أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

في ذكرى عيد العمال العالمي

- راسم عبيدات-القدس -فلسطين
بمرور مئة وأربعة عشر عاماً على ثورة عمال شيكاغو ضد طغم الظلم الرأسمالية الاحتكارية،لم تستطع الطبقة العاملة باتحاداتها وقياداتها النقابية وأحزابها العمالية حتى الآن،أن تحقق أهدافها في بناء مجتمعات قائمة على العدالة الاجتماعية وخالية من التناقضات والصراعات الطبقية،بل ما نشهده زيادة في تغول وتوحش رأس المال وارتفاع حدة ووتائر الصراعات والتناقضات الطبقية،كما ان الاستغلال والاضطهاد الطبقي يتسع وتزداد مداياته،والاحتكارات انتقلت من إطارها المحلي والقومي إلى الإطار فوق القومي  والعالمي،ونشهد حالة من بيع وتدمير القطاعات العامة لصالح الشركات الاحتكارية،وسن القانون والتشريعات التي تسحب وتنقض على حقوق ومنجزات حققها العمال بنضالاتهم وتضحياتهم عبر مسيرة طويلة من الكفاح والنضال عمدت بالشهداء والجرحى والمعتقلين،وبما يثبت أن الرأسمال في سبيل مصالحه وأهدافه لا يدوس فقط على حقوق العمال وكراماتهم،بل ويدوس على العمال أنفسهم ولا يقيم أي معنى أو قيمة لحياة البشر في هذا الجانب،ويجري التعامل معهم كأي شكل من أشكال البضائع.
وعند الحديث عن طبقتنا العاملة الفلسطينية ومدى ما تتعرض له من اضطهاد واستغلال قومي وطبقي وضعف الحوامل التنظيمية المعبرة والمدافعة عن حقوقها ومكتسباتها وغياب التنظيم النقابي الحقيقي والعنوان والمرجعية المنصهرة والمنخرطة مع هموم ونضالات الطبقة العاملة،وكذلك ما تعانيه من قمع واضطهاد يصل حد الإذلال وامتهان الكرامة من قبل حكومة الاحتلال،والحديث هنا ذو شجون يدمي القلب ويدمع العيون،حيث يضطر الكثير من عمالنا في سبيل لقمة العيش أن يسكتوا عن الكثير من التجاوزات والإهانات والممارسات من قمع واضطهاد واستغلال وسلب حقوق وتدني أجور،وليت الأمر يقف عند هذا الحد،بل كثير من المؤسسات المسماة وطنية تستغل حاجة العمال بعدم توفر فرص عمل لهم في السوق المحلية،وقدرتها على عمل تصاريح لهم للدخول الى القدس أو الخط الأخضر لتجبرهم على دفع رسوم خدمات ومبالغ شهرية عن التصريح المعمول،هذا التصريح لا يشكل ضمانة للعمال من أجل العمل،بل هو تصريح عبور فقط قد يوفق العامل في إيجاد عمل عليه وقد يعود بخفي حنين أو يجري اعتقاله إذا ما ضبطته أجهزة الأمن الإسرائيلية وفرق تفتيشها،والعامل الذي لا يستطيع العمل داخل الخط الأخضر بسبب إجراءات إسرائيل وممارستها،يجري استغلال حاجته للعمل أبشع استغلال في السوق المحلي حيث ضعف تطبيق القوانين والأنظمة والتشريعات الخاصة بحماية العاملين،من حيث عدد ساعات العمل وعدم وجود حد أدنى للأجور والحماية من البطالة والفقر،وإمعاناً في استغلال حاجة العمال للعمل ترى الكثير من المؤسسات،وحتى لا يترتب عليها أية التزامات لجهة حقوق العمال من عطل أسبوعية وإجازات سنوية وحوافز ومكآفأت وتقاعد وضمان صحي واجتماعي وغيرها،تلجأ الى تشغيل العمال بعقود مؤقتة أو مياومه أو العمل بالقطعة ..الخ،أما عند الحديث عن المرأة العاملة فترى اضطهادا مركباً ومضاعفاً،حيث التميز في أجور العمل وعدد ساعات العمل وطبيعة العمل والحقوق الأخرى من إجازة أمومة ورعاية الأطفال وحقها في إرضاع طفلها في الساعات الدوام وغيرها من الانتهاكات الأخرى المرعبة والمخيفة.
وعلى صعيد العمل في مؤسسات الاحتلال ومصانعه وقطاعاته المختلفة،فعدا أن الاحتلال قطع أوصال الوطن جغرافياً الى معازل وأحاطه بالمستوطنات وجدار الفصل العنصري،فالعمال من أجل ان يلتحق بموقع عمله داخل الخط الخضر أو القدس،عليه أن يخرج من ساعات الفجر الأولى،وأن يهيأ نفسه لجولات من التفتيش والإذلال على تلك الحواجز فعدا ساعات الانتظار الطويلة والمرور من بوابات الكترونية والتفتيشات اليدوية والالكترونية للجسد والأغراض،فعلى العمال أن يمر من عدة بوابات"معاطات" تشبه "معاطات" الدجاج،ودخوله ووصوله لمكان عمله رهن بمزاج الضباط المسؤول عن الحاجز،والذي قد يغلق الحاجز ويعيد العمال من حيث أتوا أو أنه إذا ما تصدى له عامل محتجاً على مثل هذا التصرف أو غيره من الممارسات غير الإنسانية واللائقة، فإنه يقوم بتمزيق تصريح العامل ومصادرته وحرمانه من الدخول إلى القدس والخط الأخضر،وكثيراً من عمالنا الذين يدخلون الى القدس والخط الأخضر بدون تصاريح عمل عدا عن تشغيلهم في ظروف وشروط عمل غاية في القسوة والاستغلال من تدني الأجرة وطول ساعات العمل والحق في الإجازة والأتعاب والعلاج الطبي والضمان الاجتماعي،فهم في الكثير من الأحيان يتعرضون الى النصب والاحتيال وعدم دفع الأجرة لهم من قبل مشغليهم الإسرائيليين الذين يهددونهم بإبلاغ أجهزة الأمن والشرطة عن أن وجودهم في العمل"غير شرعي وقانوني"،ولعل الجميع يذكر قبل فرض الحصار على قطاع غزة كيف أن أجهزة الأمن الإسرائيلية كانت تساوم عمالنا المضطرين للعمل داخل الخط الأخضر والقدس على انتمائهم ولقمة عيشهم،من خلال الضغط عليهم من أجل التعامل معهم مقابل منحهم تصاريح للعمل،وكأن عمال غزة لا يكفيهم حالة الحصار والجوع والفقر وعدم توفر فرص العمل،حتى تقدم الحكومة المقالة في سبيل مصالحها الخاصة على زيادة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية عليهم من خلال رفع أسعار السلع الأساسية وفرض المزيد من الضرائب عليهم،وهذه الحكومة تدرك جيداً أن صعوبة الواقع والظرف من حصار وبطالة وفقر دفع بالكثير من عمالنا للعمل في ظروف غاية في القسوة والصعوبة والمخاطر العالية،كما هو الحال في العمل في أنفاق الموت وما ينتج عنها من إصابات خطرة وحالات وفيات كثرة.
في ظل كل هذه الظروف نجد أن التعبيرات النقابية للعمال من اتحادات نقابية ونقابات،تنشط قبل أسبوع من عيد العمال لكي تقوم بعمل سلسلة من الأنشطة والفعاليات من مهرجانات ومسيرات وإحتفالات ولقاءات إعلامية وإصدار بيانات لكي تؤكد على دورها وحضورها،وهذه الأنشطة والاحتفالات والمهرجانات والبيانات التي تعود عليها عمالنا من مختلف الكتل النقابية بمختلف ألوان طيفها السياسي،يدركون أنها مجرد شعارات "وهوبرات" إعلامية"فيها الكثير من الوعود ويغيب عنها التنفيذ والفعل فلا انتخابات ديمقراطية وحقيقية تجري في هيئات الإتحاد ومؤسساته ونقاباته ولا وحدة تحققت على أسس ديمقراطية بين عناوينها ومرجعياتها المختلفة،ولا سنت وطبقت التشريعات والقوانين التي تحمي وتصون حقوق العامل وكرامته،فلا وجود لقانون الحد الأدنى من الأجور ولا تشريعات الصحة والسلامة الملزمة،ولا مؤسسات ومصانع توفر فرص عمل للعمال،ولا آليات وخطط تنموية حقيقية تحد من البطالة والفقر التي لا تقل عن 30 % في الضفة الغربية،ولترتفع في القطاع الى 50%.
ومن هنا نجد ضرورة التأكيد على مهمتين أساسيتين:- النضال الدؤوب والمستمر لربط دعم الاستثمار والقطاع الخاص بدعم العمل والعمال وحماية حقوقهم من خلال وضع سياسات وآليات حقيقية لمعالجة البطالة والفقر وانتهاج سياسة متوازنة في توزيع مصادر الدخل وتأسيس صندوق للحماية والتكافل الاجتماعي ووضع حد أدنى للأجور،وإنصاف للعاملين عبر تطبيق عادل ومتساو للأنظمة والقوانين.
ضرورة العمل على إعادة صياغة وبناء الحركة النقابية وفق أسس وثوابت وطنية وديمقراطية تبدأ بتأكيد الهوية الوطنية للحركة النقابية وتمسكها بأهداف وثوابت شعبنا الوطنية ودورها المتقدم في مناهضة كل أشكال التطبيع والمساهمة الفعالة في حملات مقاطعة دولة الاحتلال العنصرية وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها،مروراً بالتأكيد على بناء الاتحادات والنقابات العمالية على أسس الديمقراطية والمساءلة والمحاسبة وضمان مشاركة القواعد العمالية في إدارة وقيادة العمل النقابي بعيداً عن عقلية الاستئثار والمحاصصة والتفرد وغيرها.

Total time: 0.0685