ربما يكون أقسى ما يتعرض له إنسان هو أن يجد نفسه يتلقى رسالة إخبارية
تبلغه بوفاة صديق أو زميل كما هو حالي مع وفاة الزميل العزيز / محمد عبد
الإله العصار , رئيس تحرير مجلة ( معين) .. نعم كان أقسى خبر تلقيته هو
خبر وفاة زميلي عبر رسائل الموبايل .. إنها الكارثة حقا أن يصل بناء
الحال إلى هذا المدى المريع من العلاقات في لحظة حضارية يفترض أن نكون
فيها أكثر تلاحم على ضوء معطيات راهن الحال الوطني .. ومع هذا أقول لقد
رحل الزميل العصار ربما غير مكترث بما قد يحدث بعد رحيله وهو الذي حمل
الهم الوطني عقود وسنوات لكن الوطن لم يحمل زميلنا العصار ولن يحملنا ولن
يحمل أي مبدع بذات القدر الذي حمل فيه زميلنا هموم وطنه وقضاياه ولا نزل
نحن من بعده نسير بذات الطريق التي سار عليها محمد ..
سنوات وأنا أعايش عن قرب الزميل الراحل وكان أخر لقاء جمعني به والزميل
عبد الله بشر والزميل جميل مفرح خلال أزمة محرري صحيفة (الثورة) ..يومها
لم يكون في وجه زميلي ولا في حركته ما يوحي بقرب هذه الفاجعة وليس ثمة
تباشير عليها يمكن استنتاجها من حركته أو قدرته الذهنية .. كان محمد
العصار هو ذاته محمد العصار الذي يتقد شعلة وحيوية ولا ينسى في لحظات
النزق أن يطلق عبارة أو جملة تتحول منه إلى ( نكته) نغرق فيها ومنها من (
الضحك) ..نعم كان محمد العصار بلسم لقاءتنا وعنوان ابتسامة اللحظة حتى
وهو رحمه الله في ذروة ( نزق) لحظاته وهي قليلة لحظات ( النزق) عند
الزميل العصار .. هذا المبدع الذي حملت مصفوفات إبداعاته نكهة خاصة
وخصوصية لا تجدها إلا في يراع العصار ومحبرته ..
.. الحارس السادس للجمهورية.. عنوان ملفت لكتاب خطته أنامل الزميل العصار
وكان يقصد بالحارس السادس فخامة الرئيس علي عبد الله صالح الذي عشق
العصار عهده ومنجزاته وتحولاته كما عشقناها جميعنا وكنا في ذات الخندق
ولدينا ذات النوايا ولكن العصار سبقنا إلى تحقيق بعض أحلامه في ترتيب بعض
مخرجاته الابداعية في ( كتاب ) لا زلت أتذكر لحظة أهداه لي أمام مقر
نقابة الصحفيين التي في لحظة حمل زميلنا ( سلسلة وقفل ) وقرر إغلاقها
احتجاجا على مواقف قيادتها _ حينها_ وبتزكية مناء جميعا وموافقتنا بعد أن
وصلنا مع قيادة النقابة إلى طريق مسدود حول معظم القضايا المهنية ,هذا
قبل أن نتفاجئ بقرارات فوقيه منحت (النقابة) ودورها لزملاء ينتمون للطرف
الأخر سياسيا يومها وقفنا وجها لوجه أنا والزميل محمد العصار والزميل عبد
الله بشر والزميل أحمد غيلان , وكانت لغة العيون هي سيدة الموقف وفي
الصباح مارسنا حقنا الديمقراطي في اختيار قيادة النقابة داخل المركز
الثقافي فيما الزميل رحمة الله عليه كان قد أعطانا النتيجة سلفا ..!!
الزميل العصار عانى خلال أزمة 1993م وخلال الحرب وبعد الحرب وحتى الأزمة
الراهنة التي رحل قبل أن تكتمل فصولها المرعبة بعد وكأنه في هذا الرحيل
قرر عدم احتمال اللحظة وتداعياتها وعبر عن رؤيته لها بطريقته الخاصة كما
عهدناه دوما ..؟
الله يا محمد إلى هذه الدرجة القادم لا يبشر بخير هذا ما افسره جراء
رحيله المفاجئ الخالي من المقدمات الدالة عن ممكنات الرحيل كما هو حال
بعض زملائنا رحمة الله عليهم أجمعين والرحمة مسحوبة لنا ممن لا نزل نخوض
مع الخائضين في معترك قال لنا عنه زميلنا العصار أبلغ قول والمتمثل في
رحيله هذا الذي لم تسبقه مقدمات ..
عصرنا العصار نعم عبارة اطلقها الزميل جميل مفرح وهو القول المختزل
والمعبر والمجسد لفاجعة رحيل زميل بحجم ومكانة ومآثر محمد العصار الذي
تجمعنا به الكثير من الروابط الإنسانية المفعمة بالمشاعر والمودة
والمواقف الإنسانية المجسدة لفطرة الإنسان قبل الكاتب والأديب , لكن هذه
المشاعر تزداد رسوخا حين يصبح طرفها أديب مرهف وكاتب حساس ومفعم بالمشاعر
فيعطي للحضور وأن كان عابرا رونقا استثنائيا ويعطي للحدث مهما كانت مساحة
حزنه أو فرحه مكانة خاصة في الذاكرة .. الله يا عصار كم سأفتقدك رغم إننا
وخلال مراحل علاقتنا الأخيرة كنا لا نلتقي سوى بالمناسبات وجعلنا (الهاتف
) الملعون هو جسر تواصلنا رغم أننا نعيش جميعنا في العاصمة ..!!
نعم .. يا عزيزي كم سأفتقدك , وكم في ذاكرتي من حكايات وقصص عشناها خلال
سنوات خلت النسبة الغالبة منها قضيناها في معترك الأزمات وهي أزمات لا
تخلوا بعضها من روائح البارود والموت ولون الدم في حوادث متعددة لكن
هدفها واحد اليمن التي عشقناها معا .. اليوم يا عزيزي ها أنت ترجلت عن
صهوة جوادك وقررت أن تستريح والراحة هدفنا جميعنا فجميعنا يا محمد نتمنى
أن نستريح .. لكن الأمر ليس بيدنا بل بيد الخالق سبحانه وتعالى الذي
انتزعك منا ومن وسط أسرتك وأصدقائك وأصحابك وزملائك وكل محبيك , وهو
سبحانه لحكمة يعلمها فأنت أعطيت الوطن الكثير واتمنى أن يعيد هذا الوطن
قدر من عطائك للولد زياد وأخوانه ..اتمنى هذا على الوطن وعلى زملاء
واجبهم تذكير الوطن بدور ومواقف محمد العصار الاستاذ والأديب وصاحب
اليراع الذهبي الذي تغزل بسهول وجبال الوطن وبكل مكاسبه ومنجزاته ..
سلاما عليك أيها الزميل الراحل .. سلاما على روحك الطاهرة وعلى نفسك
الوطني الرائع ..الحاضر في الوجدان والذاكرة سلاما عليك في كل ساعة وحين
..
إلى الزميل الرائع .. إلى محمد العصار
اخبار الساعة - طه العامري