اخبار الساعة
نشرت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" مقالا للصحافي المستشرق قسطنطين دوداريف، تناول فيه التخوف السعودي من مخططات "داعش" لجعل مكة عاصمة "الخلافة"، وموقف الرياض من لقاء أستانا.
جاء في المقال:
بعد فاصل بدا لبعض المراقبين طويلا، حددت القيادة السعودية موقفها الرسمي من الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب. وقد عبر عن هذا الموقف وزير الخارجية عادل الجبير. ووفقا للوزير، فإن المملكة "تنظر بتفاؤل" إلى الإدارة الاميركية الجديدة، و"تأمل في التعاون معها في المسائل كافة، التي تشكل اهتماما لكلا الطرفين".
الجبير أكد أن الرياض ترحب بنية ترامب استعادة دور الولايات المتحدة السابق في العالم، وأعرب عن دعم بلاده الكامل في عزمها على القضاء على تنظيم "داعش"، وأعلن عن تأييدها "المطلق" لكلام الرئيس الأمريكي المنتخب حول ضرورة "ردع" إيران.
كما أكد المسؤول السعودي أن المصالح السعودية "تتطابق مع المصالح الأمريكية في المجال الجيوسياسي بشأن سوريا، العراق، اليمن وإيران، وكذلك في قضايا الطاقة العالمية والمالية ". بيد أن الوزير اعترف بوجود خلافات بين المملكة والولايات المتحدة حول سبل تحقيق الأهداف المشتركة.
ومن الواضح أن انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة، قد وضع الرياض في موقف صعب، إذ إن السعوديين، وكذلك الأوروبيون، كانوا واثقين من فوز هيلاري كلينتون في انتخابات الرئاسة، ولم يروا أن هناك ضرورة لإخفاء موقفهم البارد تجاه منافسها. فعلى الرغم من أن الرياض لم تكن مبتهجة من تصرفات إدارة الرئيس باراك اوباما، وانتقدته على وجه الخصوص "لتعامله الناعم" مع إيران، إلا أن السعودية ثمنت عاليا دور إدارته في التعامل بصرامة مع الرئيس السوري بشار الأسد، وبالتحديد من قبل هيلاري كلينتون. وفي هذا السياق تلقى السعوديون بحذر أقوال ترامب عن أن المهمة الرئيسة للولايات المتحدة والمجتمع الدولي في سوريا يجب ألا تكون إطاحة الرئيس السوري، بل القضاء على الإرهابيين، وفي المقام الاول تنظيم "داعش".
ويبدو أن حساسية الوضع، وارتفاع "ثمن القضية" تطلَّب وقتا إضافيا من أجل تطوير موقف المملكة السعودية. وكما بدا واضحا في إطار المناقشات التي جرت، فقد تغلب أصحاب الرأي البراغماتي.
إن السعودية تولي أهمية قصوى لعلاقاتها مع الولايات المتحدة. واليوم، لأسباب كثيرة بدت هذه العلاقات ضعيفة؛ لكن هناك عوامل عديدة تدفع القيادة السعودية إلى التفاهم مع واشنطن، وفي مقدمتها تنظيم "داعش"، الذي لم يتخل عن مخططاته لجعل مكة مستقبلا عاصمة "الخلافة". وفي هذه الحالة، فإنه يشكل تهديدا وجوديا للمملكة. لهذا، ليس من الحكمة، كما يرى السعوديون، التقاعس عن المشاركة جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم "داعش".
أما في الجانب الاقتصادي، وبعد الخسائر المالية الفادحة، التي تكبدتها السعودية في فترة انخفاض أسعار النفط، فلقد برزت الحاجة إلى الإقلاع عن الاعتماد على النفط عبر تنويع الاقتصاد، والسعودية في الوقت الراهن بحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى إلى التقنيات المتطورة والاستثمارات، وفي المقام الأول الأمريكية منها.
وإضافة إلى كل ذلك، هناك حيثية أخرى، لا تملك الرياض حق التغافل عنها، والتي تتلخص بالخلاف الذي نشب في نهاية عام 2016 حول قانون "جاستا"، الذي صدق عليه الكونغرس، والذي يمنح المتضررين الأمريكيين من جراء العمل الإرهابي في 11/09 /2001 الحق في الحصول على تعويضات من الحكومة السعودية عن طريق القضاء. وقد وضع هذا الخلاف علاقة الصداقة الحميمة بين البلدين أمام أسوأ أزمة في تاريخ العلاقة بينهما.
وهكذا، لم تستطيع إدارة أوباما الحيلولة دون اتخاذ هذا القانون، والسلطات السعودية اليوم مهتمة بأن تعمل إدارة ترامب على إلغاء هذا العائق الكبير في العلاقة الثنائية ما بين البلدين.
وقد أُخذ بعين الاعتبار على الأرجح لدى صياغة الموقف السعودي، الموقف الخطابي المعادي لإيران، والذي تميز به سيد البيت الأبيض الجديد، وحظي بالرضى السعودي. وفي الوقت نفسه لفتت الانتباه الكلمات التصالحية للوزير جبير تجاه إيران، التي كانت تقليديا تُتهم "بالعدوانية والتوسع". حيث أشار الجبير إلى أن الرياض لم تتخل عن الأمل بتحسين العلاقة بين المملكة وإيران، وأكد استعداد بلاده للحوار مع طهران، وقال: "سيكون رائعا العيش في سلام ووئام مع إيران؛ لكن التانغو لا يمكن أن يرقصه إلا اثنان معا". هذه الكلمات يمكن فهمها كدعوة مبطنة إلى الرقص" – أو تلميح إلى الاستعداد للحوار مع طهران. أما فيما يتعلق باللقاء المقرر في أستانا يوم 23/01/2017 لتسوية الوضع في سوريا، فلقد اتسمت كلمات الوزير جبير بالإيجاب والحذر. وقال إن اللقاء في أستانا يهدف إلى ضمان الانتقال الى عملية السلام في سوريا. وهذه "المحاولة يجب القيام بها".
وعلى العموم، فالموقف السعودي البناء من الجهد، الذي تبذله الدول الأساسية الثلاث لتسوية الوضع في سوريا، يضاعف فرص النجاح ويفتح مجالات أوسع أمام مكافحة الإرهاب العالمي.
المصدر : وكالات