من شأن أيّ تخفيفٍ للتوتّر مع إيران أن يكون تغييرًا مرحبا به من قبل أعضاء مجلس التّعاون الخليجي, وتؤدّي العلاقات السّيئة لدول المجلس مع جارتها عبر الخليج العربي إلى تفاقم الانقسامات الطّائفية الدّاخلية للبلدان، ويزيد من تعقيد عملية الإصلاح التي هي شاقّة في الأساس… هكذا بدأ مركز «ستراتفور» الاستراتيجي الاستخباراتي الأمريكي تقريره.
وبعد تلطيف الأجواء مع إيران، ستتاح للحكومات في مجلس التّعاون الخليجي فرصةً أكبر للتّركيز على الإصلاح الاقتصادي والتنمية المحلية، وهي أولوياتها العليا حاليًا. ولتحقيق هذه الغاية، بدأ مجلس التعاون الخليجي علنًا في السّعي نحو تحقيق المصالحة بعد وقت وجيز من فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمنصبه».
وبحسب التقرير الذي ترجمه موقع “الخليج الجديد”, رصد مركز “ستراتفور” المصالحة الوليدة التي تفرض نفسها على طهران ودول التعاون الخليجي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
وكان وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي قد بحثوا يوم الخميس الماضي في الاجتماع الوزاري الثاني والعشرين للمجلس الوزاري في الرياض عقد حوارٍ استراتيجيٍ مع إيران. ويأتي هذا الاقتراح، إلى جانب موجة النّشاط الدبلوماسي بين طهران والحكومات الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي على مدى الأشهر الأربعة الماضية، كبشرى محتملة ببدء التقارب البطيء والانتقائي، حتّى وإن كان ذلك فقط مع كل دولة على حدة، ولا يقدّم حلًّا للقضايا الاستراتيجية الأوسع بينها.
وقد بدأت الحملة الدبلوماسية فى ديسمبر الماضي عندما صاغ مجلس التّعاون الخليجي رسالةً إلى الحكومة الإيرانية تقترح بدء حوار. وفي يناير، سلّم وزير الخارجية الكويتي الرسالة إلى الرئيس الإيراني «حسن روحاني»، والذي قام فيما بعد بزيارة إلى عُمان والكويت.
وكانت الدولتان نقطة انطلاق منطقية للرئيس الإيراني. فبعد كلّ شيء، من بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي، اتّخذت الكويت وسلطنة عمان الموقف الأكثر اعتدالًا تجاه إيران. إلّا أنّ الرياض، المنافس الرئيسي لطهران داخل المجلس وخارجه، أثبتت أيضًا استعدادها المتزايد للتّعاون مع طهران حول القضايا العملية، وذلك في الشهور القليلة الماضية. وخلال المفاوضات حول خفض إنتاج منظّمة الدول المصدرة للنّفط (أوبك)، على سبيل المثال، قبِلت المملكة اتّفاقًا سمح لإيران بخفض إنتاجها على مستوى أعلى من الدول الأخرى في أوبك التي خضعت للخفض.
كما وجّهت السّعودية الدّعوة إلى إيران لحضور مناقشاتٍ حول إصدار تأشيراتٍ تمكّن الإيرانيين من الذّهاب للحجّ في عام 2017، وذلك بعد انهيار العلاقات بين البلدين، وهو الأمر الذي منعهما من التّوصل إلى اتّفاقٍ حول هذه المسألة عام 2016. (كانت المحادثات ناجحة، وقد اختتمت الرياض وطهران الاتّفاق في وقتٍ سابقٍ من شهر مارس). وإذا استمرّ هذا الاتّجاه، فإنّ عودة العلاقات الدبلوماسية قد تكون في نطاق إمكانية إيران والسّعودية.
ومع ذلك، فإنّ أيّ تعاونٍ جديد سيكون محدودًا. وما دامت الصّراعات في الدّول المجاورة، مثل اليمن ولبنان وسوريا والعراق قائمة، سوف تتورّط طهران والرياض في التّنافس على النّفوذ الإقليمي. ويعدّ كلّ صراع مسرحًا للحرب بالوكالة، الأمر الذي يضع رؤية إيران للشّرق الأوسط ضدّ رؤية السعودية والإمارات وقطر. وعلى الرّغم من أنّ اتّفاق الولايات المتّحدة لمنع إيران من تطوير الأسلحة النّووية قد نجت خلال الشهرين الأولّين من إدارة «ترامب»، فإنّ الرياض وحلفاءها في دول مجلس التّعاون الخليجي واثقون من أنّ واشنطن منحازة إلى جانبهم.
وعلى الرغم من استمرار التّنافس الشّرس بين إيران والسّعودية، إلا أنّ تلميحات المصالحة الوليدة تدل على استعدادهما لوضع خلافاتهما جانبًا في ظلّ وجود ظروف مناسبة، وفي قضايا محدّدة.
وقد وجد مجلس التّعاون الخليجي أنّ تحسين العلاقات الثنائية مع إيران يمكن أن يساعدها على تحقيق التزاماتها المحلّية. وبالنّسبة لطهران، فإنّ تقليص حجم الأعمال القتالية مع دول الخليج يمكن أن يساعد في الحفاظ على اتّفاقية خطّة العمل الشاملة المشتركة مع الولايات المتّحدة. ومع ذلك، فإنّ الخلافات الأساسية التي تُبقِي الجانبين على خلاف قد تصمد أكثر من تقاربهما.
يذكر أنّ العلاقات بين إيران ومعظم أعضاء مجلس التعاون الخليجي لم تكن متوتّرة منذ وقتٍ طويل. وظهرت التوتّرات بشكلٍ خاص منذ أن تعرّضت السفارة السعودية في طهران لهجومٍ في يناير عام 2016 بعد أن أعدمت الرياض رجل الدين الشيعي «نمر النمر».