على الرغم من أن عطلة عيد الأضحى السنوية بالنسبة للمواطن السعودي العادي، تكون فترة للتفاخر بالإنفاق على الملابس الجديدة والزينة والسفر، فإن عُطلة عيد الأضحى هذا العام ستكون على الأرجح الأكثر تقشفاً خلال أكثر من 10 سنوات شهدت خلالها المملكة طفرة نفطية.
فهبوط أسعار النفط يجبر أكبر دولة مُصدرة للنفط في العالم على خفض النفقات للحد من عجز الميزانية، والذي بلغ حداً قياسياً سجل 98 مليار دولار في العام الماضي.
وفي محاولة لتمويل عجز الموازنة تبنت حكومة المملكة أواخر 2015 إجراءات شملت خفض الإنفاق الحكومي وخفض الدعم لأسعار الطاقة.
ومؤخراً بدأت هذه الإجراءات في الانتشار إلى عدد من القطاعات داخل الاقتصاد وأدت لانخفاض الدخل القابل للإنفاق لدى الأسر، وأحدثت ضغوطاً على مستويات المعيشة لدى العديد من المواطنين العاديين في المملكة.
نمط حياة مختلف
وخلال العقد الماضي انتهج الكثير من السعوديين نمط حياة أكثر حداثة انعكس على عاداتهم الاستهلاكية، فكان من الطبيعي أن يمتلك السعوديون أكثر من هاتف جوال، وأن يحرصوا على شراء أحدث أجهزة التكنولوجيا والملابس وأن يسافروا عدة مرات في العام. وألقت تلك الإجراءات بثقلها على مستويات معيشة السعوديين العاديين.
وقال موظف في مركز طبي يدعى محمد، “وزي ما أنت عارف الوضع الاقتصادي شوي صار صعب. فالواحد لازم يدور على المطاعم النظيفة واللي فيها عروض. وبدل ما تدفع 50 أو 60 (ريال للوجبة) تاكل بعشرين أو ثلاثين ريال. شي معقول يعني الواحد يوفر شوي”.
وأحدث تراجع إنفاق المستهلكين ضغوطاً كبيرة على الاقتصاد الكلي. وتراجع نمو القطاع غير النفطي في المملكة 0.7% على أساس سنوي في الربع الأول من العام وهو أسوأ أداء في 5 سنوات على الأقل.
ولم تصدر بيانات الربع الثاني بعد لكن كابيتال ايكونومكس ومقرها لندن، تتوقع أن يكون نمو القطاع قد تراجع 4.5% في يونيو.
وانخفضت قيمة واردات المملكة 24% في يونيو عن مستواها قبل عام وبينما يعزى الانخفاض إلى تراجع المشتريات الخاصة بالمعدات للمشروعات الحكومية، إلا أنه قد يعود كذلك إلى انخفاض واردات السلع الاستهلاكية.
الوافدون أكثر تأثراً
ويبلغ معدل البطالة الرسمي بين السعوديين 11.5%. وحتى الآن لم يفقد سوى عدد قليل من المواطنين وظائفهم جراء التباطؤ الاقتصادي الذي شهدته البلاد هذا العام -لا سيما في قطاع المقاولات – إذ إن قوانين العمل تجعل من الصعب تسريح السعوديين من وظائفهم؛ ولذلك كان الوافدون البالغ عددهم نحو 10 ملايين هم الأكثر عرضة لفقدان الوظائف.
ومع ذلك تأثر السعوديون العاملون في القطاع الحكومي -الذي يوظف نحو ثلثي المواطنين العاملين- من تبني تدابير تقشفية شملت خفض العلاوات والبدلات التي كانت ينظر لها فيما مضى على أنها دخل إضافي روتيني.
وقال الاقتصادي السعودي عصام الزامل، إن تلك البدلات التي تمثل ما يصل إلى 30% من دخل المواطنين العاملين بالقطاع الحكومي تقلصت بشكل ملحوظ وهو ما جعل الكثيرين يشعرون بانخفاض كبير في دخولهم وبالتالي يخفضون النفقات.
وعلاوة على ذلك رفعت الحكومة أسعار البنزين والطاقة لتوفير الأموال التي تنفق على الدعم وهو ما دفع معدل التضخم للارتفاع تقريباً لمثلي مستواه مسجِّلاً نحو 4%.
وعلى الرغم من تشجيع الرياض للمواطنين على تأسيس شركاتهم الخاصة للحد من اعتماد الاقتصاد بصورة رئيسية على النفط، فإن التباطؤ الاقتصادي زاد من صعوبة الأمور لبعض أصحاب الشركات الخاصة.
ربط الأحزمة
ويبدو التوجه لربط الأحزمة وخفض النفقات جلياً في مراكز التسوق والمطاعم في الرياض وجدة والمنطقة الشرقية المنتجة للنفط. فعلى مدى الأشهر القليلة الماضية انتشرت على واجهات المحال في مراكز التسوق لافتات كبيرة مثل “تخفيصات 70%” و”تخفيضات إضافية” و”تصفيات” لكنها بقدر ما نجحت في لفت الأنظار لم تنجح في جذب محافظ المشترين.
كما بدأ الكثير من المطاعم في تقديم عروض مخفضة لوجبات الغذاء. ويرى موظف سعودي في القطاع الخاص يدعى عبدالله الميموني، أنه يتعين على الناس توخي الحذر.
وقال لتلفزيون رويترز “وأعتقد أنها صحوة لكل المجتمع السعودي. نداء استغاثة نداء، خلينا نقول إفاقة، الآن فعلاً فرصة لجميع أفراد المجتمع أن يكون عند الواحد خطة مالية ووعي في طريقة الصرف، سواء كان في الوقت الحالي، وهو وقت تباطؤ اقتصادي، أو حتى في أوقات الرخاء والأمور تكون جيدة”.
وأضاف موظف آخر في القطاع الخاص يدعى سعد القحطاني “أنا شخصياً أتوجه للعروض التي تقدمها الأسواق في الرياض وأتتبع الأنسب فالأنسب على حسب احتياجاتي المنزلية اللي أنا أقوم بشرائها واحتياجاتي اليومية أو الأسبوعية بشكل عام”.
وانعكس تراجع إنفاق المستهلكين على نتائج الشركات العاملة في قطاع التجزئة إذ سجلت شركة جرير للتسويق التي تبيع الأجهزة الإلكترونية والأدوات المكتبية، انخفاضاً بنحو 25% على أساس سنوي في صافي الربح بنهاية النصف الأول من العام نتيجة انخفاض المبيعات بنسبة 15% خلال نفس الفترة.
إنفاق المستهلكين قد يتوقف
وقال محمد العقيل رئيس مجلس إدارة الشركة في رد على أسئلة لـ رويترز، إن انخفاض مشتريات الأفراد داخل فروع جرير كان في الدرجة العليا من خانة الآحاد، بينما كان هناك انخفاض أكثر حدة في إنفاق الشركات والأجهزة الحكومية على أدوات المكاتب وأجهزة الكمبيوتر.
وهناك بعض الإشارات الدافعة للاعتقاد بأن إنفاق المستهلكين قد يتوقف قريباً عن التراجع. وأظهرت مسوحات على مدى الشهرين الماضيين، أن نمو القطاع الخاص بدأ في التعافي نتيجة ارتفاع إنتاج المملكة من النفط، كما أن الكثيرين يتوقعون أسعارا أعلى للخام في العام المقبل وهو ما قد يخفف الضغوط على المالية العامة للبلاد.
لكن لا يتوقع كثيرون ارتداداً قوياً لإنفاق المستهلكين، إذ إنه على الرغم من إجراءات التقشف من المتوقع أن تسجل المملكة عجزا في الميزانية يبلغ عشرات المليارات من الدولارات هذا العام وقال مسؤولون، إن المزيد من إجراءات خفض الدعم لا تزال قيد الدراسة.
وفي 2018 تعتزم الحكومة تطبيق ضريبة القيمة المضافة عند معدل 5% على الأرجح وسيجري إعفاء بعض السلع مثل الأطعمة من الضريبة. ويبدو أن أغلب السعوديين يتقبلون فكرة أن هبوط أسعار النفط يجعل إجراءات التقشف، أمر لا يمكن تفاديه ومع ذلك لجأ الكثير من السعوديين إلى “تويتر” لمناقشة فكرة ربط الأحزمة تحت وسم (هاشتاغ) “الراتب ما يكفي الحاجة”.