العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج والدول العربية.. آفاق وتحديات
بتاريخ 2012-04-14T06:20:13+0300 منذ: 13 سنوات مضت
القراءات : (3691) قراءة
اخبار الساعة
- 100 مليار دولار حجم التدفقات الاستثمارية الخليجية المباشرة إلى كل من مصر والأردن وتونس والمغرب والجزائر
- مجلس التعاون الخليجي يعتبر الشركاء التجاريين العرب العمق الاستراتيجي لدول المجلس في مواجهة التكتلات الدولية
- دول مجلس التعاون جميعاً انضمت إلى اتفاقية التجارة الحرة العربية الكبرى التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2005
انطلاقاً من حرص دول المجلس التعاون الخليجي على تعزيز أوجه التعاون الاقتصادي بينها وبين الدول العربية كافة، وسعياً إلى توسيع آفاق التكامل الاقتصادي العربي، تنظّم غرفة تجارة وصناعة الشارقة ملتقى الشارقة الثاني للأعمال 2012، تحت رعاية كريمة من سمو الشيخ سلطان بن محمد بن سلطان القاسمي ولي عهد ونائب حاكم الشارقة، وذلك خلال الفترة 52-26 من إبريل الجاري في مقر الغرفة.
وفي هذا الإطار تحدث حسين محمد المحمودي مدير عام غرفة تجارة وصناعة الشارقة، قائلاً:
"شهد بعض الدول العربية في الآونة الأخيرة أزمات جسيمة أثرت على مختلف المجالات وخاصةً المجال الاقتصادي، وبالرغم من ذلك تسير العلاقات الاقتصادية بين الطرفين بخطا ثابتة نحو التنامي والتطور المستمرين، حيث إنّ أسس التعاون الخليجي- العربي في غاية المتانة، ومستقبله واعد، لذلك يأتي ملتقى الشارقة الثاني للأعمال تأكيداً على قوة العلاقات الخليجية-العربية، ومتانتها، حيث يتمّ العمل على توسيع التبادلات الثقافية والتقنية إلى جانب الاتصالات الاقتصادية والتجارية بشكل إيجابي ونشط، بما يضمن استمرارية تطور العلاقات العربية الخليجية نحو الأفضل في مختلف المجالات".
وفي هذا السياق، وبمناسبة تنظيمها لهذا الحدث، أجرت غرفة تجارة وصناعة الشارقة العديد من الدراسات والتقارير التي تلقي الضوء على طبيعة الاقتصاد الخليجي، ومن ضمنها "العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج والدول العربية".
حيث استطاع مجلس التعاون الخليجي خلال العقود الثلاثة منذ إنشائه في 25 مايو 1981، تجاوز العديد من التحديات على المستوى العربي والإقليمي والدولي، وواجه المجلس -بحكمة بالغة- الظروف التي مرّت بالمنطقة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ومن أجل تعميق أواصر التعاون الاقتصادي مع الدول العربية، وافق المجلس الوزاري لدول الخليج في دورته الثامنة والسبعين التي عُقدت في مارس 2001، وبناء على توصية لجنة التعاون المالي والاقتصادي، على دخول دول المجلس بشكل جماعي في مفاوضات مباشرة مع أهم الشركاء التجاريين العرب، باعتبارهم العمق الاستراتيجي لدول المجلس في مواجهة التكتلات الدولية، للوصول إلى الإعفاء المتبادل الكامل لجميع السلع، وإلغاء القيود الجمركية وغير الجمركية والضرائب الأخرى ذات الأثر المماثل بين دول المجلس والدول العربية. وتنفيذاً لذلك، انضمت جميع دول المجلس إلى اتفاقية التجارة الحرة العربية الكبرى التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2005.
تدفقات استثمارية خليجية
أظهرت تقديرات "صندوق النقد الدولي" ارتفاع حجم التدفقات الاستثمارية الخليجية المباشرة إلى الدول العربية، وخاصة مصر، والأردن، وتونس، والمغرب، والجزائر بصورة كبيرة خلال الأعوام الماضية منذ عام 2002، حيث يقدر حجم تلك التدفقات بنحو 100 مليار دولار، في حين دعا عدد من المحللين والاقتصاديين إلى قيام تعاون اقتصادي أكبر على مستوى الحكومات والقطاع الخاص في دول الخليج والدول العربية الأخرى، لدمج تلك الاستثمارات في إطار الجهود والمشاريع الهادفة لتحقيق التكامل الاقتصادي العربي.
وأشار تقرير حديث صادر عن "صندوق النقد العربي" إلى ارتفاع قيمة التجارة البينية بين دول الخليج العربي والدول العربية بنسبة 18.2 % العام الماضي 2011، حيث بلغت نحو 49.6 مليار دولار، وذلك مقارنة بنحو 33.5 مليار دولار في عام 2010. واحتلت السعودية مرتبة متقدمة في قائمة التجارة العربية البينية، إذ شغلت المركز الأول في قائمة المصدرين العرب للدول العربية بقيمة 7.9 مليار دولار، حيث بلغت صادراتها لهذه الدول نحو 37.2 % من إجمالي الصادرات العربية- العربية، تليها الإمارات التي بلغت صادراتها نحو 2.8 مليار دولار، وشكلت هذه الحصة ما نسبته 13.3 % من إجمالي هذه الصادرات.
أمّا من جانب الواردات فقد حلت السعودية ثانياً، إذ استوردت من الدول العربية بقيمة 1.9 مليار دولار، بحصة تبلغ 10.5 % من الواردات العربية البينية، في حين تصدرت الإمارات وعمان قائمة أكبر المستوردين من الدول العربية بقيمة تبلغ نحو 2.1 مليار دولار، وتستأثر الواردات البينية لكل منهما بنحو 11.6 % من إجمالي الواردات العربية البينية.
وحلّت مصر في المركز الثالث بقيمة 1.5 مليار دولار بنسبة تبلغ 7.3 %، سواء من إجمالي الصادرات أو الواردات البينية العربية. وقد بلغت قيمة الصادرات البينية 21.4 مليار دولار بزيادة سنوية 20.2 % عن العام الأسبق، كما بلغت قيمة الواردات البينية نحو 18.2 مليار دولار بزيادة سنوية بلغت نسبتها 15.9 %.
كما ارتفعت قيمة الصادرات البينية لبعض الدول العربية -لأول مرة- إلى ما يزيد عن مليار دولار، وهذه الدول هي سوريا (1.3 مليار دولار) والأردن (1 مليار دولار) والعراق (1.3 مليار دولار)، بالإضافة إلى عمان (1.2 مليار دولار).
ووفقاً لبيانات "صندوق النقد الدولي"، فقد شكلت التدفقات الاستثمارية الخليجية إلى مصر نحو 25 % من إجمالي التدفقات الاستثمارية الواردة إليها، حيث تمت معظم تلك الاستثمارات في مشاريع عمرانية وعقارية وقطاع الاتصالات والسياحة، علاوة على القطاع المالي. كذلك الحال في تونس التي مثلت لديها حصة دول مجلس التعاون 1.6 مليار دولار، أما في المغرب، فقد بلغت حصة دول التعاون من إجمالي التدفقات الاستثمارية الواردة إليها 2.8 مليار دولار، وقد ذهبت معظمها في مشاريع عمرانية وسياحية أيضاً.
وفيما يخصّ الاستثمارات الخليجية الموجهة نحو البورصات العربية، تقدر بيانات الصندوق أن بورصات القاهرة وعمان والدار البيضاء حازت نصيب الأسد من تلك الاستثمارات. وتحوز رؤوس الأموال غير الوطنية أكثر من الثلث في تداولات أسواق القاهرة، ونحو النصف في المغرب، وتحوز الاستثمارات الخليجية نحو النصف من تلك الرساميل.
ومن جهة أخرى، يلاحظ في هذا الصدد الارتفاع الكبير الذي شهدته الاستثمارات العربية الوافدة إلى السعودية، إذ قفزت من 76.8 مليون دولار عام 2000 إلى 721.2 مليون دولار خلال العام الماضي، بسبب الانفتاح الذي عرفته المملكة في السنوات الأخيرة، خاصة بعد العمل بقانون تشجيع الاستثمار الأجنبي، الذي شمل خفض الضرائب، وتعديل نظام الكفيل المتعلق باستقدام العمالة الأجنبية، ومنح المستثمرين حقوق ملكية العقارات وحقوق الاستفادة من التسهيلات المصرفية، وحماية الاستثمارات الأجنبية من المصادرة إلّا بحكم قانوني، بالإضافة إلى إنشاء الهيئة العامة للاستثمار التي تتولى الإشراف على الاستثمارات وتقديم التسهيلات اللازمة.
توسيع القاعدة الاقتصادية
يرى بعض المحللين أن دول "الربيع العربي" قد تكون وجهة أكثر تفضيلاً للاستثمارات الخليجية في الأعوام المقبلة، فهذه الدول تشهد تراجعاً اقتصادياً، وهي تحتاج إلى مشاريع تنموية كبيرة تساهم في حل مشكلات الفقر والبطالة والتعليم والصحة. وعليه، فإن توجيه السيولة الخليجية الفائضة إلى هذه الدول سيشكّل قراراً استثمارياً أفضل.
ويؤكد الخبراء أنه لابد من استكشاف الإمكانيات التي تطرحها الأسواق الخليجية أمام المنتجات العربية، فالعلاقات التعاونية في المجال الاقتصادي لم تعد اليوم مقتصرة على مجالات محددة، بل يجب توسعيها إلى مجالات أخرى تشمل المجتمع والثقافة، خاصة في عالم سريع التغير، حيث لم يعد مجدياً الاكتفاء بمقاربة أحادية الجانب، لأن العلاقات الوجدانية والقومية لم تعد كافية، بل لا بد من تركيزها بارتباطات ملموسة يجسدها توسيع القاعدة الاقتصادية المتبادلة بين الأطراف كافة.
وفي التحليل الأخير، فإنّ حجم التعاون الاقتصادي البيني العربي -بشكل عام- لا يرقى إلى مستوى الجهد الجماعي المنظم، فجهود التكامل الاقتصادي لدول المنطقة مازالت قاصرة إلى حد بعيد، ولم تتمكن من إحداث تطوير عميق في البنية الإنتاجية العربية، وذلك لعدد من الأسباب والعقبات التي يجب التخلص منها، ومن أهمها: غياب الشفافية والمعلومات، وتعدّد القيود غير الجمركية والتي ما تزال تشكل عقبة رئيسة أمام تفعيل منطقة التجارة الحرة، واعتماد أغلب اقتصادات البلدان العربية على إيرادات الجمارك والضرائب لسدّ احتياجاتها المالية والتنموية، وغياب الإرادة السياسية بشكل أساسي لدى معظم الدول العربية، وأخيراً عدم تحييد العمل العربي المشترك عن الخلافات السياسية، بالرغم من امتلاكها في الوقت نفسه لمقومات نجاح معادلة تجربة التكامل والاندماج.