بذهنية رجل أعمال مغامر أجاز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عملية إنزال نوعية في وسط اليمين لاستهداف عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي، كان سلفه باراك أوباما رفضها أكثر من مرة. لكن تلك الخطوة تعكس بحسب مراقبين تراجعا تكتيكيا على طريقة ترامب، في مسعى لإعادة صياغة علاقة صحية بدول الخليج.
فالرئيس الأمريكي الذي ملأ الدنيا ضجيجا بعد أيام من تسلمه مهام منصبه رسميا، بقرارات تفي بوعود قطعها على نفسه خلال حملته الانتخابية يرغب كما يرى الدكتور سعيد اللاوندي، خبير العلاقات السياسية والدولية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، في تصحيح نزق خطابه السياسي تجاه دول الخليج خلال حملته الانتخابية.
ويقول اللاوندي، لـ"العين" إنه "لم يعد هناك مجالا للشك في أن ترامب ينتهج سياسة مختلفة تماما عن سلفه أوباما، وهو (ترامب) مسكون بالقلق من الإرهاب، ويرغب في أن يكون العالم مكانا أكثر أمنا، لكنه رجل أعمال أيضا.. دعنا لا ننسى هذا، وفي تقديري العملية الأخيرة في اليمن هي محاولة لتحسين العلاقة مع دول الخليج".
وأجرى الرئيس الأمريكي الليلة الماضية اتصالا هاتفيا مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بعد ساعات من العملية العسكرية في اليمن. وقالت وكالة الأنباء السعودية الرسمية إن الزعيمين أكدا "عمق ومتانة العلاقات الإستراتيجية بين البلدين".
وقال مصدر سعودي رفيع المستوى لرويترز إن الزعيمين تحدثا لأكثر من ساعة عبر الهاتف واتفقا على تعزيز مكافحة الإرهاب والتعاون العسكري وزيادة التعاون الاقتصادي.
وشنت القوات الخاصة الأمريكية غارة على مقر تنظيم القاعدة في حي يكلا بمحافظة البيضاء في اليمن. وقال مسؤول عسكري أمريكي إنها استهدفت جمع معلومات مخابراتية عن التنظيم.
وعبر الغارة الأمريكية، نجح ترامب في أن يرسل إشارات جديدة على جديته في الحرب على الإرهاب، بعد أن تعهد باقتلاعه من جذوره، لكنه أعاد التموضع فيما يتعلق بعلاقاته مع التحالف الإسلامي الذي تقوده السعودية.
ويقول بليغ المخلافي، عضو الهيئة العليا بالتكتل الوطني للإنقاذ في اليمن، إن "الغارة من الزاوية العسكرية لا تعكس جديدا في الخطاب الأمريكي المناهض للإرهاب، ربما اختلفت الوسائل فقط".
وأضاف المخلافي لـ"العين" أن الغارة الأمريكية على حي يكلا ربما أظهرت صرامة وشدة في الحرب على الإرهاب، لكي يظهر الرئيس الأمريكي في صورة من يفي بتعهداته خلال السباق الرئاسي، لا أكثر ولا أقل.
وقتلت الغارة الجوية الأمريكية عبد الرؤوف الذهب الزعيم الكبير بتنظيم القاعدة باليمن وشقيقيه سلطان الذهب وسيف الجوفي
ونفذت الولايات المتحدة عشرات من الضربات بطائرات بلا طيار خلال عهد أوباما ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، والذي يعتبر أخطر فروع التنظيم العالمي.
وهذه أول عملية برية عسكرية أمريكية في اليمن منذ أن انزلق اليمن في الحرب الأهلية قبل عامين تقريبا، وأول عملية من نوعها منذ تنصيب ترامب يوم 20 يناير/كانون الثاني الجاري.
ويشير الدكتور اللاوندي للتقارب السعودي الأمريكي وتأثيره على توازن القوة في منطقة الشرق الأوسط، ويقول إن هذا التقارب الذي بدأت بشائره بالاتصال الهاتفي بين ترامب والملك سلمان، والغارة الأمريكية في اليمن، سوف تفضي في النهاية إلى كبح جماح الدور الإيراني في المنطقة بشكل أو بآخر".
وقال البيت الأبيض في بيان له، إن ترامب والعاهل السعودي اتفقا أيضا على ضرورة التصدي "للأنشطة الإيرانية المزعزعة لاستقرار" المنطقة، وكذلك ضرورة "التطبيق الصارم" للاتفاق النووي الإيراني.
وأضاف بيان البيت الأبيض أن الزعيمين ناقشا أيضا ما وصفه بدعوة العاهل السعودي لترامب "لقيادة جهود الشرق الأوسط لهزيمة الإرهاب والمساعدة في بناء مستقبل جديد اقتصاديا واجتماعيا" للمملكة والمنطقة.
ويدعو الدكتور اللاوندي إلى ضرورة استثمار ما يمكن اعتباره تراجعا تكتيكيا لخطاب ترامب، والنظر للجانب الإيجابي من سياسات الرئيس الأمريكي المثير للجدل، لكن أصداء النزوع الشعبوي في خطاب ترامب وسياسات التمييز الديني قد تقف حجر عثرة في طريق تعزيز صورته في الشرق الأوسط.