اخبار الساعة - عبدالباري عطوان
الخلافات المتفاقمة بين الجانبين الامريكي والروسي حول نصوص اتفاق الهدنة في سورية، الذي بدأ العمل به مساء الاثنين الماضي، قد تؤدي الى انهياره وعودة الامور في جبهات القتال في مختلف انحاء سورية الى المربع الاول، وتجدد الصدامات الدموية المسلحة.
هناك حالة من الغموض تتعلق بتفسير هذا الاتفاق وبنوده، انعكست بشكل جلي يوم امس الجمعة عندما جرى الغاء اجتماع لمجلس الامن الدولي، كان من المفترض ان يصدر قرارا بإعتماده رسميا، وبطلب من الولايات المتحدة الامريكية.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برر هذا الالغاء بأنه عائد الى رغبة الولايات المتحدة بعدم اطلاع اعضاء مجلس الامن على بنود الاتفاق، وطالبها بالشفافية، الولايات المتحدة لم تنف هذا “الاتهام”، وقالت انها لا تريد ذلك حفاظا على سلامة بعض الفصائل التي تدعمها، وحرصا على وصول المساعدات الانسانية الى السكان المحاصرين.
***
محاولة البحث عن الحقيقة وسط هذا الكم الهائل من الاتهامات المتبادلة بين الراعين لهذا الاتفاق، اي الولايات المتحدة وروسيا، تبدو صعبة، ولكن ما يمكن قراءته ما بين سطورها، يمكن حصر الاسباب الحقيقية لهذا الخلاف الى مجموعة من النقاط:
الاول: فشل الولايات المتحدة في الالتزام بتطبيق النقطة الواردة في الاتفاق التي تنص على اجراء فصل واضح بين الفصائل السورية المعتدلة (السلمية)، والاخرى المتشددة (الارهابية)، وفك ارتباط الاولى بالثانية.
الثانية: الخلاف المتفاقم داخل الادارة الامريكية حول هذا الاتفاق بين وزارة الخارجية التي تفاوضت حوله برئاسة كيري، ووزارة الدفاع (البنتاغون) الذي من المفترض ان يتحمل مسؤولية تطبيقه، ويتردد في اوساط الادارة ان اشتون كارتر، وزير الدفاع، عارض الاتفاق بشدة.
الثالثة: نجاح الاتفاق وصموده يعني بدء القصف الجوي الامريكي الروسي لتنظيم جبهة “فتح الشام” او “النصرة” سابقا، واحرار الشام المتحالفة معها، وكان من المفترض ان يبدأ هذا القصف يوم بعد غد الاثنين، اي بعد اسبوع من تنفيذ الاتفاق، وهذا ما لا تريده امريكا.
الرابعة: رفض معظم فصائل المعارضة المسلحة للاتفاق، فك الارتباط مع “جبهة النصرة” بتحريض من الدول الداعمة لها في منطقة الخليج، وحدوث شرخ كبير في اوساط المعارضة حول هذه المسألة، وتوجيهها انتقادات كبيرة للولايات المتحدة السعودية وتركيا بالخيانة، والتخلي عن المعارضة، والسقوط في المصيدة الروسية.
الخامسة: فشل الولايات المتحدة تنفيذ تعهدها بفك الارتباط بين الفصائل المسلحة المعتدلة، و”جبهة النصرة”، او “فتح الشام”، كان وراء تراجعها، واتهام الرئيس الروسي بوتين لها بأن لديها رغبة في الحفاظ على قدرات عسكرية لمحاربة ما وصفه “حكومة الرئيس بشار الاسد الشرعية” التي التزمت بالهدنة وبنودها كاملة.
***
اتفاق الهدنة يترنح، والاختراقات له تتسع في اكثر من منطقة في سورية، وكيري، وزير الخارجية الامريكي، في حال “صيام” عن الحديث على عكس نظرائه الروس، والمعارضة السورية، بشقيها المعتدل والمتشدد، تصلي من اجل انهياره لانها لم ترحب به منذ البداية، وهناك توقعات بإنفجار الخلاف الروسي الامريكي، ولجوء روسيا الى نشر بنود الاتفاق علنا لاحراج الشريك الامريكي، وفضح تراجعاته عن التزاماته التي وردت في الاتفاق وبنوده.
انهيار الاتفاق قد يعني التصعيد العسكري على نطاق اوسع، وتورط اكبر من قبل القوتين العظميين اللذين يخوضان حاليا حربا بالنيابة، وسط غابة الازمة السورية الوعرة، فمن الواضح ان الطرف الروسي، ورئيسه بوتين يشعر بحالة من الغضب وخيبة الامل معا، لان الاتفاق حقق كل مطالبه في قصف امريكي روسي مشترك لجبهة النصرة وحلفائها، جنبا الى جنب مع قصف “الدولة الاسلامية”.
هل شعر الامريكيون بالخديعة، والوقوع في المصيدة الروسية في سورية؟ لا نستبعد ذلك، بدليل الرغبة الامريكية بمراجعة بعض النصوص وتعديلها.. السؤال الآخر، هل يقبل الروس بهذه التعديلات؟ لا نملك الاجابة، ولا نعتقد ان غيرنا يملكها في الوقت الراهن على الاقل.
الاجتماع المقترح يوم الاربعاء المقبل بين لافروف وكيري حول الازمة السورية، ربما يجيب على هذه الاسئلة او غيرها، لكن ما يمكن التكهن به هو ان احتمالات استمرار الخلاف، وبالتالي التصعيد العسكري، اكبر من احتمالات الاتفاق، لان روسيا ستصر على فك الارتباط بين “المعتدلين” و”المتشددين”، ومواصلة قصفها، ومعها قوات وطائرات الحكومة السورية للقضاء على جبهة “فتح الشام”، وكل من يتحالف معها من فصائل، ولعل اقدام هذه الفصائل على تجميع ورص صفوفها، الذي اكده الرئيس بوتين، احد المؤشرات القوية التي تؤكد هذا الاحتمال.