اخبار الساعة - جمال محمد حسين
تحصد شاحنات النقل الثقيل على طول طريق جعار - الحصن - باتيس أرواح مواطنين وعابري سبيل لا ذنب لهم إلا التواجد على «طريق الموت» هذا، ولعل سائقي الدراجات النارية هم أبرز ضحايا تلك الشاحنات.
الأسبوع الماضي فقط أبلغ عن حادث مروري قتل على اثره سائق دراجة نارية بعدما اجتاحته إحدى تلك الشاحنات وهشمت له رأسه قبل أن تطمس ملامح وجهه على اثر سقوطه بين عجلاتها، كيف لا والسرعات الجنونية لتلك الشاحنات هي العامل الأبرز في هذه الحوادث، ناهيك عن الحمولات الثقيلة التي تحتويها وتتخطى طاقتها الاستيعابية.
الضحية هو الثاني في عداد راكبي الدراجات النارية، أما الشاحنة فكانت تنوء بحمولة ثقيلة من أكياس «إسمنت مصنع الوحدة» في باتيس، وعلى خط السير ذاته تمر أيضاً شاحنات أخرى محمَّلة فوق طاقتها بالأحجار، وهنا لا بد من التنويه إلى ما قاله أحد المواطنين عن أن «شاحنات مصنع إسمنت الوحدة-أبين تحتل النسبة الأكبر من إجمالي باقي الشاحنات العاملة على هذه الطريق، كما أنها الأكثر نشاطاً، وحركتها مستمرة على طول خط باتيس جعار زنجبار، ثم خط أبين عدن»، موضحاً أنها «تمر خلال رحلتها إلى المصنع ذهاباً وإياباً بمنطقة الحصن، في ما على جانبي الطريق تتواجد مساكن شعبية متواضعة للمواطنين في منطقة الحصن».
منازل مهددة بالسقوط
ويضيف المواطن الذي فضَّل عدم الكشف عن اسمه، أن تلك المساكن «تعرضت للخطر بسبب حركة الشاحنات التي تتسبب بخلخلة أساسات تلك المنازل على اثر ما تتركه من اهتزازات لدى مرورها، وهي أدت لتشققات في جدران عدد منها».
ويشرح أنه «قد كان لسقوط أحد تلك المنازل، الذي كان قديماً ومبنياً من الطين، الأثر العميق في نفوس سكان المنازل على جانبي طريق الحصن باتيس، حيث حالات القلق لا تفارقهم لدى كل مرور لشاحنة، فيسيطر عليهم الخوف من هاجس سقوط منازلهم فوق رؤوسهم».
المواطن صالح مبروك عوض الذي يملك منزلاً على الخط العام لطريق منطقة الحصن، هو أحد هؤلاء المواطنين الذين يعانون من حركة تلك الشاحنات، وهو رافقنا في جولة داخل منزله كشفت عن الأضرار التي تسببت بها تلك الشاحنات، بين التشققات في الجدران، إلى سقوط جدار إحدى الغرف، وما أسفر عنه من أضرار في الأثاث.
الإحجام عن تحمل المسؤوليات لم يعجز أصحاب الحقوق
يؤكد عوض أنه تقدم بشكوى ضد عمل شاحنات «مصنع أسمنت الوحدة» إلى محافظ أبين اللواء ركن أبوبكر حسين، الذي أحالها بدوره لإدارة المصنع بغرض دفع التعويضات على الأضرار، غير أنه وحتى اليوم لم تعمد تلك الإدارة لدفع أي مبلغ مالي من شأنه أن يعين عوض على ترميم منزله المتضرر، على أن تعنت إدارة المصنع وإحجامها عن تحمل مسؤولياتها لم يعجز عوض، الذي شدد على استمراره في متابعة القضية حتى النهاية.
على المقلب الآخر من «طريق الموت» يقع منزل المواطن خالد عوض، وقد بدت التشققات ظاهرة بوضوح في جدرانه على أثر الحركة الدائمة لشاحنات النقل الثقيل، وهي تشققات تزداد اتساعاً كلما هدرت شاحنة جيئة وذهاباً.
خالد أكد لـ«العربي» أنه طالب السلطة المحلية أبين ومعها «مصنع إسمنت الوحدة» بتعويضه لما لحق به من ضرر جراء مرور شاحنات المصنع، وإلى جانب الأثر المادي، يسلط الضوء على الأثر النفسي الذي لا يقل أهمية عما سبقه.
النوم رفاهية مفقودة!
يوضح أن النوم له ولأفراد عائلته بات في خانة «الرفاهية المفقودة»، فأصوات حركة الشاحنات ليلاً كفيلة بأن تبقيهم مستيقظين، هذا عداك عن الاهتزازات التي تصيب المنزل طوال فترة الليل.
يقول خالد: «لا ننام في المساء نتيجة أصوات الشاحنات وحركتها التي تهز منازلنا، ولا نذوق راحة النوم إلا بتوقفها قرب الفجر، وتعاود الحركة في الصباح لنعود لنفس المعاناة».
خلال تجوالنا داخل المنازل المتضررة على جانبي الطريق، تحدثت إلينا المواطنة تونس محمد محسن، معبرة عن قلقها المستمر ومخاوفها من سقوط منزل أسرتها المتواضع، والمبني من الطين، وتؤكد أن «المخاوف تتزايد مع استمرار حركة الشاحنات واهتزاز الأرض من تحت أقدامنا، خاصة خلال فترة الليل، مع حركة الشاحنات وصوتها القوي الذي يطير النوم من العين، هذه معاناة ليلية مستمرة لم نجد من يرفعها عنا».
الشاحنات تدمر طريق جعار باتيس!
حركة شاحنات النقل الثقيل التابعة لمصنع «إسمنت الوحدة» باتيس، وكذلك الشاحنات الأخرى التي تنقل الأحجار الكبيرة وغيرها من الشاحنات التي تمر بخط سير باتيس-الحصن-جعار، والتي عادة ما تكون محملة فوق حمولتها المقررة وتشكل ضغطاً كبيراً على الطريق تسببت ببروز تشققات فيها، كما أنها تشكل خطراً على المواطنين ومخاوف من سقوط بعض حمولتها عند مرورها في الأسواق العامة، كسوق الحصن وأمام سوق القات بجعار، وهو السوق الذي لا تهدأ على جانبيه حركة المواطنين والسيارات والباعة المتجولين؛ مخالفات كثيرة تتكرر صورها من دون حسيب أو رقيب رسمي في أبين.
الناشط في المجال الإعلامي والحقوقي الأستاذ أمين حسين سالم، أوضح أن «معاناة المواطنين تزداد يوماً تلو الآخر جراء تلك الشاحنات، وقد تسببت بتشقق المنازل وسقوط منزل أحد المواطنين في الحصن، ناهيك عن المشاكل المرورية وازدحام الطرق عند حركتها، خاصة عند مرورها في وسط المدن والأسواق العامة، وقد تسببت بأكثر من حادث مروري مؤلم ومؤسف، راح ضحيتها شبان من منطقة باتيس، هم من سائقي الدراجات النارية»
ويضيف «نحن نطالب السلطة المحلية بإيجاد الحل ووضع حد للأضرار والحوادث التي تسببت بها حركة هذه الشاحنات الثقيلة على منازل المواطنين وقد طالت أرواحهم».
ماذا عن الحلول؟
المقدم عبدالله صالح محمد السومحي، مدير إدارة مرور مديرية خنفر، تحدث إلينا بمرارة عن وضعهم كإدارة مرور، إذ «لا تملك مكتباً تباشر فيه عملها ولا تملك حتى دراجة نارية للعمل»، هذا فضلاً عن «غيرها من الهموم».
وفي ما يخص عمل شاحنات النقل الثقيل، أوضح أنه «لا يوجد بيدنا حيلة لإنشاء خط سير ثاني يكون خاصاً بهذه الشاحنات، كما أنه ليس بمقدورنا توسيع الخطوط وترميمها، كون ذلك يخص جهات مختصة وسلطة محلية»، موضحاً أنهم رفعوا طلباً بذلك للجهات المختصة يدعوها «للتدخل ووضع الحلول والمعالجات لإنقاذ حياة المواطنين المتضررين من هذه الشاحنات».
مع صمت السلطة المحلية والجهات المستفيدة من حركة هذه الشاحنات، تزداد معاناة المواطنين الواقعة مساكنهم بمحاذاة الخط العام، خاصة وأن الأضرار التي تطال منازلهم تتزايد باستمرار، كما أن مخاطر خط السير المتهالك يضاعف من احتمال الحوادث المرورية وإزهاق العديد من الأرواح البريئة لأناس جل «ذنبهم» أنهم مروَّا مجبرين على هذه الطريق مع غياب البديل، فهو الخط الوحيد الذي يربط جعار بمناطق الحصن وباتيس، وهو بأمس الحاجة لأعمال ترميم وتوسعة؛ وهنا يرى متابعون أن مثل هكذا أعمال قد تمثل أحد الحلول الرئيسية لتقليل خطر الحوادث؛ أما الحل الثاني فيرون أن يكون بتعويض عادل للمواطنين المتضررة منازلهم، يأتي كحل جذري لمشكلتهم، أما الحل الثالث فيكون بتحديد أوقات مناسبة لحركة الشاحنات تكون خارج أوقات الذروة، التي تشهد الطرق والأسواق خلال حركة دؤوبه ونشطةً للسكان.