في ديسمبر/كانون أول 2015، أعلنت تركيا، وسط دهشة الكثيرين، أنها خططت لإنشاء قاعدة عسكرية في قطر. ووراء الكواليس، كان الاتفاق حول تشكيل تحالف استراتيجي كبير.
وصادق البرلمان التركي قبل أيام على اتفاقيتين بتأييد 240 نائبا خاصة مع دعم حزب العدالة والتنمية الحاكم لها، حيث سيتم تطبيق اتفاقية الدفاع المشترك المبرمة بين تركيا وقطر عام 2014 بالإضافة إلى تدريب قوات الدرك.
وجاءت هذه المصادقة من البرلمان بناء على دعوة عاجلة من الحكومة التركية تحسبا لأي تطورات في المنطقة في ضوء الأزمة الخليجية مع قطر الشهر الجاري.
ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ بعد إقرارها من البرلمان واعتمادها من الرئيس التركي، وسط أزمة سياسية خليجية وتحركات سعودية إماراتية بحرينية مصرية تهدف إلى عزل ومحاصرة قطر، بعد قطع العلاقات معها على خلفية اتهامات ترفضها الدوحة جملة وتفصيلا، وتقول إنها غير مبررة وتهدف إلى فرض الوصاية عليها
التفاصيل حول اتفاقية قطر، التي وصفتها تركيا بأنها تحالف في مواجهة الأعداء المشتركين، لا تزال ضئيلة، ولكن موقع ميدل إيست أي حصل على نسخ من الاتفاقيات، فضلا عن مزيد من التفاصيل، والتي تشمل تعهدا سريا من قبل أنقرة بحماية قطر من التهديدات الخارجية.
وتعود الاتفاقيات الدفاعية والعسكرية التركية القطرية إلى ما يقرب من عقد من الزمان.
وفي عام 2007، وقعت أنقرة والدوحة اتفاقية تعاون خاصة بالصناعات الدفاعية، وفي عام 2012، وقعتا اتفاقية تدريب عسكري.
وفي مارس/آذار 2015، أقر البرلمان التركي اتفاقية للتعاون العسكري بين البلدين، غير أن المفاوضات الرامية إلى التوصل إلى اتفاق شامل لا تزال جارية.
فقط في يوليو/تموز 2015، ووفقا لموقع إنتلجنس أون لاين الاستخباري في فرنسا، أخبر أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، ملك السعودية بالمدى الحقيقي للاتفاق.
وبموجب الاتفاق، سيتمركز حوالي 3 آلاف جندي تركي ووحدات جوية وبحرية وقوات خاصة في قطر للتدريب والتدريبات المشتركة. كما وعد البلدان بزيادة التعاون الثنائي بين أجهزة المخابرات.
ورحبت الرياض في البداية بالاتفاق للمساعدة على مواجهة النفوذ الإقليمي المتزايد لإيران، حيث إن وجود الجيش التركي سيحقق المزيد من القوة الأجنبية في الخليج لتنضم إلى القاعدة الجوية الأمريكية في قطر والقاعدة البحرية الفرنسية فى أبوظبي والقواعد البحرية الأمريكية والبريطانية في البحرين، وغيرها.
إلا أن هذه الخطوة لم يتم قبولها بالإجماع في مجلس التعاون الخليجي، وعندما علمت أبوظبي بالاتفاق في أعقاب قمة مجلس التعاون الخليجي الـ 35 في ديسمبر/ كانون أول، لم ينظر إليها بشكل إيجابي، حيث تخشى الإمارات من أن تزايد قوة العلاقات التركية القطرية يمكن أن يعكس اتجاه المآلات الإقليمية للإخوان المسلمين.
اتفاقية شاملة
وذكر موقع إنتلجنس أن رئيس منظمة الاستخبارات الوطنية التركية (MIT) قام برحلات متعددة إلى الدوحة في ديسمبر/كانون أول لتأكيد تعهد سري بأن أنقرة ستحمي قطر من التهديدات العسكرية الخارجية.
في المقابل، ستساعد الدوحة على إحداث ما يشبه التوازن نتيجة العلاقات المتوترة بين أنقرة وموسكو بعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية في سوريا. حيث تعزز قطر الاقتصاد التركي بسبب فقدان السياح الروس (يقدر بنحو 3 مليار دولار) فضلا عن توفير ضمانات تصدير الغاز إذا أغلقت موسكو صنابير الغاز.
وفي حين أن المساعدات الاقتصادية هي محلول نموذجي من قبل دول الخليج لتأمين الاتفاقات الثنائية، كان تعهد الدفاع والحماية من أي تهديد عسكري هو الأكثر أهمية.
ولم يرد ذكر هذا التعهد في الاتفاق الشامل الذي تم التوقيع عليه في ديسمبر/ كانون أول، إلا أن المحادثات تفيد بأنه مستمر.
وقال الدكتور أيوب ارسوى، خبير العلاقات الدولية بجامعة بيلكنت التركية، إنه في المداولات التي قيل إنها جارية فإن تركيا ستقدم المساعدة الدبلوماسية والعسكرية إلى أقصى حد ممكن في حالة العدوان المسلح على قطر.
على هذا النحو، قد لا يكون الاتفاق مختلفا بشكل كبير عن التعهدات غير المكتوبة من قبل بريطانيا والولايات المتحدة لمساعدة دول الخليج أمام أي هجوم، وهو ما يدل عليه حرب الخليج عام 1990.
وما يتضح من الاتفاق الشامل هو أن القاعدة التركية ستكون تحت السيطرة القطرية، مع إمكانية قيام قطر بإنشاء قاعدة في تركيا.
وفي حين ينص الاتفاق على أن تركيا ستغطي نفقات القاعدة القطرية، لا توجد تفاصيل عن التكاليف الإجمالية.
وقال ارسوي إنه نظرا لأن القاعدة ستكون في إطار الهيكل العسكري القطري، فإنها مجرد قاعدة قطرية وضعت لاستخدام الجيش التركي، لذلك فإن الدوحة ستتحمل التكاليف المالية المترتبة عليها”.
وإذا كان الأمر كذلك، فإنه سيتبع القاعدة الأمريكية في قطر والتي تكلف بناءها مليار دولار.
أهداف إستراتيجية
وفكرة أن الدولتين أصبحتا أكثر تقاربا من خلال الاتفاق فالأمر ليس مفاجئا.
وقال جوناثان شانزر، نائب رئيس البحوث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إن تركيا تعمل على إقامة علاقات استراتيجية مع قطر منذ أكثر من عام.
وتابع “لا أعتقد أنه كان من الضروري التوقيع على الصفقة كما كان واضحا جدا لأي شخص يراقب”.
غير أن أرسوى يعتقد أن الاتفاق كان ضروريا لتوفير أساس قانوني وخلق شرعية سياسية لتعزيز أهداف أنقرة في الخليج حتى إذا لم يتم الإعلان عن اتفاقية وضع القوات.
وتابع من وجهة نظري، فإن الدافع الحقيقي، من منظور تركيا، هو تحويل المواءمة الإقليمية مع قطر إلى تحالف مبدئي.
وقال إن اتفاق التعاون العسكري هذا لا غنى عنه لاستدامة العلاقات الاستراتيجية التركية بين قطر، وبين تركيا والخليج.
وقد وجدت الدولتان سببا مشتركا في التدخل في ثورات الربيع العربي، وخاصة في مصر، حيث يدعم الاثنان كل من الإخوان المسلمين، وكذلك الأمر في سوريا. وقد أثار دعمهما لجماعة الإخوان المسلمين غضب دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، وخاصة الإمارات والسعودية.
وعلاوة على ذلك، تعتبر تركيا خطا إضافيا ضد إيران بعد تطبيع العلاقات بين طهران والغرب. ويعتبر هذا الدافع الرئيسي للاتفاق.
وفي ديسمبر/ كانون أول، قال السفير التركي في قطر لرويترز إن الاتفاق كان لمواجهة أعداء مشتركين، وهو ما يعتبر إشارة لإيران.
وأضاف «لا أعرف ما إذا كانت الولايات المتحدة ستقاتل من أجل قطر لأن المنطقة كلها تخشى أن تكون الولايات المتحدة قد باعتها إلى إيران».
وقال أتيلا يسيلادا، المحلل المقيم في إسطنبول في شركة غلوبال سورس بارتنرز، إن الجنود الأتراك في الصومال موجودون بشكل رسمي، لإظهار العلم، في حين أنه في قطر قوة قتالية حقيقية.
وأوضحت صحيفة حرييت التركية أن نواب حزب العدالة والتنمية اقترحوا مناقشة تشريعين: الأول يسمح بنشر قوات تركية في قطر، والثاني يتعلق بالتعاون العسكري بين أنقرة والدوحة. وقد وُضع هذان التشريعان قبل اندلاع الأزمة في الخليج بيم قطر وجاراتها. ويشمل القرار الذي تم تمريره في البرلمان زيارة الوحدات والمقرات والمؤسسات“، والتعليم والتدريب المتبادل الذي سيقدمه الطرفان في المدارس ومراكز التدريب والوحدات، والتدريب في مجال الأمن الداخلي، ومكافحة التهريب والجرائم المنظمة والتدخل في الأحداث المجتمعية، والتدريبات الخاصة بالشرطة العسكرية، وتخصيص فرق تدريب متنقلة، والتدريب على المهام الموكلة للوحدات والمقرات والمؤسسات في كلا الطرفين.
كما يشمل القرار أيضا إقامة الدورات المتبادلة في المدارس ومراكز التعليم والوحدات لدى الطرفين، والتعاون المتبادل فيما يخص التجهيزات وتطوير المواد المساعدة للتدريب، والتعاون التقني وتبادل المعلومات والخبرات في المواضيع ذات الاهتمام المشترك، وتقديم خدمات استشارية بهدف نقل المعلومات والخبرات في المواضيع التقنية واللوجستية والتدريب والتعليم، وإرسال عسكريين تابعين لرئاسة الأركان العامة التركية لتلقي دورات تدريب وتعليم في مؤسسات التدريب والتعليم العسكرية.
وحسب وسائل إعلام تركية فسيتمّ إرسال طائرات وسفن حربية تركية إلى قطر بعد نشر أولي للقوات التركية في قاعدة في الدوحة، وسيتمّ التصريح بعدد الطائرات والسفن الحربية التركية التي ستتجه إلى القاعدة.