أخبار الساعة » فنون وثقافة » ابداعات ادبية

ندوة الحوار الثقافي/غزلٌ وشيءٌ مِن مطر/ للكاتب جودت عيد

- آمال عوّاد رضوان

 أقامَ ندوةً يومَ الخميس الموافق 2010/06/17، في صالةِ مركز التّراث عسفيا الكرمل، وسط نخبةٍ مِن الحضور المثقف، حول "غزلٌ وشيءٌ مِن مطر" للكاتب جودت عيد،فانسابَ رواءُ غزلِهِ إلى القلوبِ ألحانًا بليلةً بالمطر!

استهلّ الشّاعرُ رشدي الماضي بكلمةٍ تمهيديّةٍ مقتضبة:

في هذا الزّمن الذي أصبحتْ فيهِ الكلمةُ مستهدَفةً ومطارَدةً، ولمعرفة المبدعين بمدى ارتباطِ الكلمةِ بأعماق الإنسان، عمّقوا حوارَهم، كي يولدَ فعلاً الإنسانُ الإنسانَ الذي يحملُ صليبَهُ، ويلقيَ الآخرونَ حجارةَ الرّجم مِن أيديهم. ولأنّ جودت عيد مبدعٌ والكلمةُ أداةٌ طيّعةٌ بيدِهِ ووراءَها وطنٌ له، لذا عرفَ أنّهُ لا يستطيعُ إلاّ أن يتكلّم، فتركَ صوتَهُ ينسابُ إيقاعًا، خفقاتُهُ هادئةٌ أصيلةٌ نابضةٌ بكلِّ زخمِ الجَمالِ مِن رحم هذا الإبداع، كانتْ ولادةُ كتابِهِ مع تباشير المطر. رأيتُني أغتني مِن معينِهِ، وأجتازُ مع نورِ حروفِهِ اللّيليْن معًا، ليلَ المعنى وليلَ وطن الكلمات، حقّا أرادَ الكلمةَ وستموتُ بنفسِهِ إلى ملكوتِها. ترك تجربتَهُ الغنيّةَ المفعمةَ بالعمقِ والأصالةِ البكرِ والخاليةِ مِنَ التّرجمةِ الحَرفيّةِ للأفكار، تركَها تنبثق تعابيرَ مضيئةً تصنعُ الوعيَ البديلَ، وتُسقِطُ الحجابَ عن جوهر الوجود، كلماتُهُ ستظلُّ أيقونةً تزدانُ بها موائدُنا الثّقافيّة.

 

تحدّثَ د.فهد أبو خضرة/ تجاوز المألوفِ في "غزلٌ وشيءٌ مِن مطر":

كثيرةٌ هي المواضعُ الّتي يتجاوزُ فيها المؤلّفُ، ما هو مألوفٌ في الكتاباتِ الأدبيّةِ عندَ غير الحداثيّينَ شكلاً ومضمونًا، وتختلفُ ماهيّةُ هذا التّجاوزِ مِن موضعٍ إلى آخر، بحيث نجدُها تُشكّلُ في النّهايةِ شبكةً واسعةً مِنَ الفروع المتماثلةِ والمتباينة، وتجاوزُ المألوف هو أسلوبٌ حداثيٌّ معروف، ظهرَ في الأدبِ العربيِّ الحديثِ منذ أكثرَ مِن خمسين عامًا، ورغمَ أنّ الحداثيّينَ وما بعدَ الحداثيّينَ قد استعملوهُ في كتاباتِهم في مواضعَ عديدة، فإنّهُ لم يصبحْ مألوفًا عندَ الجمهور، وما زالَ يُثيرُ ردودَ فعلٍ مختلفةٍ تقبلُهُ وترفضُهُ، ويمكنُ للدّارس المدقّق أن يجدَ أمثلةً ليستْ قليلةً لهذا التّجاوزِ في الأدبِ العربيّ القديم، خاصّةً عند أبي تمّام والمتنبّي والمِعرّي والحريريّ ومَن نهجَ نهجَهم، إلاّ أنّهُ عندَ هؤلاء أيضًا اعتبرَ أسلوبًا غيرَ مألوف، وظلّ يُثيرُ ردودَ فعلٍ مختلفةٍ عصورًا طويلة. أقفُ عندَ نماذجَ مُحدودةٍ مِن هذا التّجاوز:
التّجاوز الشّكليّ: بالرّغم مِن أنّ المؤلّفَ قد كتبَ على غلاف الكتاب "نصوص نثريّة"، فإنّ القارئَ يتساءلُ في أكثرَ مِن موضع، هل يقرأُ شِعرًا أم نثرًا أم شعرًا منثورا؟ أقول إنّ هذه النّصوصَ لا تنحصرُ في مجالِ النّثر، والمزجُ بينَ الشّعر والنّثر في كتابٍ واحدٍ هو تجاوزٌ للمألوفِ بلا شكّ، ويكفي أن أتطرّقَ إلى ما لا جدالَ فيهِ مِنَ النّاحيةِ الشّكليّة، فشكلُ الكتابةِ في ص 6/7 مثلاً يعتمدُ السّطرَ الجاريَ حتّى تمامِهِ على طريقةِ النّثر المتعارفِ عليها، بينما في ص 8/12 يعتمدُ السّطرَ غيرَ الجاري، على طريقةِ شعر التّفعيلةِ والشّعر المنثور، وهذان الشّكلان كلاهما يتكرّران في مواضعَ عديدةٍ مِنَ الكتاب، ويلتقيان أحيانًا في نصٍّ واحدٍ، ممّا يؤكّدُ أنّ المَخرجَ المذكورَ أعلاهُ مقصودٌ ومُؤكّدٌ مرّةً بعدَ مرّة.

الجمْعُ بينَ حقولٍ دلاليّةٍ متباينةٍ تحتَ حُكمٍ واحد: وذلك بواسطةِ العطفِ نحو قوله ص 6: نمارسُ الحُبَّ فيها والشّوقَ والعطر، ونسرقُ بعضًا مِن قرنفلٍ وغزل.

العطرُ في الجملةِ الأولى يتبعُ لحقلٍ دلاليٍّ مختلفٍ تمامًا عن الحُبِّ والشّوق، ومع ذلكَ عُطِفَ عليهما، والغزلُ في الجملة الثانيةِ يتبعُ لحقلٍ دلاليٍّ مختلفٍ تمامًا عن حقلِ القرنفلِ، ومع ذلك عُطفَ عليهما. وقوله ص 13:

حبيبتي تتنفّسُ البرقوقَ وقبلاتي، فالبرقوقُ والقبلاتُ ينتميانِ لحقليْن دلاليّيْن مختلفيْن وليسَ مِنَ السّهل فهْمُ الجامع بينهما. وقوله ص 19:

أنقِذ كلماتي والبيلسان، فالكلماتُ الثّلاثُ تتبعُ لثلاثةِ حقولٍ دلاليّةٍ مختلفةٍ ومتباعدة، وهذا الأمرُ يتكرّرُ في مواضعَ كثيرة، ويُشكّلُ مَعلَمًا بارزًا مثلاً: ص 20 سطر 3/ 4/ 11 وص 29 سطر 10 وص 57 السّطريْن الأخيريْن، وهذا الجمْعُ يؤدّي إلى انقلابٍ فجائيٍّ وحادٍّ في السّياق، ممّا يشدُّ الانتباهَ ويجعلُ القارئَ يتوقّفُ لحظة ليُعيدَ القراءة ويتأكّد، وكثيرًا ما يثير الدّهشة، وإثارةُ الدّهشةِ في أدب ما بعد الحداثة أمرٌ إيجابيٌّ وهامٌّ، مِن المحتمل أن يكونَ تجاوزُ المألوفِ، بصورةٍ عامّة، محاولةً لكشفِ ما لم يُكشَفْ بعد، ولقول ما لم يُقلْ، ولتجنّبِ الاجترار، وهو توجُّهٌ إيجابيٌّ.

تجاوز المالوف بواسطة ابتكار تشبيهات خاصة:

نحو قوله ص 57: أصمت كالنبيذ. وص 42 أأنت هذيان أم حقيقة، أم أنّك عصبٌ يتنفّسُني وجنونٌ يلازمُني، وشمسٌ تشرقُ في الغرب، وسمكٌ يطير في أفقٍ أرجوانيٍّ عاشق؟ وص 13: تتردّدُ حبيبتي ومِن ثمّ ترتمي فوق ذراعي ككلمة، فتشبيه الحبيبة حين ترتمي فوق ذراعِهِ بالكلمة خاصُّ جدُّا وغيرُ مألوف، ويحتاجُ إلى تأويلٍ خاصٍّ من المتلقي. وقوله ص 59:

يهبطُ الصّمتُ فوق شعلةٍ كما النّارُ فوقَ الجليد، لعلّ في هذا التّشبيهِ نوعٌ مِنَ القلب، أي قلب الصورة، وفي هذهِ الحالةِ يكون التّجاوز مضاعَفًا.

التّجاوز باستعمال سلسلة مِن تشابهِ الأطراف:

حيث يبدأ السّطرُ الثاني بنفس الكلمة التي ينتهي بها السّطرُ السّابق، وتشابهُ الأطرافِ مستعملٌ في الشّعرِ العربيِّ القديم ومعروفٌ في البلاغةِ العربيّة، إلاّ أنّ استعمالَهُ قليلٌ جدًّا، ونادرًا ما وردَ على شكل سلسلة. في هذا الكتاب وردَ كسلسلةٍ في موضع واحدٍ فقط ص 34، إلاّ أنّه امتدّ فيها على طول سبعةِ أسطر في قوله:

الوردُ يرفعُ الشّراعَ/ والشّراعُ يبحثُ عن الرّيح/ والرّيحُ تهيمُ في عشقٍ وتيه/ والتّيهُ يرسمُ معالمَ وطن/ والوطنُ يبحث عن جسد/ والجسدُ يبحثُ عن لهفةِ الأقحوان.

وهناكَ احتمالٌ كبيرٌ أن يكونَ هذا الأسلوبُ مستمدًّا مباشرةً مِن حكاياتٍ شعبيّة ترويها الجدّاتُ للأحفاد، وفي هذا ما فيه مِن تجاوز.

تجاوز المالوف بالاغراب:

وذلك عن طريق الإحالةِ التي تنتجُ عن تعبيرٍ يتناقضُ فيهِ طرفان يتعلقان بعنصرِ الزّمن كقوله ص 42: صلاةٌ أم قصصٌ قديمةٌ مِن زمنٍ آتٍ/ فالقصصُ القديمة تتناقضُ زمنيًّا مع الزّمن الآتي، وقوله: اجتاحي كلماتي، فهي كلُّ ما أملكُ لأبايعَكِ للمرّة الألف قبلَ الميلاد، على كلّ مملكتي/ فلامُ التّعليل لأبايعَكِ التي تُعبّرُ عن غايةٍ مستقبليّة، تتناقضُ زمنيًّا مع المرّةِ الألفِ قبلَ الميلاد، والإحالةُ معروفةٌ في الشّعر العربيِّ القديم والحديث، ولكنّ الأمثلةَ عليها قليلةٌ، ممّا يجعلُها تُشكّلُ تجاوزًا للمألوفِ عامّة. أمّا الإغرابُ فهو قليلٌ في الأدبِ العربيّ القديم، كثيرٌ في الأدب العربيّ الحديث، واستعمالُهُ يُشكّلُ تجاوزًا للمألوفِ عندَ غير الحداثيّين فقط، ولا شكَّ أنّ النّماذجَ الأخرى لهذا التّجاوز هي كثيرةٌ وهامّةٌ ومثيرة، خاصّةً ما يقعُ منها في مجال الاستعارة، وهي تستحقُّ وقفةً أخرى مطوّلة.

 

د منير توما/ سيميائيّةُ الزّهر في "غزلٌ وشيءٌ مِن مطر":

أرى أنّ الكاتبَ قد صنّفَ الكتابَ أدبيًّا في إطار النّصوص النّثريّة. ومع أنّهُ يعني ما يقولُ ظاهريّا، فإنّني أفضّلُ أن أطلقَ على نوعِهِ الأدبيّ هذا اسمَ شعرٍ في حالةِ نثر، أو نثرٍ ذي لغةٍ شعريّة. وقد استرعى انتباهي في هذا الكتاب دأبُ الكاتب على كثرةِ الإتيانِ بذِكرِ الزّهور على أنواعِها وأصنافِها، مِن تلك التي نألفُها في حدائق بيوتِنا وفي البَرّ على حدٍّ سواء، وهذا الأمرُ يُلقي بظِلالِهِ على المعاني الرّومنسيّة، التي أغرقَ الكاتبُ بتناولِها في هذا الكتاب، حيثُ غلبَ عليهِ أسلوبُ الرّقّةِ والعذوبةِ والسّلاسةِ البعيدةِ عن التّعقيدِ والجُهد. إنّهُ الحديثُ الذي ينسربُ في الخاطرِ انسرابَ الضّوءِ في الخميلة، وهو أسلوبُ الموسيقا اللّفظيّةِ الداخليّة والخارجيّة اللّيّنة الجَرْس، تترقرقُ في صفاءٍ فلا تخدشُ أذنًا ولا تؤذي سمْعًا، بل إنّها تبعثُ الرّاحةَ والطّمانينةَ في النّفوس، لا سيّما وأنّ هذا الأسلوبَ فيهِ تصويرٌ وتلوينٌ يمتازُ بالنّضارةِ والحيويّة.

إنّ كثرةَ استخدام الكاتب لأنواع الزّهر المختلفة، كالزّنبق/ البنفسج/ الأقحوان/ الياسمين/ زهر اللّوز/ اللّيلك/ زهر النّعناع/ الخزامى وغيرها، يُشكّلُ احتفاءً جماليًّا تحتَ رعايةٍ تشكيليّةٍ شاملةٍ، من فضاءِ الطّبيعةِ بشعريّتِها ولونيّتِها واتّساعِها ورحابتِها وحيويّتِها وانفتاحِها واستيعابِها وخِصبِها وعطائِها، ومرونتها في التّحريض والإلهامِ، وتموين الفِكرِ والخيالِ والرّؤيا بمزيدٍ مِنَ الخصبِ والتّجلّي والكثافة، إذ إنّ استخدامَ الزّهر بشتّى إيحاءاتِهِ في النّصّ الشّعريّ أو النّثريّ، ليسَ عمليّةً اعتباطيّةً محضًا، بقدْرِ ما هي تخضعُ لقوانين علاميّةٍ شاملةٍ وثابتة، تجعلُ ذلكَ الاستخدامَ ذا طبيعةٍ هارمونيّةٍ متتابعةٍ ومتناغمة.

إنّ الفاعليّةَ السّيميائيّةَ للخطابِ الشّعريّ أو النّثريّ الزّهريّ، بلونيّتِهِ وعطريّتِهِ وجماليّتِهِ، تنتجُ لعبةً علاميّةً تتّصلُ اتّصالاً وثيقًا بلعبةِ المعنى الشّعريّ النّثريّ في مفهومِها النّوعيّ، وحينَ تتحدّدُ وفقَ حساسيّةِ صورةِ الخطابِ ومضمونِهِ التّشكيليّ، بقيمةِ الجماليّةِ اللّونيّةِ والعطريّة وقوّةِ حضورِها وغزارتِها، بوصْفِها الخطابَ المُتجلّي والمَرصود، فإنّ لعبةَ المعنى بأفقِها العلاميِّ تنتهي إلى فعاليّةٍ فنّيّةٍ وجماليّة، يتداخلُ فيها البُعدُ الجماليُّ بالبعدِ السّيميائيّ، على نحوٍ نلمسُهُ ص 17:

رأيتُ نيسانَ يُعربشُ فوقَ جسدِ الزّنبق، ييتدلّى عندَ الأدراج الصّغيرة، حيث تدحرجْنا ولم نصدّقْ فوقَ زهر البنفسج، وجمعتنا حينَها خيوطُ الياسمين قربَ بوّابةِ الشّمس، وكذبْنا على النّهار وعلى كلِّ النّاس، وسرقْنا ساعةً لنا حتّى اكتشفْنا فيها معابرَ الأقحوان، وأعشاشَ العصافير وساحات العشق السّرّيّة، وحاورْنا الذّاتَ بالممنوعاتِ والمقبولات.

في هذهِ الصّورة القلميّةِ نجد قطعةً تتمظهرُ فيها فسيفساء الأزهار، فوقَ سجّادةٍ منسوجةٍ مِن جماليّاتِ الطّبيعة، ذات مشاهد رومانسيّةٍ دافئةٍ راقيةٍ بعيدةٍ عن أيّ ابتذال، ويبلغ الكاتبُ الذّروةَ في تكثيفِ البُعدِ الجماليِّ للزّهر، في النّصّ الشّعريّ الطليق ص33:

نحوَ زهر اللّوز قربَ أفقِ نهدَيْكِ يبدأ الفراشُ رحلةَ النّهار، نصعدُ أدراجَ اللّيلكِ إلى حلمٍ آتٍ، نلبسُ زهرَ النّعناع، نحترقُ مع عطرِ الصّنوبر، والجسدُ يبحثُ عن لهفةِ الأقحوان.

وهنا يتّضحُ لنا أنّ حساسيّةَ التّعبيرِ النّثريّ بلغةِ الشّع،ر وهي تستخدمُ آلة الإيحاءِ المركّزةِ أو الكثيفة للوصول إلى روح المعنى، وإدراكِ فِقهِهِ في الجوهرِ النّصّيّ، تحتاجُ إلى فهْمِ موْقع النّصّ ثقافيًّا واجتماعيًّا، وإدراكِ حدودِهِ مِنَ العالم الذي يُمثّلُه، فالشّعرُ خاصّةً والنّثرُ عامّة، ينهضُ أساسًا على فضاءِ الإيحاءِ والتّأمّلِ والرّمز والمجاز ومفهوم الانزياح، ويتفاعلُ مع الدّوال والجُملِ والعباراتِ والصّيَغ، التي تشتغلُ ضمنَ هذا الإطار وتنفتحُ على هذا الأفق، لذا فإنّ طبيعةَ وحساسيّةَ القِيَم الزّهريّةِ اللّونيّةِ والعطريّةِ غيرِ المباشرة، تخضعُ أكثرَ لروحِ النّصّ ولكوْنِهِ الدّلاليّ، ويأخذ تفسيرُ هذه القيم الزّهريّةِ شكلاً شعريًّا نابعًا مِن فضاءِ النّصّ الشّعريّ وحالِهِ الشّعريّةِ الخاصّة. في ص 44 مقطوعة امرأةٌ بنفسجيّة:

عندما يأتي المساءُ، تبدأ الحكايةُ وتنتهي الحكاية، ونمارسُ الكلامَ لنهربَ مِنَ الغرام، نحن أبناءُ الدّنيا والدّنيا تُنكرُنا، ويذهبُ القرنفلُ ليُمارسَ عِشقَهُ عندَ عرائس الياسمين، وعندما يأتي المساءُ، أرسلُ لكِ أغنياتي ليسَ في رسالةٍ إلكترونيّة، إنّما في طبقِ أزهار الخزامى مِن بستانِنا السّرّيّ وشمسِنا السّرّيّة، لأكونَ معكِ لساعاتٍ فوق ساعاتٍ فوق ساعات.

الزّهرُ هنا بقوّةِ رمزيّتِهِ وكثافةِ طاقتِهِ السّيميائيّةِ وحضورِهِ العميق، لا يكتفي بخلق تكوّناتٍ شعريّةٍ داخلَ النّصوص بقيَمهِ المباشرة، إنّما يقدّمُ بقيَمِهِ غير المباشرة تشكيلاتٍ لا متناهية، ترفدُ شعريّةَ النّصّ بآفاقٍ فنّيّةٍ عميقةٍ وجوهريّةٍ وغير محدّدة، ذلك أنّ التّشكيلَ الزّهريّ كالياسمين والقرنفل والخزامى هنا داخل فضاءِ النّصّ بلغةِ الشّعر، هو الذي يُسهمُ في بناءِ فعلِهِ وتشغيلِهِ في السّياق، لأنّ صفاتِ الزّهر بألوانِهِ وظِلالِهِ وطاقتِهِ الاعتباريّةِ الأخرى، هي الأكثرُ إغراءً على المستوياتِ اللّغويّةِ والدّلاليّةِ والرّمزيّةِ، للحفْرِ داخلَ المشهدِ الشّعريِّ وتشغيلِ منظوماتِهِ بصورةٍ أكثرَ حرّيّةً وانطلاقًا، وبما يعزّزُ لعبةَ المعنى، ويُضاعفُ مِن قيمتِها السّيميائيّة في مفاصل النّصّ وطبقاتِهِ.

يتشكّلُ الزّهرُ بوصْفِهِ نسَقًا إبداعيًّا ذا طبقةٍ أدائيّةٍ عالية، ينهضُ بمهمّةِ أداءِ رسالةٍ تعبيريّةٍ علاميّةٍ في منطقةِ القراءةِ، وفي النّص "لمَ عذرا" ص 54 يتجسّدُ هذا المعنى:

يا المستحيلة/ يا التي رسمتْ زهرَ الياسمين فوق جداراتِ كآبتي/ وزيّنتْ أزقّةَ ذاكرتي المكفهرّةِ بفرح النّرجس/ وأقامتْ في دروبي احتفالاتِ التّفّاحِ والنّبيذ/ وثملتْ مع عطرِ أحلامي.

في هذه الصّورةِ الزّهريّةِ الإيقاعيّةِ المركّزةِ والمفتوحةِ على تشغيلِ العين السّينمائيّةِ للرّاوي، بلغةٍ شعريّةٍ يُحوّلُها إلى لوحةٍ ترسمُ صورةَ هذه الطّبيعةِ المستعادةِ المنتقاةِ بعين الرّاوي، وهو يستعيدُ صوتَ ولونَ الطبيعةِ من ذاكرةِ حياتِهِ وماضيه، كذلك فإنّ منطقةَ الإشعاع التّصويريّ تتموقعُ في الحالِ الشّعريّةِ الأليمة، التي يقفُ فيها الرّاوي مشرفًا على فضاءِ الصّورةِ الاستذكاريّة، وتتمثّلُ في الإيحاءاتِ المكثّفةِ للكلماتِ الأنويّة/ كآبتي/ ذاتي المكفهرّة، إذ تمثّلُ عتبةً تعودُ فيها مشاعرُ العاطفةِ والوجدانِ إلى الذاكرة، لتستجلبَ الصّورةَ بشبكةِ أزهارِها وإيقاعِها وألوانِها.

هكذا نرى أنّ الكاتبَ جودت عيد قد عمِدَ في كتابِهِ لالتقاطِ المعاني وابتكارِ الصّور، باستخدامِهِ لإيحاءاتِ الزّهرِ في الكثير مِن مواضع الكتاب، مُجسِّدًا الطّاقةَ السّيميائيّةَ للزّهور بألوانِها وعطرِها وجمالِها وتداعياتِها الإنسانيّة، فتسلسلتْ عباراتُهُ وكلماتُهُ في هذه النّصوصِ التي كتبَها مِن روحِهِ وقلمِهِ عذبةً رقيقةً ليّنةً ناعمة، فكانَ شاعريًّا رومنسيًّا تصويريًّا وتأمّليًّا، في ما وردَ مِن نصوصٍ جديرةٍ بالقراءةِ والاهتمام والتّقدير.  

 

حنّا جبران/ قراءةٌ في قاموسِ مفرداتٍ ومعان.

الحقائق الجافة:

يحتوي الكتابُ على 71 نصًّا نثريًّا، لتذوّقِ قاموسِ مفرداتِهِ على سبيل المثالِ لا الحصر، وبالتّرتيب التّنازليّ، وردتِ المفرداتُ التالية: اللّيل 46 مرة، العشق 44، الشّارع أو الدّرب أو الطّريق 39، الحلم 38، الجسد 37، القبل34، الصمت33، الشّوق31، العيون27، المحطة21، الشّفتين20، الرّقص19، المرأة أو السّيّدة أو الأنثى17، النّهد16، سيّدتي "بصيغة الخطاب" 15، الوطن15، السفر13، القهوة12، القطار11، الشبق10، والدّخان10.

 

وإذا رغِبنا بتقسيم المفرداتِ إلى مجموعاتٍ، فهناك استعمالاتٌ تختصُّ بالطّبيعة، تتراوحُ ما بين القليلِ وشائعِ الاستعمال: فهناك الحاكورة، الحقول، الشّاطئ، الجدول والنّهر، تتناغمُ في استعمالاتِها ما بينَ الحقيقيِّ والمجازيّ، فالحاكورةُ قد تكونُ حاكورةَ القلب ص110، وشاطئُ البحر يصبح شاطئَ رُمّان ص20، ويظهر الانهماكُ في الطّبيعة ورموزِها في استعمالاتِها العديدةِ من مفرداتٍ كالمطرِ34 مرة، الشّمسِ27، البحرِ24، القمرِ20، الضّوءِ17، الأفقِ10، وتتعدّى إشاراتُ الطّبيعة150 إشارةً.

الحقائق الرّطبة:

الطقس: ولكن هذه الطبيعةَ متقلبةُ الِحِّسّ، فمعَ بُزوغِ شمسٍ دافئةٍ تتبع ليلةَ سَمَرٍ ومُناجاةٍ أجسادٌ مستلقيةٌ على شاطئِ الحُبّ، تثورُ فجأةً في هوريكان من الهَرجِ والمَرج، لتُظهِرَ أنّ ذلك الهدوءَ هو مِنَ النّوع الذي يتبَعُ العاصِفةَ ولا يَسبقُها، فهناكَ إعصارٌ مِن الشّهوات والأقحوان والعطر الْجامح... والبحرُ عاصفٌ، وهناك زوبعةٌ خارجَ الفِنجانِ كذلكَ، وعواصفُ ودوّامةُ غبارٍ وعواصفُ الزّمهرير، وعواصفُ العاشق وأحيانًا عاصفةُ الياسمين، فحتى الياسمينُ عاصفٌ! العواصفُ تثورُ وتثير، فتحبلُ السّماءُ والغيومُ بالطّوفان؛ طوفانٌ مِن القُبَل في الأعالي، وطوفانٌ مِنَ العطرِ والرّحيقِ على الأرض.

الأزهار والنّباتاتُ والأشجار:

تنتشرُ الطّبيعةُ لتشملَ السّماءَ والنّجومَ والفلكَ والشَّمسَ والقمرَ واللّيلَ والنّهارَ، ثمّ تتمحورُ في ضرباتِ فِرشاةِ عِشقٍ ترسمُ الحُقولَ وردًا وأشجارًا وفاكهةً مقدّسة. فهناك الأرجوانُ والسّوسنُ والبرقوقُ الّذي يُمتصّ، والحبقُ والفُلُّ والخُزامى، هناك حقولٌ مِنَ الأقحوان وآفاقٌ مليئةٌ بالياسمين، وهناك النّرجِسُ والزّنبقُ الذي يُزرع على تُرابِ جسدٍ متشقِّقٍ عَطَشًا لقطرةِ ندًى أو لفيضانِ طوفان، هناك البنفسجُ والرّيحانُ والقرنفلُ والحصى بان، وهناك نباتاتُ حواكيرنا وأشجارُ أرضِ وطنِنا، هناك النَّعناعُ والزيتونُ والرُمّان. هناكَ الوردُ والنّخيلُ وأزهارُ اللّوزِ والصّبّارُ، وهناك الصَّنوبرُ والفطرُ البّريُّ والغارُ. حاكورةٌ عملاقةٌ، مخزنُ ذاكرةٍ لأنواعِ حياةٍ بريّةٍ تُبلّلُ الغُربةَ وظمأَ عاشقٍ وكلماتِ ديوان. وهنا أيضًا زادَ عددُ الإشارات عن 150 إشارةً.

الطّيور والحشرات:

لا تُختزلُ الطّبيعةُ بالورودِ والأزهارِ والأشجارِ والنّباتاتِ، فهناك طيورٌ وحشراتٌ تعلو وتزحفُ، فالفراشاتُ تطيرُ في اثنتيْ عشرةَ إشارةً، والعصافيرُ في ستّ، وإليها تنضمُّ الطّيورُ والصّقرُ والسّنونو والبلابلُ والباشقُ والنَورسُ والنّسُر، فمنها ما يطيرُ حُبًّا، ومنها ما يفترسُ عِشقا. وعلى الأرضِ يحبو النّملُ وتركُضُ الصّراصيرُ، ويتسابقُ الحلزونُ ببطءٍ سرمديٍّ.

الزّمان:

أمّا زمانُ العِشق فهو اللّيلُ والكثيرُ مِنه، فالسَّهَرُ يكونُ حتّى مشارفِ الفجْر ص 5، وممارسةُ الحُبّ حتّى شروقِ الشَّمسِ ص33، والجلوسُ والنّومُ حتّى الصّباحِ ص70/76. يقفزُ الزّمانُ ضوئيًّا فيمتدُّ، لتصبحَ العلاقةُ علاقةً سرمديّةً ص42، لكنَّ الهامَّ جدًّا، أنَّ ما يحدثُ، يحدثُ في العَتمةِ.

العَتمة:

العَتمةُ بالرَّغمِ مِن عَتمَتِها، هي ثوبُ إخفاءٍ واختفاءٍ عن أعينِ المتطفّلين وأصحابِ الشَّأن وغيرِ الفاهِمين، فنحنُ نسخَرُ من العَتمة ص6، ونتيهُ مثلَها ص12، ونشعرُ ببردِهاص 1/74، وصمتِهاص 13، وصَخبِها ص82، والعتمةُ فاردةٌ ثوبَها بإحكام، فالكونُ معتم ص31، وأروقةُ الشّتاءِ معتمةٌ ص67، والغُرفُ معتمةٌ ص7، والبيوتُ سابحةٌ في العَتمة ص82، ووسطَ كلِّ ذلك تقومُ القيامةُ، ثمّ يلملمُ شخصٌ ملابِسَهُ في العَتمةِ ص81، ويرحَل.

الرّحيلُ ووسائلُ التّنقّل:

الرّحيلُ أنواعٌ ووسائِلُهُ عديدةٌ، كلُّها تقرّبُ وَلِهًا من وَلِهٍ، أو تُبعدُ عاشِقًا عن قَلبٍ، والتّنقلُ يكونُ على أجنحةِ الفَراشِ ص 7/30، أو على أطرافِ القمرِ ص85، أو ببساطةٍ بِضَمّةٍ يتلوها ارتفاعٌ ص88، أو ربّما يكونُ على البَرقِ ص69، أو بينَ طيّاتِ السَّحَاب ص63، ولكنَّ رومانسيةَ التنقُّلِ الْجَويِّ تقلُّ كلما اقتربنا من التُّرابِ والماءِ، فنعودُ لاستعمالِ السَيّارةِ ص 25/51/91/101، أو القِطارِ ص8، أو رُكوبِ البحرِ ص13، والسُّفُنِ ص35/60/81، أو نشرِ الأشرعةِ ص30، والإبحارِ في قاربٍ صغير ص20.

المدينة:

حتى المدينةُ، لِمن لا يرحلُ، مليئةٌ ببوّاباتِ التنقلِ التي تدعو المسافرينَ لِعيشِ حُرقَةِ وَدَاعٍ، أو فرحةِ لقاءٍ لا يَدوم. ففي المدينةِ محطَّةٌ ص8، محطّةُ قِطارٍ ص21/69، ومعبرٌ ص75، ومرفأٌ ص 34/46/60/82/90، وميناءٌ ص35/81/94 ومطارٌ. والمدينةُ عاديّةٌ فيها المقاهي ص 7/11/25/60/92/104، وجدارُ دَيرٍ ص15، فيها الْجُسورُ ص44، وخزّانُ المدينةِ ص52، وفيها سورٌ ص24، وشوارعُ ص51، ورُدهةُ فندقٍ ص76، ورصيفُ ميناء ص66، تبحرُ منه سفنٌ لتصلَ مرافئَ الفرحِ ص 54، أو مرفأَ نهديْنِ ص83، فالمدينةُ صاخبةٌ، حزينةٌ واسعةٌ ضيّقةٌ، نُقطةُ لِقاءٍ وَوَداعٍ، مكانُ قُبلةٍ تعتصرُ ذكرياتِ ماضٍ قريبٍ لتحلّيَ ألمًا ينتظرُ وصولَ قطارِ الفِراق.

التمرّد:

ولأنّ هناك فُراقًا، ولأنّ هناكَ وَدَاعًا، هناك تمرّدٌ. فمن يعيشُ في مُدُنِ التّشرّدِ لا بُدَّ وأن يحيا التّمرّدَ، فهناك ممنوعاتٌ ومفروضاتٌ ومرفوضاتٌ ص6، والممنوعاتُ تتنفّسُ من عُمقِ غياهِبِها ص7، وتهيمُ في أروقَتِها ص61، أمّا العاشق فيتحدّى، إذ تسكنُ في ذاته عواصفُ الغَضَب ص17،  فيقوم بأعمالِ الشَّغَب ص55، وتتمرَّدُ أوراقُهُ ص63، فيغالطُ مفاهيمَ الحِصار ص20، ويكذِبُ على النّهارِ وعلى كلِّ النّاسِ ص17، ويعاندُ العِنادَ وكلَّ قوانينِ المستحيلِ ص20، ويفلتُ من قوانينِ العتمةِ ص29، ويحاورُ الذّاتَ بالممنوعاتِ ص17، ويدخّنُ الممنوعَ ص114، ويمشي في دربِ الثُوّار ص39، ويبحثُ عن حبٍّ فيه خلاصٌ متمرّدٍ ص78، وعن حبيبةٍ تكسرُ حدودَ المقبولِ والممنوعاتِ ص38، فيُمنَعُ من الدّخولِ ص83، وأخيرًا يعتزلُ القانونَ والمقبولَ ص86، وفي زمنِ التّمرّدِ والثّورةِ تثورُ الغرائزُ، ويُبركنُ الحُبُّ فينفجر...

العشق والجنس:

وفي زمن الإنفجارات، حيث يُخرجُ الجليدُ حِمَمًا في بلادِ الْجَليد، يتحوّلُ الحُبُّ إلى عِشقٍ، والغزلُ إلى جِنس صارخٍ، فهناك شغفٌ 5ص وشَبَقٌ ص7 وهَوَسٌ ص7، ونَزَقٌ ممتدٌ حتى آخرِ الزّمانِ ص19، بطاقةٍ متجدّدةٍ سرمديّة، هناك تعبٌ ص7، وهناك زوبعةٌ ص7، ليست في فِنجان، هناك اجتياحٌ ص13 ومناطقُ محتلّةٌ شهيّةٌ ص13، وحربُ العِشقِ تؤدّي إلى تغييرٍ في الصِّفاتِ الفيزيائيّةِ،  فيحدثُ اشتعالٌ في بحرِ الشّوقِ ص13 أو غرقٌ في غابةِ الصّنوبر ص13. ومع سماءٍ حُبلى بمثلِ هذهِ الغيومِ ينهمرُ العاشقُ شَوقًا ونَزَقًا وشَبَقًا ص100، وتقومُ الدّنيا ولا تقعُدُ، فإنْ رمَقَتهُ بنظرةٍ شَهوانيّةٍ ص76، استحوذَ الشّوقُ على كلِّ شرايينِهِ ص30، فدعاها للمشاركةِ في مَهرجاناتِ الشَّغفِ ص54، ولتأكيدِ المُشاركةِ كسَرَ جُموحَهَا ص17 وتلاشى في أوقيانوسِ شهواتِهِ ص45، فقبّلها بخِصبٍ ص88، وأحرَقَ شفتيْها باللَّهيبِ ص51، فانصَهَرَ في جَسَدِها الغَضِّ ص35، وانفجرَ في بركانٍ تَقاذفَ حِممَ العسلِ واللّهيبِ، فاختلط بركانُهُ بنارِها واجتاحَ بساتينَها، فقامتْ هي بحرقِ أشجارِهِ ص76، فاحتفلَ في مَهرجانِ زفيرِها ص79،  وما هدأتِ العاصفةُ إلاّ عندما فاضَ حبرُهُ حولَ عناقيدِ الِعنبِ ص29، فجعلها امرأة بخصوبةِ حِبرِهِ، ثم ألبَسَها حُلَّةً من أوراقِهِ ص79.

الأوراق:

أوراقُهُ بيضاءُ ص6، أحيانا كاملةٌ وأخرى  قُصاصاتُ وَرَقٍ ص47، لكنّها موجودةٌ أبدًا يَخُطُّ عليها خربشاتِهِ ص78، ويملأ صفحاتِ الشّوقِ البيضاءَ ص7، بشوقٍ أبيضَ ص31، ولكنَّ مَسْكَ دفاترِ العِشقِ ص86، ليس بالعمليّةِ السّهلةِ، فالأوراقُ تتمرّدُ ص63، وهو لا يمكنُهُ السّماحُ لتمرُّدِها أن يصبحَ ثورةً، فهناك أوراقٌ ممنوعةٌ ص69 لا يرغبُ بنشرِها، ولكنّهُ بحاجةٍ أن يفتحَ دفترَهُ، كيلا يصبحَ قدِيمًا فتصفرَّ أوراقُهُ ص30، فينتظرُ المناسبةَ الملائمةَ فيجدّدُ أوراقَه ص30، وإن طالَ الانتظارُ وشعرَ بفراغِ العِشقِ ارتمى فوقَ طاولتِهِ، وغاصَ بين أوراقِهِ وهَذيَانِهِ ص98، فتأخذُهُ ذِكرى رائحةِ أوراقِهِ، وقهوتُهُ الأبديّةُ في جَولةٍ بينَ عِطريّاتِ محبوباتِهِ.

العطر:

ويسيرُ العاشقُ في دروبِ العِطر، يبحث عن عِطرِ محبوبتِهِ ص74، فيشتمُّهُ ويلاحِقُهُ ص20، فتختلطُ عليه العطورُ، وتعملُ حاسَّةُ شمِّهِ على كتلجَةِ أنواعِها، فهناكَ عِطرُ الشّوقِ ص17، وعطرُ نيسانَ ص5، وعطرُ الزَّهرِ ص19، والبنفسجِ ص65، واللّفندرَ ص37، والقرنفلِ ص75، وطبعًا عِطرُ الياسمينِ ص87، وتفيضُ العطورُ على التّلالِ ص88، والأرضِ ص110، فتتعطّرُ هي كذلك وتختلطُ مع باقي العُطورِ، لتكوّنَ الوصفةَ السّرّيَّةَ لعِطر أحلامِهِ ص54. ولكنَّ العاشقَ يصبحُ أسيَر ذلك العِطر، ويصبحُ العطرُ امرأةً واعيةً لسِحِرها تأمرُ وتَنهَى، فتمُرُّ من أمامِهِ وتفرضُ نفْسَهَا ص16، وتدعوُه ليلحقَ بِها ص76، وتأسِرُهُ بعِطِرها الأخَّاذِ ص50، وتُثمِلُهُ بِهِ ص49 فيستجيبُ، ويمارسُ العِطرَ مَعَها ص9، فتتحكمُ في تدفّقِها، وتهطلُ عليه عِطرا ص40، ويشتدُ العطرُ ويصبحُ إعصارَ عِطرٍ جامحٍ كالمرأةِ، ويتحوّلُ إلى طوفان ص14، فيمرُّ ليلٌ ويمرُ نهارٌ، وتشرقُ شمسٌ ما بعدَ العاصفةِ العطريّةِ، ويستفيقُ العاشقُ على آثارِ عِطرٍ بربريٍّ يتحوّلُ إلى عطرٍ صَنوبريّ ص95، ويُعاودُ آثارَ حُلْمٍ التَحَفَ فيهِ عِطرَها الأبديَّ ص74، لكنَّ المحبوبةَ رحلَت، لمْلمتْ عِطرَها ص54، وتركتهُ وسافرَتْ ص9، فقامَ كالمجنون يسيرُ فوقَ مساراتِ العِطر ص106، يبحثُ عن ممَّراتٍ مَرَّ فيها عِطرُها ص47، فلا يجدُ سِوى بقاياهُ تتطايرُ في زوايا النِّسيانِ، فيُلملمُ عِطرَها ص98، ويعيشُ في زمنِ القِلّةِ على ما تبقّى من عِطرِها ص115، فيفقدُ المُعنى ويصبحُ العالمُ كما الزَّهرِ بدونِ عِطرٍ ص98، ويطلبُ من تلاميذِهِ أن يذهَبوا ويبحَثوا عن العِطرِ المقدَّسِ ص88، وأن يتركُوا قَطراتٍ منه حيثُ يحلّونَ ص119، لعلَّ هذهِ الأجزاءَ تتجمّعُ لتصبحَ كلَّ العِطر ص119 ، فيفوحُ ص94، وتفيضُ الأرضُ عِطرًا من جَديد.

القوارير:

ومع أنّ العِطرَ عادةً يسكُنُ القواريرَ، إلاّ أنَّ قواريرَ الكِتابِ ليستْ قواريرَ عِطر، فهناك قارورةُ الزّمن ص13، وقارورة ُالأفكار ص74، وقارورةُ الحِبر والخمرِ والاشتياقِ ص74، وهناك أيضًا قاروراتُ الذاتِ ص16، والقرنفلِ ص99، والبستانِ ص114، وطبعًا قاروراتُ الشّرابِ ص52 العاديّةُ. لكنّ أكبرَ القاروراتِ حَجمًا وأكثرَها سِعَةً هي قاروراتُ الذّات، فصاحبُ تلكَ الذّاتِ ذو تاريخٍ يحتوي على فصولٍ من قِصصِ الأبطالِ في فُتوحاتِ العِشق ص5، وذاتُهُ مَعبدٌ يدعو إليه محبوبتَهُ لتصليَّ معهُ مِن دونِ تردد، وتستنشقُهُ عِشقًا جديدًا ص78، ويدعُوها أن تصنعَ منه هيكلاً ص28، فبذاتِهِ تعيشُ لذّاتُهُ ص13، وهو إن أحَبَّ فَعَل ذلكَ بكلِّ أُلوهيّة ص87، ومملكتُهُ هي أرضُ الخِصبِ، وهو على استعدادٍ أن يشاركَ محبوبتَهُ دِفئَها وخِصبَهُ ص87، فطقوسُهُ وممارساتُهُ هي ممارسةُ الخِصبِ ص98، لا بلْ أنّه يُصبحُ الخصبَ بأكمِلِه ص100، وحتّى إن غابَ فترة، فهو يعلنُ مجيئَه الثّاني، ويَعِدُ أنَّه سيعودُ بكلِّ خِصْبِهِ ص101، فلا عجبَ إن اشتهتْهُ حبيبتُهُ ص13، إن سكنَتهُ بحرًا أو زرعتهُ زنبقًا أو تكلّلتْ بعِطرِهِ ص32، فهو إلهُ العِطر، وعندما يمارسُ ذاتَهُ، يجتاحُهُ عَبَقُ البرتقال ِص71، وتفوحُ من قاروراتِ ذاتِهِ رائحةُ عِطرٍ نرجسيّةٌ.

الدّيانةُ المسيحيّة:

يتجوّل العاشقُ بين ماديّةِ الدُنيا وكلماتِ دفاترِهِ ومعابدِهِ ودياناتِهِ، فيخلِطُ بينها، ويتحدّثُ عن عشقِهِ بلغةِ الأنبياءِ والدّياناتِ السّماويّةِ والوثنيّةِ، وإن لم تنفعْ، فبِلغةِ الإلحادِ، فجميعُها تصلُحُ للعِشق والتّمرّدِ والثّورةِ، وجميعُها تنتظرُ أن ترتويَ بشيءٍ مِن مَطر. فها هو يدعو محبوبتَهُ أن تكسِرَ خُبزَ الأحلام ص69، كما فعلَ المسيحُ في عَشائِهِ الأخيرِ، فهو يجوعُ لخُبزِها ويعطشُ لنبيذِها الأزليّ ص79، وأن تُرجِعَهُ بمهرجانِ النّخيلِ ص28، كما دخلَ إلى القُدس والجموعُ تستقبله بسُعفِ النّخيلِ، وهو قريبًا سيسيرُ على دربِ آلامِهِ في فياديلاروزا ص80، ولكنّهُ يبقى دائمًا مؤمنًا في تعاليمِهِ وعِظاتِهِ وطوباويّاتِهِ ص120، وفي بدايةِ طريقِهِ عندما أُعلنَ عن قُرب مجيئِهِ، وصرخَ صوتٌ في البرّيّة يُعِدُّ الطّريقَ للرّبّ ص120، وكانت البشارةُ بفرحِها الملوّنِ ص54، وكان الحَمْلُ الّذي ظلّلتْهُ روحُ الرّبّ، فانتفضَ الجَنينُ في أحشاءِ المحبوبة ص41، وكان الميلادُ وحُبُّ الرّعاةِ وهدايا المجوسِ ص121، وغُرست شجرةُ الميلاد، ومورستْ تحتها طقوسُ الحُبّ ص54، فالحدثُ عظيمٌ، والعاشقُ هو الإنسانُ ص109، ابنُ الإنسان، كلُّ الإنسان.

الدّيانة اليهوديّة:

وقد كانتْ هناك بدايةٌ للحياةِ سبقَته، وكان هناكَ البدءُ ص121، وآدمُ وحواءُ ص23، ونبيٌّ أمضى ثلاثةَ أيامٍ في بَطنٍ حُوت ص37، وآخرُ نَفسَ المُدّة في قبرٍ فَرَغَ.

الوثنيّة:

وإن لم تفهمِ المحبوبةُ لغةَ الدّياناتِ السّماويّةِ، فهناك خطاباتٌ تتعدّى تصنيفَ الدّياناتِ كسماويّةٍ وأرضيّةٍ ووثنيّةٍ، فأخذ يتحدّثُ عن المكانِ والزّمانِ الذي وُلدتْ فيه الآلهةُ في بطنِ النّجومِ السّابحةِ ص42، وعن آلهةِ الْجَمالِ التي بقيت على جَمالِها، مع تغيّرِ أسمائِها بين أفروديتَ وفينوسَ ص71، وعن عبادةِ آلهةِ الوصل ص71 التي تعيشُ في معبدِ البخورِ والصّنوبرِ ص107، ويخدمُها خُدّامُ الرّبِّ في هيكلِ الشّمسِ والقمرِ ص120، فالعاشقُ نفسُهُ بَخورٌ يعيشُ في معبدِ العِشقِ ص45، وتقامُ له طقوسٌ نرجسيّةُ التّرانيم.

الإلحاد:

وإن لم تُجدِ النّداءاتُ، فالمعبودُ جاهزٌ أن يتخلّى عن أُلوهيّتِهِ ليصبحَ إلهَ الإلحادِ، فيعبُدُ ويصلّي للمحبوبة، ويدعُوها أن تكونَ الصّلاةَ وأن تكونَ الكتابَ ص38، ويتفكّكُ أمامَها حِجارةً لتصنعَ منه  هيكلاً لصلاةٍ مُلحدةٍ ص28، وتشاركَ في طقوسِ الإلحاد ص71، وتمارسَ البخورَ والإلحادَ ص99. وكملجأ أخيرٍ، هناك لغةُ دياناتٍ تحتَ أرضيّةٍ يمكنُهُ استعمالُها، فهو جاهزٌ أن يقومَ بطقوسِ الاستحِضِار ص107، فتعودُ المحبوبةُ من عالمِ الأرواحِ.

الصّدى:

يُنهي العاشقُ نداءاتِهِ بأصداءٍ تتردّدُ، تُدخلُ العاشقَ والمعشوقَ في دورةٍ أبديّةٍ في مكانٍ موجودٍ فيما بَعد، بَعد، بَعد سَنوات ضوئيّة ص42، ينطلقُ مع الدّورانِ…دوران…دوران ص20، يعيش ذكرى حينَ عشِقنا… حينَ عشِقنا ص114، حيثُ كان عِناقٌ تِلوَ عِناق تلوَ عِناق ص21، وحيث مورِسَ الاشتياقُ بعدَ الاشتياقِ بعدَ الاشتياقِ ص78، وكلُّ ذلكَ بفعلِ مطرٍ وقليلٍ من غزل! 

 

ملحق/ "غزلٌ وشيءٌ من المطر"/ ص71 نصّا:

الطّبيعة/ الأرض:

البحر ص  23/104، الجبال ص34/111، الحاكورة ص97، حاكورة الدار ص 16/ 50،  حاكورة لا تتّسع لأحد غيرنا ص6، حاكورتها ص94، حديقتك ص17، حقول الحنطة ص27، حواكير القلب ص110، شاطئ الرّمّان ص20، قرب جدول ص5، النّهر ص20/32.

الطّبيعة – الطّقس:

الإعصار ص101/57، طوفان من قبَل ص47، إعصار الأقحوان ص87، طوفان من رحيق ص44، إعصار العطر الجامح ص81، العاصفة ص64/65، البحر العاصف ص13، عاصفة الياسمين ص86، دوامة الغبار ص91، العاصفة عاتية ص35/81، زوبعة ص7، عاصفة من غبار ص66، السّماء حبلى ص34، عواصف الزمهرير ص107، الصقيع ص32، عواصفي ص55، الطوفان ص19/20/31، طوفان العطر ص14، ليالي الإعصار ص107،  الغيوم حبلى بالطوفان ص6، الغيوم حبلى بطوفان القبل ص86.

الزّمان:

السّهر حتى مشارف الفجر ص5، ناما حتّى الصّباح ص76، علاقة سرمديّة ص42، جلسا حتّى الصباح ص70، نغفو ونحلم ص5، نمارس الحبّ حتى شرق الشمس ص33، نسخر من العتمة ص6.

الطّبيعة – الأزهار والأشجار:

الأرجوان ص75، الزيتون ص27، أزهار ص4/ 114/118/38/58، السوسن ص29، أقاحي ص121/59، سوسنة ص49، الأقحوان ص17/118/3449/7/70/81، البرقوق ص13/46، الشجر ص20/111/113/427/84/98، البرتقال ص114/54/71، الصبار ص 19، العليق ص62/85، الصنوبر ص107/13/31/6770/76/95، البنفسج ص103/13/17/37/49/65، البيلسان 19ص، عناقيد العنب ص29،  التفاح ص40/54، الغار ص88، التين ص35، الفطر البري ص62، الحبق ص23/42، الفل ص40/97، حصى لبان ص50، القرنفل ص30/44/59/6/75/99، الحنطة ص27/54، القمح ص15، الخزامى ص40/44، اللفندر ص56/37، الرمان ص20، النخيل ص101/102، النرجس ص102/54، الريحان ص19/51، الزعتر ص110، النعناع ص110/33/50/56، الزنبق    ص 105/120/17/26/427/87/94/32/99/63/73/70، النوار ص6، زنبقتين ص89،  الورد ص110/111/114/118/119/24/30/32/34/7/7/71/85/47، الزهر ص5/107/111/41/65/66/70/85/90/98، زهر الرمان ص111، زهرة ص13/37، زهر اللوز ص33/34/66، زهراتي ص59، زهور ص30/7،

Total time: 0.0608