسي، لكن إذا كان هذا الاتفاق السياسي غير متاح وسيكلفنا انتظاره المزيد من المعاناة في هذا الجحيم الراهن فالحرب أهون لنا من هذه العذابات” .

المصدر : الخليج

Total time: 0.054