مذكرات ليست شخصية ( 5 )
أيها العرب المغاربة : أمواتكم رَوَوْا لي حكايتهم في مقابرهم البلقانية؟!!
عباس عواد موسى
لم ألتفت سابقاً إلا إلى مقبرة ( العرب المغاربة ) في مدينة أوخريد أشهر المدن السياحية في مقدونيا . والتي تضمُّ رفات العرب المغاربة الذين أجبرهم المُسْتَعْمِرِ الفرنسي البشع على اقتيادهم لحربٍ لا تعنيهم , وهي الحرب العالمية الأولى . ولكن سونيتة أحدهم وقد كنت أبحث عنها وهي بعنوان ( ألضوء الساطع فوق بحيرة بريسبانس ) , كتبها وهو يقف على ارتفاع 1800 متراً عن سطح البحر , عندما جاشت طبيعة البلاد الخلاّبة مشاعره , وفي أحد أبياتها حاكى الطبيعة المقدونية , قادتني إلى مقابرهم في العاصمة الكرواتية ( زاغرب ) والعاصمة الصربيّة ( بلغراد ) والعاصمة المقدونية ( اُسْكوبْيِةْ ) بالإضافة إلى مدينة ( بيت اُولا ) ثاني المدن المقدونية .
ألوفود الدولية تزور المقابر مرتين كلّ عام , ألمرة الأولى تقع في الفترة بين الخامس عشر والعشرين من شهر أيلول فيما يُخَصَّصُ للمرّة الثانية يوم الحادي عشر من شهر تشرين الثاني وهو يوم انتهاء الحرب العالمية الأولى.
ستة وثمانون عاماً مضت على دفن جثامين العرب المغاربة في المقبرة الواقعة في شارع ( سامويلوفا ) وتحاذيها القلعة العثمانية ومبنى السفارة الأمريكية .
بلغ عدد القبور التي ضمّت جماثينهم 384 قبراً جماعيّاً في المدن المُشار إليها , لكن فرنسا طالبت بتشكيل لجنة لتشخيص الجثامين باعتبارهم دافعوا عن الأمن القومي الفرنسي في عام 1921 , وحسب اللجنة فإن عدد جثامينهم بلغ 7 في زاغرب وفي بلغراد 280 وفي بيت اُولا 5990 وفي اُسكوبية 930.
وفي الرابع عشر والخامس عشر من أيلول عام 1923 تم تسليم جثامينهم إلى هيئة مراسم التشييع التي كان يُشْرفُ عليها المارشال ( فرانشي ديسبيري ) قائد الجبهة الشرقية . وتمَّ تصميم مقابر لهم .
ألمقبرة التي ضمت رفات موتى المغاربة في اُسكوبية كانت من تصميم المهندس المعماري ( يوسف نعمان ) الذي تلقّى تعليمه الجامعيّ في باريس .
ثمانية وتسعون بالمئة من الذين قاتلوا مع الجيش الفرنسي يدينون بالإسلام غالبيتهم العظمى عرب مغاربة وعدد منهم كان من السنغال . وعلى المقبرة يُلْفِت’ صديقي الألباني نظري إلى الصليب الموضوع على الجدار الأيمن لمدخلها.
( ألعمّ مصطفى أبوسالم ) يقارب عمره المائة وعشرة أعوام من بلدة ( كِدْنا ) التابعة لمدينة الخليل الفلسطينية , كان العثمانيون قد أخذوا والده لِيُعَلِّم السكان الدين الإسلامي الحنيف . زرته في منزله بمدينة ( ديبار ) ليقول لي : إلتقيت بالعرب المغاربة وأفادوني بأنهم على الإلتحاق بالجيش والقدوم إلى هنا لَمُكْرَهونْ .