بدأ التصدع في العلاقات السعودية الأمريكية بشكل غير مسبوق ، بعد أن وصلت العلاقات بين البلدين إلى مرحلة حرجة وخطيرة ، إلا أن مراقبون يعتبرون أن ذلك سيجعل من السعودية أن تعتمد على نفسها وخاصة في الكثير من المسائل المصيرية في المنطقة ومنها الأزمة اليمنية ، إذ سيجعل ذلك القرار من السعودية تتخذ قراراً حاسماً دون النظر إلى الإملاءات والعوائق الأمريكية والخطوط الحمراء التي تضعها أمريكا أمامها ، وستتجه إلى الحسم بعيداً عن المناورات والمفاوضات السياسية العبثية . كما توقع مراقبون أن تقدم السعودية على ردة فعل قوية سواءً إقتصادية أو عسكرية تغير من المعادلة في المنطقة .
ويوم أمس صوّت الكونجرس الأمريكي بأغلبية ساحقة على قانون "جاستا"، ونجحوا في نقضهم لقرار الفيتو الرئاسي لباراك أوباما، وأصبح "جاستا" قانوناً تشريعياً يسمح لأسر الضحايا بمقاضاة الحكومة السعودية ومصادرة وحجز أموالها وأصولها الاستثمارية، وهو الأمر الذي يهدد بقُرب نهاية التحالف السعودي الأمريكي بشكل فعلي، وهو ما ألمحت له صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
وينشر " اليوم برس : أبعاد قانون " جاستا ، وأضراه على السعودية وكما يلي :
وللإيضاح؛ فإن القانون سيعطي المجال لأصغر قاضٍ في أي مقاطعة أمريكية أو أي قرية في ولاية ألاسكا الأمريكية النائية، الحق في الحجز على الأموال السعودية والتحفظ على ممتلكاتها حتى يتم البت في القضية وإنهاء إجراءات التقاضي، في حال تقدمت إحدى عائلات ضحايا 11 من سبتمبر برفع دعوى قضائية ضد السعودية.
وبعد الموافقة على القانون سيبدأ ماراثون طويل من إجراءات التقاضي التي لا تنتهي، وستكلف الحكومة السعودية مليارات الدولارت؛ بخلاف عمليات الابتزاز من مكاتب المحاماة المتطفلة التي ستجد في القرار فرصة ذهبية للحصول على الأموال المجانية بسبب هذا القانون الجائر.
وعلّقت "نيويورك تايمز" الأمريكية في تقرير مفصّل عن الموضوع بالقول: "على الرغم من الاعتراضات الشديدة من البيت الأبيض؛ فإن القانون الجديد الذي صدر سيغيّر -على الفور- المشهد القانوني، وسيسمح للمحاكم الأمريكية بالاستيلاء على الأصول السعودية لدفع ثمَن أي حكم لصالح عائلات ضحايا 11 سبتمبر".
وأضافت الصحيفة: "كما أن المسؤولين السعوديين في نفس الوقت قد حذّروا من أنهم قد يتحركون لبيع مئات المليارات من الدولارات المستثمرة في الاقتصاد الأمريكي لتجنب مثل هذه النتيجة".
وزادت الصحيفة: "يأتي قرار الكونجرس في لحظات مشحونة تعيشها بالفعل العلاقات بين السعودية وأمريكا، وتنفي الحكومة السعودية بشدة أي دور لها في هجمات 11 سبتمبر، كما أن لجنة التحقيق في الهجمات خلُصت إلى "أنه لا يوجد أي دليل على أن الحكومة السعودية أو كبار المسؤولين فيها، قد موّلوا -بشكل فردي- الهجمات أو منفّذيها"؛ ولكن اللجنة تركت الباب مفتوحاً في احتمالية أن بعض المسؤولين السعوديين قد لعبوا بعض الأدوار؛ لكن الصحيفة لم توضّح هذه الأدوار التي تزعمها.
وعلى الفور أعلن أوباما في مقابلة مع "السي إن إن" الأمريكية، أن القرار يُعتبر خطأ كبيراً؛ مضيفاً "إنني أقدّر لحظات الألم لضحايا الحادي عشر من سبتمبر"؛ لكنه رأى أن هذا القرار سيفتح أبواب القضاء في بعض الدول ضد الولايات المتحدة الأمريكية؛ متهماً أعضاء الكونجرس بأنهم لم يفهموا تبِعات القرار، ولم يناقشوه أبداً.
ونقلت صحيفة "الواشنطن بوست" عن خبراء دوليين، أن هذا القرار سيُلحق الضرر بالولايات المتحدة الأمريكية أكثر من السعودية؛ نظراً للحروب التي تديرها أمريكا في الشرق الأوسط وأفغانستان، وهو ما جعل أكثر من 28 عضواً يُصدرون بياناً عبّروا فيه عن انفتاحهم لتعديل القرار.
من جهتها، أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" أنه بعد ساعات التصويت، وقّع ما يقرب من 30 عضواً من أعضاء مجلس الشيوخ، خطاباً عبّروا فيه عن تحفظاتهم بشأن العواقب المحتملة للقانون؛ بما في ذلك احتمالية أن الولايات المتحدة قد تواجه دعاوى قضائية في محاكم أجنبية؛ "نتيجة لأنشطة عسكرية أو استخباراتية مهمة".
وزادت الصحيفة: "البيت الأبيض وبعض أعضاء الكونجرس يبحثون بالفعل عن طريقة يمكن أن تُضعف القانون أو تُحَوّره في المستقبل القريب؛ على الرغم من أنه كان هناك تشاوؤم عام يوم الأربعاء في أروقة الكونجرس حول الموافقة على أي تعديلات"، وعلّق السيناتور "ليندسي غراهام" الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية، بعد التصويت حول إمكانية تعديل القرار قائلاً: "ينبغي أن يكون هناك إجماع أولاً.. ثم نحتاج المركبة"؛ في إشارة إلى صعوبة الحصول على الإجماع في الوقت الحالي".
وأضافت الصحيفة: "ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت السعودية ستنفّذ تحذيراتها من تسييل أصولها التي تُقَدّر بمليارات الدولارات أو لا؛ في الوقت الذي توقّع فيه خبراء اقتصاديون من أن البلدين سيتضرران بالفعل اقتصادياً في حال أقدمت السعودية على هذه الخطوة".
لكن "الواشنطن بوست" قالت: إن خبراء دوليين توقّعوا، أن تبدأ السعودية نقل أموالها إلى خارج الولايات المتحدة الأمريكية قبل إصدار طلبات حجز على الأصول المالية هناك.
من جهتها، قالت "نيويورك تايمز" الأمريكية نقلاً عن أحد خبراء القانون: "إن القانون قد أتاح فقرة للتسوية في حال صدر حكم القاضي؛ من دون الإعلان عن تفاصيل القضية"؛ لكن الصحيفة أشارت إلى أن السعودية ترفض أي دور لها في هذه الأحداث، كما أن التفاوض حول تسويات في هذه القضية هو اعتراف بالذنب وبضلوعها في الأحداث.
ورأت الصحيفة، أن استجابة البيت الأبيض قبل صدور القانون كانت بطيئة، وهي بمثابة سوء تقدير حول موقف الكونجرس؛ حيث كانت الإدارة الأمريكية بطيئة في ممارسة الضغط على أعضاء الكونجرس.
وعلى الرغم من أهمية التحالف بين السعودية وأمريكا؛ فإن القرار -كما وصفته الصحف الأمريكية- ربما يكون نهاية للتحالف بين البلدين الذي استمر لعقود طويلة، كما قالت "نيويورك تايمز" في تغطيتها.
وعلّقت صحيفة "الواشنطن بوست"، حول تأثيرات القرار على التحالف بين البلدين بالقول: إن قرار كسْر الفيتو الذي أقره الكونجرس ومجلس النواب الأمريكي؛ هو نكسة حادّة للتحالف بين البلدين.
وبيّنت الصحيفة: "هذه النتيجة الكبيرة بتصويت 97 عضواً مقابل 1 في مجلس الكونجرس، و348 مقابل 77؛ إنما هو انعكاس حقيقي لمدى تضاؤل النفوذ السعودي في واشنطن، كما أن التصويت جاء في وقت حرج وقبل الانتخابات بشهر واحد؛ ليصعب تغيير القرار، أو إضافة تعديلات عليه؛ نظراً لسعي الأعضاء لكسب أصوات الآلاف من الناخبين، عبر منح وعود للناخبين في هذه القضية.
هذا وكان قد كشف المحامي الدولي محمود رفعت في تغريدات له ، وكما تابع " اليوم برس " عن خصائص القضاء الأمريكي، قائلاً: "القضاء في أمريكا له 3 خصائص ستضر بشدة السعودية فور تطبيق قانون جاستا الذي يدينها بالإرهاب ويحمّلها المسؤولية الجنائية كدولة، موضحاً أنه "يعتمد مبدأ السابقة القضائية، أي لو حكمت 2000 محكمة بتبرئة السعودية وحكمت واحدة بإدانتها أصبح السابق واللاحق معتمداً عليها".
وبيّن أن القانون سيسمح بالحجز على أي أموال سعودية هناك، قائلاً: "سيحق لصاحب أي تعويض بقانون جاستا الحجز على أي نوع من الأموال تملكه السعودية في أمريكا؛ عقارات، استثمارات، صناديق، شركات... إلخ"، مضيفاً: "يستطيع صاحب حكم تعويض قانون رعاة الإرهاب حتى حجز طائرات".
وأضاف: "سيسمح قانون جاستا بملاحقة السعودية كدولة وتحميلها مسؤولية الإرهاب كدولة وبالتالي يمكن تصنيفها كدولة راعية للإرهاب في أي وقت"، مؤكداً أن القانون غير شرعي، ويتناقض مع اتفاقية أمريكا مع الأمم المتحدة لحصانات الدول وممتلكاتها من الولاية القضائية لسنة 2004.
واختتم "رفعت" تغريداته قائلاً: "سيطيح القانون بكل معايير حقوق الإنسان الدولية التي حرّمت أن يمتد العقاب على الجريمة لغير فاعلها"، موضحاً أن سماح "جاستا" بتحميل الدولة مسؤولية جنائية بتحميل شعب بأكمله مسؤولية جريمة اقترفها أفراد يُعتبر أمراً جنونياً، محذراً من أن القرار سيدخل حيز التنفيذ بعد أن توافق الحزب الجمهوري والديموقراطي على إقراره.