تعز تعيش أحزانها وتنفرد برصيد استثنائي من التضحيات النسائية
بتاريخ 2011-11-13T10:51:10+0300 منذ: 13 سنوات مضت
القراءات : (2228) قراءة
اخبار الساعة - الخليج
تعيش مدينة تعز اليمنية أياماً بلون الدم، حيث تحولت إلى مدينة مغلقة على عمليات عسكرية متصلة تستهدف البشر والحجر لتتوج على طريقتها مشهد الحسم الثوري بإسقاطها المبكر لمظاهر التمثيل الحكومي وانفرادها أكثر من غيرها من المدن الأخرى بنصيب الأسد من الرصاص الحي والقذائف والصواريخ الموجهة وقوائم الشهداء والجرحى.
تبدو تعز من الداخل كساحة ممتدة لاعتصام احتجاجي هو الأكثر إثارة لغيظ وغضب النظام الحاكم وهرمه القائم والأقدر على صياغة وابتكار أنماط غير معهودة من التعبير الجماعي عن رفض الانكفاء أو التراجع قيد أنملة عن هدف إسقاط نظام الرئيس علي عبدالله صالح وقيادة اليمن إلى مرحلة مغايرة من التغيير المنشود، حتى وإن تجاوزت الكلفة قدرة المدينة وسكانها المفترضة على تحمل وابل النيران المنهمر بلا توقف من سبعة مواقع تتمركز فيها قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي.
أحمد علي عثمان المقطري، مصور فوتوغرافي، اعتاد التقاط الصور التذكارية في المناسبات العيدية لمرتادي «قلعة القاهرة»، أحد أبرز معالم «تعز» التاريخية مقابل مبالغ مالية محدودة، لكنه تخلف هذا العام مع حلول عيد الأضحى عن التوجه المبكر إلى محيط القلعة لممارسة هوايته المحببة التي تدر عليه قدراً محدوداً من المال، وقد بدا مغرقاً بحالة من الحزن الشديد بعد أن فقد كاميرته التي صادرتها دورية عسكرية بعد ساعات من الاحتجاز القسري قضاها في أحد الزنازين الحكومية التابعة لمديرية أمن تعز قبل أسابيع.
واعتبر عثمان الذي يمتلك معملاً صغيراً لتحميض الصور الفوتوغرافية بحي «باب موسي« بوسط تعز في تصريح لـ«الخليج» أن شعوره المفرط بالحزن والامتهان ليس راجعاً إلى ما تعرض له من عملية احتجاز قسري أو فقده لكاميرته التي صودرت منه، لكن لأسباب أخرى لخصها بالقول: «أكثر ما يحزنني هو أنني أشاهد يومياً قلعة القاهرة المعلم التاريخي الذي تحول إلى جزء من ذاكرتي وذاكرة كاميرتي، حيث اعتدت أن التقط فيها الصور للزوار في كل عيد ولا أستطيع الاقتراب منه، لأن هذا المعلم تحول إلى موقع عسكري تتمترس فيه مجاميع من قوات الحرس الجمهوري والقناصة، فقد انتهكت القلعة ككل شيء في تعز».
توجت تعز حضورها المهيمن على واجهة المشهد الثوري القائم في البلاد بقافلة ممتدة من الشهداء والجرحى الذين تضرجت بدمائهم معظم ساحات الاعتصام الموزعة في 18 مدينة يمنية خلال التسعة الأشهر المنصرمة، لكنها بدت خلال الثلاثة أشهر الأخيرة وكأنها تخوض وبشكل منفرد معركة الحسم الأخير في مواجهة آلة عسكرية وأمنية لم تتردد في حصد أرواح الكثير من أبنائها، لتقدم عشية اليوم الأخير من أيام عيد الأضحى المبارك 16 شهيداً وعشرات الجرحى، مجسدة حالة استثنائية من الإصرار العنيد على التمركز في المربع الأول كواجهة لثورة شبابية وشعبية انطلقت شرارتها الأولى من ساحة صافر، التي تحولت لاحقاً إلى إحدى أشهر ساحات الاعتصام الاحتجاجي المناهض للنظام الحاكم.
ويصف مهيوب عبدالسلام الزريقي، أحد الناشطين بساحة الحرية بتعز في تصريح لـ«الخليج» مفردات المشهد الثوري القائم في تعز بعد أيام ممتدة من النزيف الدامي نتيجة الاستخدام المفرط للقوة من قبل القوات الموالية للنظام والاستهداف المباشر للأحياء السكنية المكتظة بالسكان بالقول: «تعز مدينة عصية على الانكسار، فالثورة في هذه المدينة لم تعد مجرد قضية نضال سلمي تخص النخب الشبابية المعتمصة في ساحة الحرية وشارع جمال عبدالناصر، بل أصبحت، ونتيجة للعنف المتصاعد من قبل القوات الموالية للرئيس علي صالح ضد أحياء المدينة، أشبه بهاجس عام وهدف متقدم تتشارك في تصعيد الفعاليات الهادفة إلى إسقاط النظام كافة الشرائح الاجتماعية، فلم تتوحد تعز يوما على غاية محددة كما هي الآن في نضال أبنائها الجماعي لفرض الحسم الثوري».
تلعق تعز أحزانها لتستأنف بكبرياء جريح صباحات مترعة بالفعل الثوري المتصاعد ليواجه شبابها وأطفالها وأحياؤها الشعبية الضيقة والمكتظة، الرصاص الحي ومختلف أنواع القذائف بالمزيد من الإصرار على المضي قدماً في تحقيق الحسم المنشود، فيما تتقدم النساء الركب الثائر بعد سقوط خامس امرأة بأيدي قناصة صالح، لتنفرد المدينة برصيد استثنائي من التضحيات النسائية باستشهاد خمس نساء في محصلة دامية عززت الشعور العام لدي أبنائها بأن ما يعتمل في أحيائها وشوارعها من تصعيد مفتعل للعنف منذ أشهر ليس سوى معركة مصير تتوقف على نتائجها ملامح المستقبل المنظور للثورة الشبابية القائمة في مواجهة نظام سياسي عائلي مترهل غير قادر على الاستمرار.