أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

نعم لوفاق وطني لكن بشروط التغيير

- محمد مطهر العشبي

في عام 1970م توصّل وارثو جمهورية سبتمبر مع محاربي الملكية إلى وفاق وطني يحقن دماء اليمنيين ويضع حداً لمعاناة الشعب اليمني وُيـرضي الأطراف الإقليمية والدولية ـ التي مولت أطراف الحرب الأهلية بأن مصالحها في اليمن السعيد مضمونة. لكنه كان اتفاقاً مشوهاً وضع الأطراف المتحاربة من مشايخ وعسكريين وحزبيين قبليين ومصالح الأطراف الخارجية في قلب الدولة الجديدة المزمع بناءها في الجزء الشمالي من الوطن .. فتأسست جمهورية قيلية عسكرية عالة تدار من الخارج عبر الأطراف الداخلية.. فيما تتحدث دوماً باستفاضة عن استقلالية قرارها السياسي.

لقد افتقد مثقفو تلك المرحلة  ومنظرو الخروج من الأزمات لرؤية إستراتيجية مستقبلية تضع اليمن في مسار تطوري جديد. ولم يكن الوضع في الشق الجنوبي للوطن بأفضل حال من الشمالي. ومر عقدا السبعينيات والثمانينيات والشعب اليمني في شطري الوطن ينتظر يوم التئام شمله للخروج من محنه وبناء يمنه الجديد واستعادة أمجاد حضارته.. واستقبل اليمنيون الـ22 من مايو1990 بدموع الفرح ، ونشوة النصر على التشرذم ، وشموخ الطموح.

لكن أطراف اتفاق مايو لم يحملوا معهم مشروعاً استراتيجياً لليمن الجديد وإنما مشروعاً تقاسمياً..ورغم أن دستور دولة الوحدة لم يحمل في دفاته كل ما يحتاجه الوطن لكن كان فيه الكثير قبل أن يُعّدل جوهره السياسي وتُفرغ ديمقراطيته من محتواها.

وحصلت الانتكاسة الأولى للوطن في 1994م ، وخرج اليمن مهزوماً مقزماً  بعد أن كان صفحة جديدة وشمعة مضيئة في تاريخ العرب الحديث المنهزم . وكان بالإمكان أن تضع وثيقة العهد والاتفاق اليمن على بداية الطريق ، حتى بعد الحرب التي تركت جراحات وشروخ داخلية عميقة.

ولم يسأل حاسم الحرب ـ التي فُجّرت تحت شعار الدفاع عن الوحدة ـ  لما ذا حصلت هذه الكارثة في داري .. إن كان مسئولاً. فمضى في مشروعه الفردي ، والملتفين حوله يصفقون بحرارة التائقون للنهب،  معمقاً فداحة الجراح بتركه استباحة بقية أراضي وممتلكات وقدرات الوطن لكسب و لاءات الأشخاص بمختلف الطرق.

وفرصة أخرى لإنقاذ الوطن وإحداث التغيير مررنا بها في انتخابات 1997م البرلمانية ، ثم فرصة ثالثة في الانتخابات الرئاسية عام 2000م ، ورابعة في الانتخابات البرلمانية عام2003م ، وخامسة في انتخابات2006م وهي كانت الفرصة التي تجنبه وتجنب البلاد ما وصلنا إليه. ومن وصف اليمن حينها بأنها تتجه نحو نفق مظلم ، بغض النظر عن المقصد، فقد كان بحق وصفاً دقيقاً. وقد شخصت مجموعة أصدقاء اليمن جانباً كبيرا من الحالة اليمنية ، وكانت تصر حتى يناير2011 م ، على الإصلاح السياسي وسيادة القانون والعدالة ومحاربة الفساد ، ثم الإصلاح الاقتصادي والإداري.. كشروط لدعم برامج التنمية في البلاد ، عسى تخرج من النفق المظلم.

لم يسمع المتربع على السلطة أنين الشعب ومعانات شبابه ، وعوضاً عن ذلك استحسن المنظرون المقربون  خلع العداد  والتبشير بالتوريث ـ الذي انتشر تقليده في كل مفاصل الدولة وفي المحافظات والمديريات.. في محاولة للإجهاز على ما تبقى من مواد دستور دولة الوحدة التي لم يُنفذ منها إلاً ما يناسب الحكم الجمهوري المطلق ـ حسب توصبف أحد الدبلوماسيين الغربيين.

 واعتقد دهات السياسة بأنهم بمنأى عن الربيع العربي أو التغيير العربي الذي انطلقت شرارته من تونس الأبية طالبة الكرامة ، وأن اليمن يتمتع بالديمقراطية ـ وهي التي للأسف لم تُحدث التغيير والتداول السلمي للسلطة.

هذا التداول لم يسمح له الحاكم فحدث زلزال الثورة وظل وأنصاره حتى اللحظة يكابرون بأن الزلزال الثوري هو بفعل التآمر الخارجي والمعارضة المؤطرة ، ولم يتعظوا بأن التغيير حدث لأنه يجب أن يحدث ، وقد حدث حتى في دول كاليونان وإيطاليا دون أن يحتج أصحاب الشرعية الدستورية هناك بشرعية بقائهم ـ في بلدان لا مقارنة بين اليمن وبينها في أي مجال.

لقد تشجع شباب اليمن بالتحول السياسي العربي وأعادوا إيقاد شعلتي ثورتي سبتمبر وأكتوبر ورفعوا علم الـ22 من مايو عالياً منطلقين في أرجاء اليمن بشعارات الثورة السلمية ..ليقولوا العالم نحن لسنا بأحسن حالاً من شعب تونس أو مصر أو ليبيا أو سوريا بل أسوأ في كثير من الجوانب.. موقنين بأن التغيير حتمي وأنه المشروع الإنقاذي الأخير لهذا الوطن غير السعيد.

لم يرفض الشباب المخارج السلمية في ثوب الوفاق الوطني وإنما يرفضون الالتفاف على أهداف ثورتهم السلمية التي سقوها بدمائهم ، ومازالوا في الساحات رغم مكابدتهم لقسوة الطقس وشظف العيش وقلة المدد ، طالما مازال خصمهم يُنكر ثورتهم ويقزمها في أزمة مع المعارضة السياسية ـ التي قبلت المسايرة ، ويُخشى أن يتم تدجينها كما يرى البعض.

إن الوفاق الوطني والتغيير أمران متلازمان للخروج من النفق المظلم والصراعات المتعاقية على اليمن. فالتغيير مطلب شعبي لدى كل شرائح المجتمع ، لكنه بالنسبة للشباب الثوريون مشروع استراتيجي للتحول الجذري إلى يمن جديد.

أما شكل ونتائج وفاق 1970 الوطني ووثيقة العهد والاتفاق ومثيلاتها فيجب ألاّ تتكرر وليس هناك فرصة أخرى أمام اليمن واليمنيين للتغير سوى اليوم، وعلينا أن نُسلِّم بهذه الحتمية ونعمل سوياً لها.

وبإمكاننا تبِّني وإحداث التحول وليس ذلك على الله بعزيز، وأمامنا نماذج يُحتذى بها في التغيير والتحول. فشعب كالشعب الألماني ، الذي زاملنا في إعادة الوحدة عام 1990م ولا يُعتقد أن أحداً من ساسة ذلك العام في سلطتة اليوم، دمرته كلياً الحرب العالمية الثانية وشطرته، لكن إرادته الحديدية لم تستسلم أوتستكن  ، فاستفاق ونهض وبنا ونافس وارتقى.. فهل نستفيد؟

 

 

Total time: 0.096