قال باهي الدين حسن، مدير معهد القاهرة لحقوق الإنسان، عشية الذكرى الرابعة للانقلاب الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي من السلطة: فشل السيسي يبدو جليا لنفسه ولمصر كلها.
وأضاف موقع “ميدل إيست آي” البريطاني في تقرير أنه منذ الانتفاضة التي اندلعت في عام 2011، هيمنت ثنائية من الحكم الإسلامي والعسكري على الساحة السياسية في مصر، التي كانت كابوسا في أوقات مختلفة، لكن لا أحد يمكن أن يتصور هذا الخليط الضار من القمع المنهجي، والفشل الأمني والركود الاقتصادي الذي أعقب 30 يونيه.
وأوضح الموقع البريطاني أن كثير من المصريين يعترفون علنا بالشعور باليأس، ومع رد فعل الشوارع الصامت على التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير الشهر الماضي، قد تبدو الثورة حلما بعيد المنال. ولكن هناك العديد من المثقفين يعتقدون أن الاحتجاجات المتفرقة والغنائم الغاضبة تتراكم، وتدعو المصريين إلى النزول إلى الشوارع.
كيف تآكلت مكاسب ثورة يناير؟
قد تكون الظروف في البلاد سيئة أكثر من عهد مبارك، خاصة وأنه في ظل قيادة السيسي دخلت مصر مرحلة استبدادية لا مثيل لها. في البداية سعت الثورة المضادة التي بدأت فعليا في 9 مارس 2011 مع أول هجوم من قبل الجيش على ثوار ميدان التحرير إلى التراجع عن مكاسب الانتفاضة الشعبية التي كانت تحاول أن تخلق ثورة حقيقية تغير الحكم.
وقد عزز السيسي من خلال الدولة الأمنية ونخبة رجال الأعمال الآن السلطة في يده، في الوقت الذي تخلص فيه بشكل منهجي من جميع منافسيه، بما في ذلك اعتقال المرشحين المحتملين للرئاسة في الأسابيع الأخيرة.
وهكذا من خلال مزيج من القوة والدعاية الحادة، خنقت الثورة المضادة انتفاضة يناير ولكن غطرسة الجيش برعاية السيسي سوف تجعل في نهاية المطاف البندول يتجه إلى التأرجح.
كيف تدهورت مصر منذ الانقلاب؟
ثلاثة مؤشرات منذ الانقلاب جلبت تحولا زلزاليا في البلاد، أولها الإشارة السامة من النزعة القومية المفرطة، وانتشار الإرهاب من سيناء إلى الدلتا، والأزمة الاقتصادية التي لم يتم تقليصها بعد بتخفيض قيمة الجنيه المصري.
وقال أشرف الشريف، زميل غير مقيم في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، وواشنطن: إن الدولة ومؤيديها الذين يحتجون بقومية شوفينية، وفي بعض الأحيان من خلال كراهية الأجانب يمنحون أنفسهم الحق في تصنيف الكثير من المصريين كخونة.
ومع انقسام المصريين بين مؤيد للسيسي والجهات الأمنية وبين مؤيد للإسلاميين والتقدميين والنقاد غير المسياسيين وأولئك غير القادرين على تحمل الضرورات الأساسية مع التضخم الذي ارتفع بنسبة 30 في المئة، أضف إلى هذا الخليط المتقلب الدعم المتدهور بين الموالين المسيحيين والمتشددين.
ثلاثة محفزات وثلاثة انفجارات
في محاولة لإبادة الحماس الثوري، خلق السيسي عن غير قصد حماسا أكثر تجاه الثورة والغضب، وكل ما يتبقى فقط زناد الثورة. فلقد كان مقتل أحد المصريين وهو خالد سعيد في عام 2010 حافزا كافيا لاندلاع شرارة الثورة. وقد يثير قرض صندوق النقد الدولي انفجارات جديدة حيث سيكون هناك مزيد من الارتفاع في الأسعار وليس هناك شبكة أمان اجتماعية لمساعدة الملايين على تحمل الغلاء.
وقد يكون الزناد إحدى الحوادث الكثيرة التي تنفذها الشرطة المصرية الفاسدة التي اعتادت على قتل المصريين الأبرياء بدم بارد كما حدث في نوفمبر الماضي. وكما أن نظام مبارك قلل من شأن المصريين في عام 2011، فإن السيسي ومعظم أعضاء فريقه غير المؤهلين يتجرعون الغطرسة ويرون أن تلك الاحتمالات محدودة.
وفي هذه المرحلة المضطربة، تلوح ثلاثة سيناريوهات في الأفق.
السيناريو الأول: انقلاب ضد السيسي
ليس كل مخيم السيسي نائما في عجلة القيادة. ويدرك البعض أن السيسي يضر بالأمن القومي، وأنه يضر بالمصريين عموما، بل إن مصالح النخبة التجارية تتضارب مع مصالح الجيش الذي يسيطر على جزء كبير من الاقتصاد.
مثلما عمل السيسي في صمت ضد مرسي والإخوان، فمن الممكن تماما لأسباب كثيرة يتحرك البعض الآخر ضد السيسي.
وعلى النقيض من الثورة، فإن الانقلاب أوجد الكثير من مظاهر الديكتاتورية الاستبدادية، لكن السيسي ليس كمرسي وشعوره بجنون العظمة والتحالفات المختلفة التي يدخل فيها من شأنه أن يؤدي إلى رحيله بالدم. ولما كان هذا السيناريو صعبا بشكل لا يصدق، فإنه يجب أن نأخذ في الاعتبار مذبحة رابعة، فالسيسي قد أثبت أنه قادر على ارتكاب جرائم الحرب على نطاق واسع.
السيناريو الثاني: احتجاجات واسعة
كثير من الرافضين لسيناريو 2011 يجادلون بأن المعارضة مكسورة جدا والمواطنين مرهقون جدا ولا يمكنهم الوقوف في وجه حكم صارخ بقيادة السيسي، لكن المعارضة يمكن أن تتعافى، خاصة وأنه بينما اشترى السيسي أسلحة بمليارات الدولارات، ارتفع عدد المصريين الفقراء.
وقبل أربعة أشهر فقط، كان المصريون في الشوارع يصرخون نريد الخبز. وقد أظهر الغضب المتزايد أن رئيس الأمن لا يستطيع تأمين احتياجات الوطن أو استقراره.
وعندما يأتي الانفجار القادم، سيكون أكثر دموية من عام 2011 لسببين أولهما أن الكثيرون في معسكر المعارضة يقولون: تركنا الساحة مبكرا، وآخرون يؤكدون أنه كان من السذاجة للغاية أن نفكر في أن المؤسسة العسكرية ستفهم أو تحترم النهج السلمي.
السيناريو الثالث: الاقتتال المصري- المصري
إن عدم القدرة على الاستمرار في إجراء نقاشات متحضرة مع المعسكرات السياسية المعارضة أمر محوري في السيناريو الثالث، وربما الأكثر خطورة. فمجرد تشغيل التلفزيون المصري أو الراديو أو مطالعة وسائل التواصل الاجتماعي تجد انقساما واسعا في الأمة.
أنصار السيسي يرفضون استخدام الفروق الدقيقة لفهم المعارضة المختلفة بين المصريين أنفسهم. أما الذين يعارضون المعارضة فيتعرضون لعنف عاطفي ولفظي في إدانة معسكر السيسي.
ولا يزال الملايين مقتنعين بأن الجيش سيحميهم من الحكم الإسلامي، ويرفض الملايين أكثر من ذلك أن يسيروا في مظاهرات إلى القصر الرئاسي بالقاهرة، لكن عندما لا يعرف الناس أو يحترمون الخطاب المدني، ما هو البديل؟، غياب الخطاب يقربنا من القتال المصري- المصري.