اخبار الساعة
التصريح “الغاضب” الذي صدر عن “مصدر” سعودي مسؤول اكد فيه ان “المملكة لم تطلب وساطة بأي شكل كان مع جمهورية ايران، وان ما تم تناقله من اخبار بهذا الشأن عار عن الصحة، وانها تتمسك بموقفها الرافض لاي تقارب مع النظام الإيراني الذي يقوم بنشر الإرهاب والتطرف في المنطقة”، كان صادما ومفاجئا، ويكشف عن تغيير حاد في موقفها، نسف كل نظريات التفاؤل التي رجحت انفراجا في العلاقات، او حدوث هدنة بين البلدين، أي ايران والسعودية.
ما الذي اغضب القيادة السعودية ودفعها الى اصدار هذا البيان “التصعيدي”، وهي التي استقبلت قادة وسياسيين من الطائفة الشيعية العراقية بحفاوة لافتة، وبعضهم مقرب من ايران، وقاتل تحت مظلة الحرس الثوري الإيراني بقيادة الجنرال قاسم سليماني، ونحن نتحدث هنا عن السيد قاسم الاعرجي، وزير الداخلية العراقي، الذي حل ضيفا “عزيزا” على المملكة يوم 18 تموز (يوليو) الماضي، وحظي بلقاء “حار” من قبل الامير محمد بن سلمان، ولي العهد.
ما يجعلنا نطرح هذا التساؤل، التحسن المتسارع في العلاقات السعودية الإيرانية في الأشهر الثلاثة الماضية، واثار العديد من علامات الاستفهام، وانعكس هدنة ملحوظة، رغم ما ورد على لسان الأمير بن سلمان في مقابلة مع قناة “ام بي سي” (في أيار ـ مايو الماضي) من هجوم شرس على ايران، مثل قوله “الحوار مع ايران مستحيل بسبب ايمانها بالولي الفقيه، والمهدي المنتظر، وان ايران تريد الاستيلاء على الأماكن المقدسة، وعلينا ان لا ننتظرها وان ننقل الصراع الى عمقها”.
***
بداية، وقبل ان نجيب على هذه التساؤلات وغيرها، يمكن تلخيص جوانب هذا التحسن في النقاط التالية:
أولا: رفع المقاطعة عن قدوم الحجاج الإيرانيين لاداء فريضتهم، والتجاوب السعودي مع معظم المطالب الإيرانية في هذا الصدد، بمرونة غير مسبوقة، بل ووجود وزير الحج السعودي على رأس وفد استقبل الدفعة الأولى منهم.
ثانيا: المصافحة والعناق الذي تم بين السيد عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف في اول تموز (يوليو) الماضي في إسطنبول، على هامش مؤتمر لمنظمة التعاون الإسلامي حول القدس، وتأكيد صحف إيرانية ان السيد الجبير هو الذي بادر بالمصافحة.
ثالثا: سماح السلطات السعودية لعشرة دبلوماسيين إيرانيين بالتواجد في ثلاث مدن سعودية للسهر على راحة حجاجهم، رغم قطع العلاقات الدبلوماسية، واغلاق السفارات والقنصليات منذ جريمة حرق السفارة السعودية عام 2015.
رابعا: فتح معبر عرعر الحدودي بين العراق والمملكة لأول مرة منذ اكثر من عشرين عاما.
خامسا: اقدام السيد تامر السبهان في 13 تموز (يوليو) على مسح تغريدة على حسابه على “التويتر” هاجم فيها الامام الخميني بشراسة، ومنهجه الشيعي بعد 24 ساعة من نشرها، والسيد السبهان جرى ابعاده من بغداد التي عين فيها سفيرا للسعودية بسبب تدخلاته “الطائفية” في الشؤون العراقية الداخلية.
سادسا: الانفتاح السعودي على الشيعة العرب في العراق، واستقبالها اللافت للسيد مقتدى الصدر، واعلانها عن فتح قنصلية لها في النجف الاشرف، وحديثها عن مشروع سعودي اماراتي مشترك لاحياء الهوية العربية للعراق، وابعاده عن النفوذ الإيراني.
***
نعود الآن الى سؤالنا الأول، وهو عن أسباب هذا الانقلاب السعودي المفاجيء الذي بدد كل الآمال في بدء تقارب سعودي إيراني يؤدي الى تخفيف حدة التوتر بين البلدين، والتوصل الى تفاهمات في ملفات ساخنة وخلافية مثل الملفين اليمني والسوري، ويمكن التكهن بعدة أسباب في هذا المضمار:
الأول: ان تكون المملكة العربية السعودية، وهي المعروفة بحرصها على السرية والكتمان، قد استاءت من تصريحات للسيد قاسم الاعرجي، وزير الداخلية العراقي، كشف فيها عن ابدائها، أي المملكة، رغبة بان يقوم السيد حيدر العبادي بجهود وساطة بينها وبين طهران في مؤتمر صحافي عقده في طهران بحضور نظيره الإيراني، الامر الذي اظهرها بمظهر الضعيف.
ثانيا: غضب ايران من الانفتاح السعودي على القيادات الشيعية العراقية المعارضة لها، واستقبالها للسيد الصدر، ومحاولتها احياء عروبة العراقيين الشيعة، ومشاعرهم القومية العربية في اطار مشروع لفصلهم عن ايران، وتكوين “جبهة عربية” تتكون منهم ومن السنة العراقيين لتطويق النفوذ الإيراني في العراق، وبسبب هذا الغضب، ربما طلبت ايران من السيد الاعرجي افشاء سر الرغبة السعودية في الحوار مع ايران عبر وساطة السيد العبادي.
ثالثا: من غير المستبعد ان تكون الولايات المتحدة الامريكية، التي يعتقد انها اوحت للسعودية بالانفتاح على القادة العراقيين الشيعة لمواجهة النفوذ الإيراني، هي التي “فرملت” محاولة التقارب السعودي مع ايران أيضا، بالنظر الى فرضها عقوبات جديدة عليها وتصريحات ريكس تيلرسون، وزير خارجيتها الذي جدد اتهاماته لإيران بدعم الإرهاب، وتهديد السيد روحاني بالرد بإلغاء الاتفاق النووي.
رابعا: الأمير بن سلمان ينظر الى معظم الأمور، والعلاقات مع الدول خصوصا هذه الايام، من منظار قربها او بعدها عن دولة قطر، ولا شك ان التقارب الإيراني الكبير مع الدوحة، وفتح موانئها للبضائع القادمة اليها من تركيا ودول اسيوية وأوروبية، مما أدى الى كسر الحصار قد اثار غضبة، مضافا الى ذلك إزالة أي تناقض في مواقف الدول الأربع المقاطعة لقطر يقلل من مصداقيتها خاصة في مسألة مكافحة الإرهاب، فكيف تتقارب المملكة مع طهران في وقت تنتقد مثل هذا التقارب من قبل دولة قطر؟
***
بعد كل ما ذكرناه آنفا من نقاط يمكن ان تسلط الأضواء على الغضب السعودي المفاجيء تجاه ايران، يمكن التوصل الى خلاصة مفادها ان الصراع بين البلدين ربما يشهد تصعيدا على عدة جبهات، ابرزها الجبهة العراقية، حيث لا يمكن ان تسمح ايران بمرور المشروع السعودي الذي يريد احياء الهوية العربية لشيعة العراق، بل العراق ككل، على حساب النفوذ الإيراني، وبعد ذلك جبهتي الحرب في اليمن وسورية.
نفي السيد الاعرجي لتصريحاته التي تحدث فيها عن الرغبة السعودية في وساطة عراقية مع طهران بشكل مقتضب ومهين ايضا، وربما بضغط من رئيسه العبادي، هو قمة جبل الثلج، للانقسامات الكبيرة بين أوساط النخبة الحاكمة في العراق، وهي انقسامات قد تتفاقم في المرحلة المقبلة.
لا نستبعد ان ينعكس هذا الخلاف الإيراني السعودي الذي جاء، بعد مرحلة من الهدوء النسبي، على موسم الحج بطريقة او باخرى، وتصريحات مسؤولين سعوديين بأن المملكة لم تسمح للحجاج الإيرانيين بزيارة قبور الصحابة وآل البيت في البقيع، ونفيها ان تكون قد تعهدت بذلك للايرانيين، ربما يكون مؤشرا مهما في هذا الصدد.
الأيام المقبلة حافلة بالتوترات للأسف، ونأمل ان يمر موسم الحج بدون مشاكل هذا العام، وان كان لدينا بعض الشكوك، نتمنى ان لا تكون في محلها.