اخبار الساعة
وشاهدتُ كما شاهـدَ الكثيرون طوال يوم السبت 23 شباط فبراير الجاري وصول زعماء ومسئولون عرب وأوربيون إلى مطار شرم الشيخ المصري لعقد قمة عربية أوربية هناك يوم الأحد 24 فبراير، وكان من اللافت والمستغرب بالأمر – على الأقل لكاتب هذه السطور – أن مستوى وشكل استقبال الضيوف لم يكن خاضعاً للبروتكولات السياسية المعهودة في مثل هكذا لقاءات وقمم، بل خاضعَ لمعيارَيّ الفقر والغنى، وقد تجلى هذا بوضوح بأرض المطار وصالاته … فهذا الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز مليك أغنى الممالك “التي عندها فلوس زي الرز″- بحسب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي- يحظى باستقبال حار من رئيس الجمهورية السيسي، ليأتي بعده مليك أقل منه ثراءً ودسومة ملك البحرين “حمد بن عيسى آل خليفة” ليحظى هو الآخر باستقبال أقل حفاوة وأدنى مستوى من سلفه، حين كان استقباله بمستوى رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى/ كل على قدر ما يملك من نفط ونقد واحتياطي ثروات . ليأتي بعدهما مباشرة رئيس أتعس الدول العربية “اليمن” ممثلة بعبدربه منصور هادي الذي من سوء حظه – بل قُل من سوء فقره – أن يكون مستوى استقباله في الدرك الأسفل من التجاهل والازدراء يتعرض له رئيس دولة، بأن يعهد باستقباله لوزير بالحكومة المصرية وليس لرئيس الدولة أو على أقل تقدير رئيس الوزراء أو على أقلها نائب رئيس الوزراء, أوفي أضعف الاستقبال وزير الخارجية, وهو ما لم يحدث فعلاً، بل كان في استقبال رئيس هذه الدولة “اليمن” وزيرة البيئة ياسمين صلاح الدين.! لا نعلم ما العلاقة بين البيئة ورئيس دولة اليمن..؟ ولماذا رئيس دولة يكون نظيره وزير..؟؟.. ولا نعلم هل كان فقر اليمن عقوبة للرئيس هادي حتى يتم تجاهله بهذا الشكل المهين وأو أن هاديا هو بذاته عقوبة لليمن..؟ أو أن ذنْبه وجريرته أنه رئيس دولة لا تمتلك نفطي لا فلوس ولا أرز..؟. و لسان حاله يردد:
(فِيمَ الإقامةُ في الزوراءِ لا سَكَني× بها ولا ناقَتي فيها ولا جَمَلي).
لا نؤيد المبرر الذي يسوقه البعض لتبرير هذا التجاهل بالقول أن الرئيس اليمني هو رئيس “افتراضي”، رئيس بلا دولة على الأرض، كونه مطرودا من وطنه ويقبع بفنادق الرياض لا حول له ولا طول ويعيش على المعونة السعودية، ولا يمتلك من أمره شيئا، وأن هذا المستوى من الاستقبال هو مستوى عادل لحجمه ومكانته الرئاسية الافتراضية–وفقاً لهذا التبرير-. فهذه التبريرات لا نظنها منطقية لتبرير هذا التجاهل وهذا التقليل الذي تلقاه الرئيس هادي بشرم الشيخ، فكلما بالأمر أنه رئيس دولة ليست من الدول الست السمان بالمنطقة، فوق أنها دولة أنهكتها حرب دامية تشارك بها عدة دول بما فيها مصر التي قللت من مكانة هذا الرئيس ومن حجمه، فضلا التقليل من حجم ومكانة الدولة التي يمثلها أو التي يفترض أنه يمثلها “اليمن”، و التي من سوء حظها أن يكون لها رئيس بهذا الشكل من الضعف و الهوان، فضلا عن سوء طالعها أن الذي يمثلها اليوم هو جزء من مأساتها التي تتكور ككرة ثلج منذ أذار مارس 2015م عام العاصفة السعودية باليمن, العاصفة التي عصفت وما تزال باليمن شماله وجنوبه بكل الصُــعد بما فيها كرامته وقراره الوطني والسيادي.
و مع ذلك فلم يكن فقر اليمن هو السبب الرئيس لهذا التجاهل الذي يتعرض له الرئيس هادي ليس فقط في شرم الشيخ بل وتعرض لمثله عدة مرات بعدة دولة منذ تسلمه السلطة عام 2012م، فاليمن التي يقودها الرئيس هادي اليوم هي ذاتها اليمن التي كانت قبله، دولة محدودة الموارد، ومع ذلك كان لها قبل شنّــة ورنّــة بالمنطقة, وكان رئيسها يحظى بتقدير حيثما حلَّ ورحلَ، كل رئيس يمني منذ استقلال اليمن الجنوبي 1967م ورئيسها الأول “سالم ربيع علي” وحتى آخر رئيس لها قبل الوحدة علي سالم البيض مرورا بالرئيس ناصر، واليمن الشمالي الجمهوري ورئيسها الأول “عبد الله السلال” عام 62م , بل وحتى يمن ما قبل اليمن الجمهوري بصنعاء كان لها مكانتها وحظوتها دولة مهابة ، فيكفي أنها من مؤسسي جامعة لدول العربية ومن البلدان التي كانت تصدر القمح والحبوب ومختلف أنواع الفواكه والخضروات قبل طفرة النفط الى دول الجوار النفطية أو – مدن الملح – بحسب توصيف الروائي السعودي الكبير عبدالرحمن منيف.!
المصدر: رأي اليوم