كثيرون من الذين رحبوا باتفاقية الهدنة الهشة في سوريا، ربما لم يلاحظوا أن كل إيجابياتها لم تخف حقيقة أنها بتكريسها استمرار النظام، صنعت على أرض الواقع دولة مقسمة المناطق نفوذاً أو أقاليم مستقلة ذاتياً ومحمية خارجياً.
الاتفاقية التي تشارك في صياغتها روسيا وإيران وتركيا، وفيها أعطت طهران لنفسها حرية التحفظ وحق “الثُلْث المُعطّل”، غابت عنها الولايات المتحدة (برضاها)، وغابت عنها دول المنطقة (بغير إرادتها).
وسواء تعطّلت الهدنة (وهو ما ترجحه وكالة بلومبيرغ) أو استمرت، فإن مختلف سيناريوهاتها المنظورة تتضمن تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ على الأرض خاضعة لكل أنواع التفاوض والمقايضة بين الأطراف الثلاثة التي اتفقت في اجتماع موسكو الشهر الماضي على ما وصفه وزير الخارجية الروسي بأنه “خريطة طريق لسوريا”.
الأقاليم التي أخذت شكلها شبه المعترف به على أرض الواقع، هي :
الرئيس بشار الأسد يحكم معظم المناطق ذات الكثافة السكانية، ولبضع سنوات مقبلة، وما لم يحدث للأسد أمر خارج الحسابات المعلنة، فإنه سيستمر في الحكم بضع سنوات يجري بعدها نقل السلطة لرئيس علوي آخر.
وخلال هذه الفترة سيبقى الشعار الدولي والإقليمي مرفوعاً لمحاربة الإرهاب، مع فرصة لروسيا بأن تقلص وجودها العسكري المكلف في سوريا.
السنّة للعرب، حسب واقع الهدنة، سيكون لهم نوع من الاستقلال الذاتي الأكثر وضوحا، والأكراد الذين يحظون بالدعم الأمريكي، خرجوا من اتفاقية الهدنة بلا شيء.
يشار إلى أن تفاصيل مراقبة الهدنة، كما نشرتها صحف تركية، تتضمن استخدام الأقمار الصناعية الروسية في المراقبة، وطائرات الاستكشاف مع قوات عسكرية متحركة.
ويشير تقرير مجلس التحرير في بلومبيرغ إلى أن هناك على المستوى السياسي الإستراتيجي ما هو أهم منها، وهناك مكاسب تحققت للأطراف الثلاثة التي رسمت الهدنة وترتيباتها كالتالي.
روسيا سيكون لها نفوذ في الشرق الأوسط، هو الأهم منذ سقوط العهد السوفييتي.
إيران يتحقق لها حلمها في الهلال الشيعي الذي يمنحها ممرا جغرافيا إلى لبنان والبحر المتوسط (عبر العراق وسوريا).
الأتراك سيحققون هدفهم بضمان استقرار حدودهم مع سوريا والعراق، وبتعطيل الترتيبات التي كانت جارية لإقامة دولة كردية.
الأسد، كما قال التقرير، سيكسب استمرارا في كرسي السلطة بضع سنوات أخرى، وربما أكثر.
سنّة العراق سيكون عليهم أن يتعايشوا مع نفوذ وتواجد إيراني قوي في بلدهم.
إسرائيل ستجد أمامها حزب الله بقوة إضافية مستجّدة.
أما الدول العربية الأخرى المعنية مباشرة بالملف السوري منذ بضع سنوات فإنها حسب تقرير بلومبيرغ ستعاني بشكل مضاعف من هذه الترتيبات التي جاءت في أعقاب صفقة “النووي الإيراني” بين طهران وواشنطن.
الولايات المتحدة، تحت إدارة ترامب، ستبذل جهداً وضغوطات خاصة، بهدف إقامة منطقة إقليم آمنة شمال سوريا، في أعقاب الانسحاب العسكري الروسي، مع الاستمرار في الضغط على تركيا لمنع أو لتقليل ضرباتها العسكرية للأكراد.
وبمجيء ترامب سيكون الوقت فات، لتعمل أمريكا أي شيء بالنسبة للاجئين السوريين أو لأوروبا القلقة أو للشرق الأوسط الذي زادت وتوسعت مشاكله وعناصر عدم استقراره.