أكدت وزيرة حقوق الإنسان حورية مشهور أن قانون العدالة الانتقالية هو موضوع اللحظة والفترة القريبة والذي سيكون له أثار ايجابية في اليمن , حيث ستضيف حزمة من التدابير اللازمة لمعالجة ماشهدته اليمن من صراعات مسلحة في مناطق مختلفة .
مشيرة لدى افتتاحها اللقاء التشاوري الذي أقامته مؤخرا مؤسسة دعم التوجه المدني الديمقراطي ( مدى ) حول العدالة الانتقالية في اليمن ( مدى الحاجة ) أن سنة 2011 كانت استثنائية وحدثت فيها انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان سقط فيها الكثير من الضحايا .
ودعت إلى الوقوف عند هذه اللحظة والنظر للمستقبل , لان اليمن تتدهور أكثر وأكثر اقتصاديا وامنيا واجتماعيا وفي كل المجالات الأخرى .
وقالت مشهور ( إعادة بناء الدولة مسئوليتنا جميعا وعلينا أن نسعى لإنقاذه وترميم الجراح وإصلاح ماتهدم )
وأكدت مشهور على ضرورة أن تتم المصارحة والمكاشفة والمصالحة والتراضي بين كافة الأطراف المعنية لطي صفحة الماضي , منوهة إلى أن مشروع قانون العدالة الانتقالية يجب أن يكون بموافقة جميع الناس ليكون محل رضا وتوافق لا سخط واستهجان محذرة من عدم تفعيل القانون الذي قد يؤدي إلى الثأر للأخذ بالحقوق مضيفة ( نحن لا نريد دوامة العنف أن تستمر أو تتوسع وعلينا أن ننظر للمستقبل بثقة كبيرة ونطوي هذه الصفحة من حياتنا نهائيا )
وأشارت إلى تشكيل لجنة برئاسة وزارة حقوق الإنسان لتشكيل لجنة حقيقة للبحث عن الانتهاكات التي حدثت مؤخرا من اجل العمل على التغيير وعدم الاستهجان وعدم تكرارها وينبغي استلهام الدروس والعبرة منها .
ودعت إلى ضرورة تطهير الأجهزة التي قامت بالانتهاكات ولم تحتكم للقانون والتي كانت مخالفة للإصلاح المؤسسي . مؤكدة سعي الحكومة الجاد إلى تحسين سجل اليمن في مجال حقوق الإنسان .
فيما أكد علي البكالي في حديثه عن المبادرة اليمنية للعدالة الانتقالية أنها جاءت كمبادرة متخصصة من اجل المساعدة والمساندة وهي لا تعني الانتقال بقدر ما تزيل الضغائن المرتبطة بأحداث سياسية لم تقف بعد , مشددا على ضرورة الالتزام بخطوات العدالة الانتقالية .
و أوضحت إيمان شايف أن العدالة الانتقالية هي فلسفة ومنهجية هدفها أن تعالج ماضي انتهاكات جسيمة, وتساعد الشعوب على الانتقال بشكل مباشر وسلمي وغير عنيف إلى الديمقراطية .
مشيرة إلى انه يتم تطبيق العدالة الانتقالية لأنه لا يمكن التقدم للأمام وتحقيق أي انتقال ديمقراطي ما إذا لم تتم معالجة ملفات الماضي فيما يتعلق بتلك الانتهاكات، وأنها لا تقوم على الثأر والانتقام، ولكن الوصول إلى حل وسط بين الحاكم والمحكوم، بين مرتكب الانتهاكات وضحاياه، في محاولة لمراجعة ما تم، و الخروج الاستراتيجي منه، لإعادة بناء وطن للمستقبل يسع الجميع، قوامه احترام حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون.
وذكرت أن العدالة الانتقالية تهدف إلى التعامل مع ميراث انتهاكات حقوق الإنسان بطرق
ومناهج واسعة وشاملة تتضمن العدالة الجنائية، وعدالة جبر الضرر، والعدالة
الاجتماعية والعدالة الاقتصادية.
وترتكز على اعتقاد مفاده إن السياسة القضائية المسئولة يجب أن تتوخى هدفاً مزدوجاً وهو المحاسبة على جرائم الماضي، ومنع الجرائم الجديدة من الوقوع , كما لا تغفل الصفة الجماعية لبعض أشكال الانتهاكات مثل عمليات الإبادة الجماعية والمذابح الجماعية والتطهير العرقي، وغيرها.
وتحدثت عن الدوافع التي تحتم ضرورة مواجهة الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان، بشفافية وعلى هدي من مبادئ العدالة الانتقالية والمتمثلة في تصفية الحسابات بين الجاني والمجني عليه لضمان إرساء السلام الاجتماعي، ودعم التعايش السلمي بين ضحية هذا الانتهاك وفاعله, والانصراف عن الشكوى من انتهاكات الماضي إلى تعزيز مستقبل الديمقراطية وتقويتها، وذلك لاعتبار أن الديمقراطية لا يمكن أن تقوم على أكاذيب، وأن
مواجهة الماضي يمكن أن تؤدي إلي ديمقراطية أكثر قوة، وذلك من خلال إرساء مبدأ المحاسبة، ومكافحة ثقافة الإفلات من العقاب.
معززة الواجب الأخلاقي في مواجهة الحقيقة بمعنى الاعتراف بالضحايا من جانب الجاني، وتقبل الضحايا للانتهاكات التي وقعت في حقهم، لأن النسيان هنا يعتبر شكلاً من أشكال إعادة الإحساس بالظلم والإهانة هؤلاء الضحايا، وبالتالي فإن أسلم الحلول وأقلها ضررا هو فتح جراح الماضي بشفافية من خلال أشكال عديدة من بينها لجان الحقيقة، ومبادرات المصالحة الوطنية.
بالإضافة إلى تجنب تكرار نفس الفظائع في المستقبل بمعنى أن تكون عملية التذكر ونبش الجراح والمحاسبة هي عنصر ردع وتخويف لمن تسول له نفسه بارتكاب انتهاكات مماثلة في المستقبل.
مشيرة إلى أن العدالة لانتقالية تقوم على خمسة مناهج أولية لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان الماضية وهي المحاكمات والتحقيق في الجرائم بموجب القانون الدولي الملزم لكافة دول العالم ومحاسبة المسئولين عنها وفرض عقوبات عليهم ، ولا يشترط أن يتم ذلك في محاكم دولية مثل المحكمة الجنائية الدولية مثلا ، ولكن يمكن تطبيقها في محاكم محلية أو وطنية , وإنشاء لجان لكشف الحقيقة وتعويض الضحايا وجبر الأضرار ويشمل ذلك التعويض المادي والمعنوي المباشر عن الأضرار أو ضياع الفرص ورد الاعتبار لمساندة الضحايا معنوياً، واستعادة ما فقد، إن أمكن.
بالإضافة إلى الإصلاح المؤسسي والذي يعتبر أحد الآليات التي تحتاجها البلدان الخارجة للتو من قمع الديكتاتوريات خاصة، ويعتبر هذا الإصلاح ضروري لتفادي وقوع انهيار حضاري أو ديمقراطي في المستقبل.
وأخيرا إقامة النُصُب التذكارية وإحياء الذاكرة الوطنية الجماعية كآلية لإحياء ذكرى الضحايا والتأكيد المستمر على عدم الوقوع في نفس الأخطاء مرة أخرى
وأضافت ( لا تعمل آليات ومناهج العدالة الانتقالية بصورة منفصلة عن بعضها البعض إنما تعمل وفق رؤية تكاملية فيما بينها. فمثلا قد يعتبر البعض إن قول الحقيقة دون تعويضات خطوة بلا معني خصوصاً إذا أعطيت وعود بالتعويض. ومن جانب آخر
إذا تم منح تعويضات مادية دون عمليات مكملة لقول الحقيقة والمكاشفة سيتوقع
من هذا خطورة أن ينظر الضحايا إلي هذه التعويضات كمحاولة لشراء صمتهم. كما
أن تكامل عملية التعويض مع المحاكمات يمكن أن توفر جبرا للأضرار أكثر شمولا
مما توفره كل على حدا.
مؤكدة أن العدالة الانتقالية هي أهم بكثير للحكام من المحكومين، وان أكثر مناطق العالم احتياجا لتطبيق مبادئ العدالة الانتقالية في الشرق الأوسط هو صاحب الإرث الأكبر من
النزاعات في العالم، فضلا عن الصبغة الديكتاتورية لغالبية حكام دول
المنطقة، ومن ثم فإن ''العدالة الديمقراطية'' تُعد مخرجا استراتيجيا للحكام العرب إلى المجتمع الديمقراطي.
لكن للأسف بعض الحكومات العربية تعتبر فتح ملفات الماضي أمر لا جدوى منه فكل
الأطراف أخطأت، وكلها متمسكة بما قامت به من انتهاكات أو أخطاء، وبالتالي
فإن فتح هذا الملف لن يخرج بنا إلى نتيجة سوى المزيد من التعقيد على حد قولهم.
وأوضح عبده محسن أن مسودة مشروع قانون العدالة الانتقالية وضع بسبب إغفال قانون الحصانة ( الذي يقف عائقا أمام تحقيق آلية المحاكمات ) لطرف المجني عليه وتركيزه على الجاني فقط , حيث أعطى المشروع المجني عليه أو ورثته بعض الحقوق كالتعويضات وجبر الضرر .
وقد خرجت الفعالية بعدة ملاحظات وانتقادات حول مسودة مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية ومن أهمها أن يسمى هذا القانون بقانون إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة الوطنية لان القانون لا يشمل المعنى الحقيقي للعدالة الانتقالية وان جزء منها فقط وهو المصالحة .
واستغرب الحاضرون من التوقيت الزمني لاصدار مثل هذا القانون والتسريع في اجراءاته وتقديمه لمجلس النواب , مشيرين ايضا الى ان المسودة لم تنص او تشجع على أي نوع من المشاركة او الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني او التنظيمات الشبابية او التكوينات الاجتماعية الاخرى في أي من تفاصيلها وكأنها لاتعني للمواطن اكثر من نص في وثيقة حكومية , وكأن المقصود فيها ايضا هو المراضاة بين الاطراف المكونة لتوافق الحكومة فقط .
ويوحي الفصل الثاني بأنشاء هيئة معزول تماما عن القضاء مما يؤدي الى مايشبه قانون طوارئ بموجبه ينظر في كل القضايا مهما كان نوعها بحجة الصبغة السياسية التي اضيفت عليها بموجب مواد هذه المسودة .
وشدد الحاضرون على ضرورة ان تشمل مواد هذه المسودة على جانب تقصي الحقائق حول الانتهاكات المرتكبة خلال فترة سريان هذا القانون ورفع الدعاوى القضائية للجهات القضائية الرسمية , واعادة هيكلة الجهات الحكومية التي شاركت او ساهمت بشكل مباشر او غير مباشر في تلك الانتهاكات
هذا ويعد مفهوم العدالة الانتقالية من المفاهيم التي ما تزال غامضة بالنسبة للكثيرين , ويتساءل الكثير حول الفرق بينها وبين العدالة التقليدية .
ومفهوم العدالة الانتقالية يعني الاستجابة للانتهاكات المنهجية أو الواسعة النطاق لحقوق الإنسان بهدف تحقيق الاعتراف الواجب بما كابده الضحايا من انتهاكات وتعزيز إمكانيات تحقيق السلام والمصالحة والديمقراطية , وتحقيق العدالة أثناء المرحلة الانتقالية لتي تمر بها دولة من الدول .
وقد شهد العالم منذ سبعينيات القرن الماضي أكثر من 30 تجربة للعدالة الانتقالية من أهمها تجربة تشيلي والأرجنتين وبيرو والسلفادور ورواندا وسيراليون وجنوب أفريقيا وتيمور الشرقية وصربيا واليونان .
وتبرز تجربة المغرب من خلال هيئة الإنصاف والمصالحة كمثال يستحق التقدير حيث تميزت بعنصر المشروعية ووجود إرادة سياسية شكلت أرضية للإصلاحات وهو ما اثبت إمكانية تحقيق العدالة الانتقالية من داخل السلطة وبإشراك المعارضة .
وقد طرح موضوع العدالة الانتقالية بصفة مباشرة من قبل هيئات رسمية في إطار ديناميات المصالحة الوطنية في كل من الجزائر والسودان والعراق , كما بدأ الموضوع يفرض نفسه في سياقات ذات صلة بتعزيز الديمقراطية وتثبيت الوحدة الوطنية في كل من البحرين وموريتانيا , وطرح الموضوع كإرهاصات وكدعوات للتفكير في سياقات التصدي لإشكاليات التحول الديمقراطي والتفكير الاستراتيجي المرتبط بها في كل من لبنان واليمن , وبدأ يظهر كأشكال للتفكير أو كإغراء الأكاديمي في اطروحات بعض النخب السياسية والحقوقية في كل من مصر وسوريا والأردن .