أخبار الساعة » السياسية » عربية ودولية

وباء الإيدز ينتشر في روسيا وسقف الإصابات يتجاوز المليون

بصمت وهدوء تجاوز عدد الأشخاص الحاملين لفيروس “H.I.V” المسبب لمرض الإيدز المليون مصاب خلال العام الحالي في روسيا.

 

ومع ذلك فهناك القليل من الأدلة على أن الحكومة تقوم بما يلزم لتأمين الموارد الكافية لوقف تسارع انتشار الفيروس بين الفئات الأكثر عرضة للخطر من مجموع السكان.

 

وقال فادين بكروفسكي رئيس مركز الإيدز الاتحادي في موسكو ،إن ما يقارب من 850 الف روسي يحملون فيروس H.I.V”” عدا عن وفاة حوالي 220 ألف شخص منذ عام 1980. ويقدر وجود حوالي 500 ألف حالة لم يتم تشخيصها بعد.

 

ومع أن مصطلح “الوباء” يواجه بإنكارٍ شديدٍ من كبار المسؤولين، إلا أن الخبراء على  خطوط المواجهة الأمامية مثل بكروفسكي يستخدمون هذا المصطلح بالذات. فإن التقدير الإجمالي للضحايا يشكل حوالي 1% من سكان روسيا البالغ عددهم 143 مليون نسمة، وهذه نسبة كافية لاعتباره وباءً. بل ويذهب لأبعد من ذلك، حيث يقول إن الحقن الوريدية التي يستخدمها ممارسوا الجنس من الشواذ، لحقن المخدرات ستكون الوسيلة الرئيسة للعدوى.

 

ويقول  “يمكن اعتبار هذا الأمر تهديدًا حقيقيًا للأمة بأسرها”، مشيرًا إلى أن عدد الحالات يزداد بحوالي 10% سنويًا.

 

ففي عام 2016 تم تسجيل حوالي 100 الف إصابة جديدة، أي بمعدل 275 إصابة يوميًا. وهذا أكبر انتشار لوباء الإيدز في أوروبا ومن أعلى معدلات الإصابة على الصعيد العالمي.

 

وعلى الرغم من المعالم القاتمة، لا يتوقع الخبراء تغيرًا كبيرًا في روسيا. حيث أن الضحايا لا يزالون يواجهون نوعًا من وصمة العار التي كانت سائدة في الثمانينات في الغرب وحيث تتواصل حرب الخنادق بين الكرملين والمنظمات غير الحكومية ما يستنزف الجهود الجماعية. إضافة إلى دعوة بعض الأصوات البارزة باستخدام “القيم الأسرية” كإجراء مثالي للوقاية.

 

ومن نواحٍ كثيرةٍ، فإن قيام روسيا بمحاربة وباء الإيدز تبقى كحالة دراسية في ظل التوتر المستمر بين المجتمع المدني والكرملين في عهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يعتبر أن أي نشاط عام خارج سيطرة الحكومة يعتبر أمرًا مثيرًا للشبهة. وارتفعت حدة التوترات هذا العام بعد قيام وزارة العدل باعتبار عدد من المنظمات غير الحكومية بالمشاركة في مكافحة فيروس “”H.I.V/AIDS كعملاء أجانب لتلقيهم منحًا من جهات خارجية.

 

وقال أنطون كراسوفسكي وهو مقدم لأحد البرامج الحوارية في شهر يناير/كانون الأول من عام 2013 والمعروف عنه بأنه مثلي الجنس، بأنه أنفق مدخراته كلها لإنشاء منظمة غير حكومية في سعيه لسد هذه الفجوة.

 

وقال كراسوفسكي  “بما أننا لا نتحدث عن محاربة بوتين، ولكن محاربة الفيروس، فيجب على الناس أن يدركوا أنهم يستطيعون مكافحة هذا الفيروس إذا اتخذوا نفس موقف بوتين فقط. فمن المستحيل تغيير أي وضع دون التوصل إلى نوع من الاتفاق”.

 

وكان الرئيس قد التزم جانب الصمت إلى حد كبير فيما يختص بفيروس الإيدز، ويقول بعض النشطاء إن مزيج اللامبالاة تجاه الضحايا والتقشف المالي الحكومي والعداء للأموال الأجنبية وقوة معسكر منكري مرض الإيدز من بين الأمور التي تؤدي إلى عدم توفر مجهود وطني متماسك.

 

وينتقد الخبراء استراتيجية الحكومة الجديدة في محاربة وباء الإيدز التي صدرت في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي لافتقارها إلى خطة تنفيذية وعدم توفر أموال جديدة.

 

وفي سانت بطرسبرغ هناك زوجان هما الدكتورة تاتيانا فينغرادوفا وأندريا سكفورتسوف، يذكران بالانقسام الحاصل بين الحكومة والمنظمات غير الحكومية حول هذا الموضوع.

 

وتبدو الدكتورة فينوجرادوفا نحيلة في معطفها الأبيض وشعرها البني القصير، وهي محاربة لفيروس الإيدز من الجيل الثالث. فقد كانت جدتها اختصاصية في الأمراض المعدية وقامت بمعالجة المصابين بالفيروس في سانت بطرسبرغ في أواخر الثمانينات، وحثت المدينة على إنشاء مركز الإيدز. وقامت والدة الدكتور فينوجرادوفا بإدارة المركز وتشغل هي نفسها حاليًا منصب نائب رئيس البحث العلمي.

 

سكفورتسوف حامل إيجابي لفيروس الإيدز ومدمن مخدرات سابق ، يعمل في منظمة غير حكومية صغيرة يطلق عليها اسم “مرضى تحت السيطرة”. التي أنشأت عام 2010 في محاولة لإقناع والضغط على الحكومات الفدرالية والمحلية لتوفير علاجات مضمونة من الحكومة.

 

وفي مركز سانت بطرسبرغ للإيدز ترى الدكتورة فينوجرادوفا البالغة من العمر 41 عامًا، بأن هناك انخفاضًا في انتشار المرض بين الأزواج المدمنين على المخدرات بينما ترتفع الحالات بين الأزواج من مثليي الجنس.

 

وتشرح الدكتورة فينوجرادوفا سبب تجنب الحكومة لاستخدام مصطلح وباء على انتشار المرض: “إن إطلاق مصطلح وباء هو اعتراف ضمني من الحكومة على انها تركت المشكلة لتخرج عن السيطرة على مدى السنوات الثلاثين الماضية” وقالت بأنها تستخدم الاستراتيجية الوطنية وأية تصريحات رسمية أخرى يمكن العثور عليها لانتزاع المزيد من الأموال من السياسيين. “هذه هي روسيا، اي شيء يجب أن يصعد ويهبط حتى يتم القيام به”

 

وحاول الزوجان استخدام زواجهما للمساعدة في كسر وصمة العار التي تلازم المصابين كالطاعون غير القابل للعلاج عند المدمنين على المخدرات، والشواذ جنسيًا أو الآخرين المعرضين للموت على أية حال.

 

وعندما خضع زوجها في العام الماضي لعملية جراحية لزرع ترقوة معدنية نتيجة تعرضه لحادث دراجة نارية، رفض الجراح إجراء العملية بعد اكتشافه بأنه مصاب بفيروس الإيدز. وقال السيد سكفورتسوف البالغ من العمر 37 عامًا أثناء ظهوره مؤخرًا في برنامج تلفزيوني مع الناشطة في مرض الإيدز يفجينيا بروخودا من جنوب مدينة كراسنودار، وواحدة من أوائل الروسيين الذين طالبوا بالحديث عن الفيروس عبر التلفزيون الوطني دون إخفاء وجهها.

 

وفي روسيا هناك أقل من 37% يتلقون مثل هذه العلاجات، حسب الإحصاءات الحكومية. يقول فيناي سالدانها المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة المشترك في أوروبا الشرقية ووسط أسيا : “إن برامج الوقاية معطلة، والتغطية غير كافية لكسر المنحنى”.

 

وتعتبر روسيا من بين البلدان الخمسة التي لديها ما يقرب  من نصف عدد الإصابات الجديدة على الصعيد العالمي، فالدول الأخرى مثل جنوب إفريقيا، نيجيريا، الهند وأوغندا، واستنادًا إلى إحصاءات برنامج الأمم المتحدة، فإن بعض هذه الدول تتجاوز نسبة الإصابات فيها النسبة الإجمالية لعدد السكان.

 

ويتم صرف معظم الـ 338 مليون من الميزانية الاتحادية الروسية السنوية على الأدوية، وتقريبًا لا يتم صرف أي شيء على التعليم الوقائي. ودعت وزيرة الصحة فيرونيكا سكفورتسوفا (وهي غير مرتبطة بأندريه سكفورتسوف) مرارا إلى توسيع نطاق برامج العلاج واعطائه أولوية الحكومة. وبعد ركود طويل تم تعيين القليل من المال الجديد.

 

وفي نفس الوقت شجعت الكنيسة الروسية الأرثوذكسية وبعض السياسيين على التشبث بـ”القيم المحافظة” كافضل وسيلة لمكافحة انتشار فيروس الإيدز.

 

وتعارض كل من الحكومة والكنيسة الثقافة الجنسية بين الأطفال. وذكر مسؤول حكومي كبير بأن الأدب الكلاسيكي هو خير معلم.

 

وتعارض الدولة أيضًا إعطاء الميثادون لمدمني المخدرات، والعلاجات المشوهة الأخرى مثل “ناركوليبيرال”، وفي بعض الدول يتم استعمال برامج الميثادون لمعالجة مدمني المخدرات ومراقبة المرضى المصابين بالعدوى بسبب الحقن الوريدية.

Total time: 0.0444