لم تكن تعلم حسناء بأن محاولتها منع زوجها أخذ السلاح سيكلفها الثمن باهضاً والزج بها في غياهب السجن وتركها منسية خلف القضبان منذ 10 سنوات مضت ولم تدر بأي ذنب سجنت.
تقول بصوت منهك:" اتهمت زوراً بقتل زوجي، وحُكم على روحي بالإعدام، وكان الإعدام سينفذ بحقي ظلماً وعدواناً لو لا احد المحامين في النيابة الذي تبرع وقام باستئناف الحكم، وتم الحكم علي بالسجن 5 سنوات، مع الزام دفع الدية المقدرة من المحكمة بـ 5 ملايين و500 الف ريال يمني على جريمة لم اقترفها ويشهد الله على ذلك، فأنا بريئة من قتل زوجي براءة الذئب من دم يوسف".
حسناء صالح محمد المودعة في السجن المركزي بمحافظة إب منذ يناير 2007م، تؤكد أنها كانت تحب زوجها رغم انه كان متزوج من أمرأة اخرى، وهي امرأة أمية لا تقرأ ولا تكتب، لكن زوجها كان يتعاطى المشروبات الكحولية، وعاشت معه وانجبت منه بنتين وولد قبل الحادثة، وفي ليلة زواج ابنته من زوجته الأولى قرر أن يأخذ السلاح (الكلاشنكوف) للاحتفال بحفل زفافها وكان مخبأ في الدولابمخفي في الدولاب.
تسرد حسناء الحادثة :" انا خفت عليه وهو سكران ان يطلق النار ويصيب احدا من اولاده او جيرانه، إلا أنه اصر وألح على ضرورة اخذ السلاح، وقام بفتح الدولاب واخذه وذهب إلى خارج المنزل ورجع مساءً والشر بين عينية ونحن مجتمعين في المنزل مع اولاده وشقيقاته المتواجدات اثناء الحادثة".
واثناء تخويفهم بأنه سيقتل نفسه في تلك الليلة، خافت عليه زوجته حسناء ووقفت لتأخذ السلاح من يديه، واثناء العراك لأخذ السلاح سحبه بقوة من يدي زوجته حسناء ضاغطا على الزناد، واذ برصاصة طائشة تصيبه في الرأس انتقل على اثرها المستشفى دخل في غيبوبة ليلة واحدة وفارق الحياة.
وتقول حسناء لقد وجه والدي زوجها التهمة إليها بأنها القاتلة وتم استدعاءها إلى قسم الشرطة لأخذ الاقوال منها رغم رفضها بذلك، وكانت تتلقى الوعود بأنها سترجع إلى بيتها بمجرد الانتهاء من التحقيقات والتوقيع عليها، ونتيجة للحالة الفقيرة والأمية لحسناء واسرتها التي لم يقف معها احد، تم ايدعها السجن المركزي في 31 يناير 2007م، وهي حامل بالشهر الثالث، واصدار حكم بالإعدام بحقها، واستؤنف الحكم وقضى بسجنها خمس سنوات ودفع دية، كما تم أخذ ابناءها الثلاثة: نورية 10 سنوات، وغزال 9 سنوات، ومحمد اربع سنوات، ومنعهم من الزيارة او التواصل مع والدتهم في السجن حتى هذه اللحظة.
تتمنى حسناء بعد إصابتها بمرض التهاب وتضخم الكبد، أن ترى ابنتها لمياء التي وضعتها داخل السجن وصار عمرها تسع سنوات تدرس مثل بقية الفتيات، وتمارس حياتها الطبيعية خارج السجن. كما تعتب حسناء على منظمات حقوق الإنسان الغائبة في قضيتها والدولة التي تخلت عن المعسرين الفقراء، حيث يتم رفع اسمها سنوياً ضمن كشوفات المعسرين من المحافظة وعند وصوله صنعاء يتم حذفه واستبداله بآخرين، لأنها،حسب قولها، لا يوجد لديها احد يتابع عنها، فهي مقطوعة من شجرة ولم يتبق من اسرتها غير امها، كبيرة السن، التي لم تستطيع زيارتها حتى في السجن.
قصة حسناء تكرار لعشرات القصص المأساوية التي تعيشها النساء السجينات والمنسيات خلف القضبان نتيجة تخلي الأسرة والمجتمع والدولة عن السجينة، رغم وجود مظلومية لكثير من النساء.
واقع مرير لم يغيره الفيلم الوثائقي " أمينة " الذي يجسد قصة واقعية احدثت رأيا عاما محليا وعالميا، والذي انتج منه فيلم بطلته الحقيقية لسجينة "أمينة" والذي تدور احداثه حول فتاة تقبع خلف قضبان السجن منذ تسعة أعوام ومحكوم عليها بالسجن منذ تسعة أعوام، بتهمة قتل زوجها، فتحكي عن حياتها، وتذكر كيف عاشت طفولتها في الريف، تعمل في الحقل ورعي الأغنام، ثم تزوجت تحت ضغط وإكراه والدها، وكان قد حكم عليها بالإعدام لولا تدخل المنظمات الحقوقية، والمخرجة خديجة السلامي التي اخرجت الفيلم الذي شكل رأيا عام ضاغطا وتم الافراج عن أمينة.
وحسب احصائية مصلحة التأهيل والإصلاح بمحافظة إب فأن اجمالي السجينات بالإصلاحية حتى مطلع العام الجاري بلغن 18 سجينة منهن 11 سجينة بتهمة القتل، وتنوعت بقية القضايا بين شروع بالقتل، وسرقة، وأداب. و تعتبر السجينة حسناء اقدم سجينة في الاصلاحية، رغم انتهاء فترة الحكم عليها منذ خمس سنوات.
رئيس اللجنة الوطنية للمرأة بمحافظة إب خولة الشرفي أشارت الى أن السجينة حسناء امضت السنة العاشرة داخل السجن، رغم أن الحكم يقضي بسجنها خمس سنوات ودفع الدية نتيجة اتهامها بقتل زوجها خطأ، ولكن لعدم مقدرتها دفع الدية وإصرار الوالدين بالدية استمر سجنها إلى الآن ظلماً تجاوز العشر سنوات.
ولفتت إلى أن اللجنة قامت بالتواصل مع النائب العام وتمت مقابلته في عام 2011م، ووعد بأن يتم الافراج عن السجينة وادراج اسمها في كشوفات المعسرين وقضيتها محسومة، الا أن الواقع يثبت عكس ذلك ويتم اسقاط اسمها من كشوفات المعسرين كل عام، نظراً لعدم وجود من يساندها ويدعمها، فيما يتم الافراج عن سجينات وسجناء اخرين.
وقالت إن:" اللجنة قد كلفت محامين متطوعين للترافع عنها والبحث عن فاعلين خير لتبني قضيتها ودفع الدية المحكوم عليها، إيماناً بعدالة ومظلومية حسناء، ونظراً لما تعانيه من امراض جسمانية وحاجتها لتربية ابنتها خارج اسوار السجن، والتي وضعتها في السجن وتبلغ الآن عشر سنوات، ورفضت تسليمها إلى أي جهة ايواء، ونتيجة الاوضاع الراهنة التي يمر بها الوطن لم نجد أي تجاوب من المجتمع او المنظمات الحقوقية التي تدافع حقوق الانسان، لتبني قضية حسناء المنسية في إصلاحية محافظة إب منذ عشر سنوات".
واشارت الشرفي إلى أن حسناء اصبحت المرأة المثالية داخل السجن ، وتقوم بنصح وتوعية السجينات ومراجعتهن والاشراف على سلوكهن داخل السجن وتقويمهن التقويم الصحيح، ونظراً لعدم وجود احد من اسرتها او اقاربها لمتابعة ومراجعة قضيتها يتم اسقاط اسمها تعسفاً من كشف المعسرين ويتم استبداله بسجناء اخرين ويتم الافراج عنهم.
وبينت ان الاصلاحية يوجد فيها نحو 19 سجينة متهمات بقضايا قتل وشروع في قتل وأدأب، فيما يوجد نحو 40 سجينة من افريقيا دخلن للبلاد بطريقة غير شرعية، مؤكدة أن فرع اللجنة بالمحافظة يقوم بدعم ومناصرة السجينات كل اسبوع وتفقد وتوفير احتياجاتهن حسب الامكانيات المتاحة، حيث تم متابعة واخراج عشر سجينات خلال الفترة الماضية تم تزويج خمس منهن عبر اللجنة.
ودعت اللجنة الوطنية للمرأة الجهات المعنية والمختصة لتفعيل قانون الطوارئ في حالة الحروب والصراعات للإفراج عن السجناء المعسرين والذين انقضت فترة الاحكام عليهم بالسجن ولم يستطيعون الخروج بسبب عدم قدرتهم بدفع الديون او الديات التي عليهم اضافة الى ان يكونوا ملتزمين بحسن السيرة والسلوك.
والمطلوب من الدولة اليوم الدفع باتجاه تفعيل القوانين، وتحقيق العدالة، وتنفيذ الالتزامات التي تعهدت بها في الاتفاقيات الدولية خصوصاً في مجال حقوق الإنسان، والحد من العنف ضد النساء، والاسراع والبت في القضايا المرفوعة في المحاكم بقضايا النساء، وإعادة النظر في كشوفات المعسرين، وإنزال لجان تقصي الحقائق في سجون النساء في مختلف المحافظات، والتأكد من السجينات المظلومات وحث المجتمع بتغيير نظرته إلى المرأة السجينة وإدماجها في المجتمع بعد خروجها من السجن.