تحت عنوان “محمد بن سلمان”.. ملك قديم-جديد في المملكة”, نشر معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي دراسة, الخميس, تعرض فيها للتحديات التي يتوقع أن يواجهها ولي العهد السعودي الجديد من الداخل والخارج.
ومن بين تلك التحديات التي ساقتها الدراسة عدم رضا كبار الأمراء من داخل العائلة الحاكمة على الملك المنتظر، وكذلك حالة الغليان التي تصعد أحيانا وتختفي أحيانا بين المواطنين، والتي ربما تجلت بعد الكشف عن شراء بن سلمان يختا يقدر بنحو نصف مليار ريال سعودي، في وقت يطالب فيه السعوديين بشد الحزام.
إلى نص الدراسة..
كسيناريو معروف مسبقا، عين الملك السعودي، سلمان، نجله محمد، وليا للعهد بدلا من محمد بن نايف، الذي أخلى مكانه أيضا كوزير للداخلية. جاء ذلك، كجزء من تعديلات في المناصب الهامة، تهدف إلى الدفع بالأمراء الشباب من رجال محمد بن سلمان، وتعزيز فرعه في العائلة الحاكمة.
سيبقي بن سلمان- وطريقه ممهد للعرش بوفاة والده المريض-، على منصبه وزير للدفاع، وقائدا فعليا للمملكة. ويحظى محمد بصورة الإصلاحي، وفي ضوء سنه الصغير يمكن أن يحكم المملكة لوقت طويل. يبدد تعيينه الرسمي وليا للعهد الغمام حول مسألة الخلافة، ويمكنه أن يساهم أكثر في رسم الصورة النشطة والفاعلة للمملكة، لكنه يضيف بعدا من عدم اليقين حيال سياستها وقدرتها على مواجهة التحديات التي تواجهها.
اكتساب صلاحيات تدريجية
حظي تعيين بن سلمان 31 عاما بمباركة “هيئة البيعة” بأغلبية 31 من 34 عضوا، ما يشير إلى تأييد واسع له إن لم يكن مطلقا. تضم هذه الهيئة التي أُسست قبل نحو 10 سنوات والمخولة بـ”الموافقة” على ترتيبات الخلافة، جميع الأحفاد الأحياء لمؤسس المملكة، ابن سعود.
كانت الخطوة التي تمت الآن قد بدأت لدى تعيين بن سلمان عام 2015 على يد أبيه في مناصب مختلفة: ولي ولي العهد، وزير الدفاع والمسئول عن مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية.
منذ ذلك الوقت حصن بن سلمان مكانته بدعم من أبيه واكتسب الخبرات اللازمة. في المملكة، التي يشكل الشباب تحت سن الـ 25 عاما نصف سكانها، -يحظى وفقا لما يمكن قياسه بالملكية المطلقة- بتأييد وسط الشباب، الآملين في إحداث تغيرات في النظام الاجتماعي. هذا أيضا في ضوء سنه الصغير وبرامجه الطموحة لتغيير ملامح المملكة. كان بن سلمان هو المسئول عن العلاقات مع إدارة أوباما (التي فضلت مع تعيينه، كما قيل، محمد بن نايف المحنك والحكيم)، والمسئول أيضا عن العلاقات مع إدارة ترامب.
في طريق بن سلمان للقيادة، اكتسب صلاحيات وبشكل طبيعي أعداء أيضا. في عام 2015 خرج أمراء رفيعو الشأن في المملكة بدعوة علنية نادرة للتغيير، معربين عن عدم ثقتهم في الأمير وأبيه. كذلك أبدت أجهزة استخبارات غربية تخوفها من سياسته، التي حلت محل سياسة متزنة وحذرة اتبعتها القيادة السعودية على مدار السنين، وأشاروا إلى المخاطر الكامنة في تلك السياسة على الاستقرار الإقليمي والاستقرار السياسي داخل المملكة نفسها.
كانت وحدة الصف بين كبار الأمراء مصدر قوة للمملكة على مدار السنين. الآن تحول الحكم بالكثير من المقاييس إلى عرض الرجل الواحد.
تحديات من الداخل والخارج
يعيش العالم العربي أحد أصعب أوقاته، وللاستقرار السياسي في المملكة انعكاسات على المستوى العربي بشكل عام. لبث انتقال سلس للحكم حرصت العائلة الحاكمة على توثيق بن سلمان مع ابن عمه المعزول بن نايف الذي بايع ولي العهد الجديد، الذي قبل بدوره يد المعزول في إشارة للاحترام والتقدير.
بن نايف الذي لم يتعاف على ما يبدو من محاولة اغتيال في 2009 على يد أحد عناصر القاعدة، يدرك جيدا أنه رغم التقدير والدعم الذي حظي به، فإن اعتراضه على الخطوة كان ليؤذيه وربما يضر باستقرار العائلة الحاكمة. نبعت قوة بيت سعود على مدار السنين من تفهم الأمراء أن استمرارية الحكم واستقرار المملكة هما المصلحة العليا.
يشكل دفع البرنامج الاقتصادي “رؤية 2030” تحديا وطنيا وشخصيا لبن سلمان، الذي يسعى للتقدم بسرعة لعصر ما بعد النفط. في نفس الوقت يتزايد الإحباط بين الجماهير التي تعودت على الرخاء الذي جلبه النفط، واضطرت لمواجهة ارتفاع غلاء المعيشة وتقليص الدعم.
يرى مواطنو المملكة أنهم يستحقون مزايا واستحقاقات توفرها أرباح النفط، التي تشكل قاعدة النظام الاجتماعي، في ضوء تأييدهم العائلة الحاكمة. لكن، وفيما يُطلب من الجماهير شد الحزام، اشترى بن سلمان لنفسه يختا جديدا بتكلفة نصف مليار ريال- خطوة أشعلت احتجاجا قصير الأمد على شبكات التواصل.
يتوقع أن يواجه بن سلمان في طريقه، كما ذكر آنفا، خصوما من أبناء العائلة الحاكمة، لم يُسلموا بتعيينه، وكذلك الحال بالنسبة للمؤسسة الدينية المحافظة، التي يستفزها بن سلمان بمحاولته دفع إصلاحات إجتماعية.
تحدي آخر يتعلق بالتدخل العسكري السعودي في اليمن. وصلت الحملة العسكرية التي تقودها المملكة إلى طريق مسدود، وصارت بعيدة عن تحقيق أهدافها المعلنة. فالحوثيون وحليفهم، الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وكذلك الموالون له، يسيطرون على شمال اليمن والعاصمة صنعاء ويطلقون الصواريخ صوب الأراضي السعودية بشكل معتاد. في المقابل تتزايد الانتقادات الدولية للإدارة السعودية للحرب، التي فاقمت في اليمن الأوضاع الإنسانية، وتسببت في إضرار واسع بالمواطنين.
يأتي تعيين بن سلمان في توقيت تتزايد فيه التوترات بين طهران والرياض، بشكل كبير بسبب الموقف المتصلب تجاه طهران وتصريحاته الحادة في هذا السياق.
لكن يبدو أن تحسن العلاقات بين السعودية والإدارة الأمريكية والموقف الأمريكي المتعنت تجاه إيران يشجعان بن سلمان على تصعيد تصريحاته ضد إيران.
رفض ولي العهد مؤخرا أي إمكانية للحوار مع إيران وأشار إلى أن المملكة ستواجهها داخل أراضيها، في إشارة لتأييد تغيير النظام في طهران. من جهتها اتهمت إيران السعودية بالوقوف خلف الهجوم على البرلمان في طهران، رغم تبني داعش الهجوم، وأفادت السعودية أنها أسرت خلية من عناصر الحرس الثوري زعمت أنهم خططوا لتنفيذ هجوم داخلها. وصف عدد من وسائل الإعلام المحسوبة على النظام في إيران، في أول رد على التعيين، التعديلات في المناصب داخل المملكة بـ”الانقلاب الناعم” و”الزلزال السياسي”، وحذروا من تصعيد المواجهة بين الدولتين.
انعكاسات محتملة
من غير الواضح إلى أي مدى كان محمد بن نايف قوة معتدلة مقارنة ببن سلمان، فقد جُرد تدريجيا من صلاحياته. كونه وليا للعرش سوف يحظى بن سلمان بشرعية لسياسته العدوانية، بما في ذلك ضد إيران- رغم أن هذه السياسة يمكن أن تعرض المملكة للخطر.
تتجلى هذه السياسة في خطوات قوبل بعضها بانتقادات ووصف بـ”مغامرات”. حقيقة أن محمد بن سلمان يتبنى موقفا متشددا تجاه إيران ليست بالأمر الخارج عن المألوف بين العائلة السعودية الحاكمة، لكن على ما يبدو فهو على استعداد للمخاطرة أكثر بهدف التضييق على خطوات الجمهورية الإسلامية، وهو ما من شانه أن يقود لتفاقم الأزمة معها.
بخصوص العلاقات الإسرائيلية مع السعودية وصلتها بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، ورغم تحدث تقارير عن أن بن سلمان لا يستبعد علاقات طبيعية مع إسرائيل في المستقبل، فإن التوقعات لدى الكثيرين في إسرائيل أن المملكة ستبدأ في تطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل تقدم حقيقي في عملية السلام لا تتسق مع الموقف السعودي الحالي.
مر تعيين بن سلمان وليا للعهد حتى الآن دون اعتراض علني. لكن، ربما يأتي الاعتراض من داخل العائلة الحاكمة، من قبل هؤلاء غير الراضين من صعوده الصاروخي ومواهبه وأسلوب إدارته. بناء عليه، هذه هي ساعة الاختبار لقدرة المملكة في قيادة الانتقال الضروري للأجيال من أبناء ابن سعود إلى أحفاده في وقت تواجه تحديات من الداخل والخارج.
أضعفت الأزمة والحرب في اليمن منظومة التحالفات السعودية، في وقت يسعى حلفاء رئيسيون للمملكة مثل باكستان للبقاء على الحياد. حتى الآن، تتصدى قطر للضغوط بما في ذلك بفضل المساعدات الإيرانية والتركية- لكن حال فشلت خطوة مقاطعة قطر والضغط عليها، فسوف يتحمل جل المسئولية من اتخذها، بن سلمان.
رغم اتخاذ القرارات المصيرية في المملكة على مدار السنين بشكل عام عبر التشاور والسعي للاتفاق بين ذوي المناصب السيادية في العائلة الحاكمة، بقى الملك الحكم الأخير. لذلك فإن هويته مهمة. كانت هناك تقديرات سائدة أن بن سلمان سوف يرث العرش من أبيه “ويتجاوز” بن نايف، لذلك بدا أنه كان بحاجة إلى اكتساب إنجازت، في مقدمتها مسألة الاصلاحات الاقتصادية المطلوبة وموضوع التدخل في اليمن. لذلك ورغم تعيينه المبكر فإن عبء الإثبات مازال يواجهه.
تبقى الكلمات الأخيرة لولي العهد المعزول، بن نايف، لخليفته في المنصب، مدوية “سوف أستريح الآن، كان الله في عونك”.