محطات يمانية (اليمن والدولة العثمانية)
اخبار الساعة - عمرو محمد ناجي الرياشي بتاريخ: 05-07-2012 | 12 سنوات مضت
القراءات : (3689) قراءة
أينما نمعن النظر من حولنا نرى التغيرات المتسارعة التي تحدث في معظم مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بما يتخللها من إنحرافات دينية عقدية ناهيك عن ما يتعلق بجوانب الحياة الاخرة التي تمس حياة الناس وتؤثر في معيشتهم و تكوين افكارهم وطريقة تفكيرهم خوض معركة البقاء بطرق مختلفة ومتعددة من جانبيها السلبي والإيجابي . فما إن يمتد بصرنا نحو حدث كبير حتى نتفاجأ بقوع حدث اكبر منه وفي ظرف زماني متقارب جدا حاملا معه الكثير من التبعات والدلالات التي قد لا يعرف الكثير منا ما هي اسبابـها و قد يتجاهلها البعض الأخر .
غالبا يكون السبب في الصراعات هو إختلاف الهدف والتوجه فيما بيننا او ربما يكون لتفاوت مستوى الوعي لدى الكثير وتأثر البعض بما يجري من ظاهر الامر ولا يعلم باطنه خصوصا في ظل زوابع التضليل الاعلامية من ملمعي الكذب والزيف وإلباسه بريق الصدق والحقيقة بجانب الفئة الأخرى التي امتهنت وظيفة التسويق لمنتجات فكرية مستوردة من الخارج ومشاريع اخرى تغلبها الصبغة المناطقية والمذهبية ليسود الخصام بين افراد المجتمع اليمني وندخل في صراعات وجدليات توصلنا الى الحطام ونصبح في سباق وجهاد ليس للنصر ورفع منكر بل للغرق في بحر الأوهام .. فهذا رفعه الله والأخر قد انزله و هذا دخل الجنة وقال الاخر لكن الله اخرجه ونستمر في الرسم لكن في الماء وهذا يؤدي للدخول في حرب مصطلحات ثانوية وصراع من اجل العقائد بشقها الديني والسياسي والفكري ...
وهذا هو حالنا الباقي على حاله في اليمن فلم نتعظ بمن قبلنا كيفوا اتخذوا من لطف الله ورحمته عذرا من اجل الاستمرار في المعصية فهلكوا واندثروا... فأضعنا الوقت في البرهان ونسينا النتيجة التي لا تحتاج لبيان واعلان بلادنا اليمن قد كسرت واذلت وإفقرت ومن اعوان الشيطان قد هُزمت و أطفىء نورها الا من مصباح الفتنة قد أُضيئت ... لكن ما عسانا ان نقول لقد شابت المفارق وأظلمت المشارق فدنا اليأس بلا إنقطاع فلا اتيان للخير حتى ولو من باب الإطلاع .. فبعد غرق مجتمعنا اليمني بنخبة سياسية ضالة حاقدة ادمنت حفر ابار وأنـهار الفتن ومزالق الإضطرابات واشواك السياسية وشوائب التدليس وصناعة اصنام من أجل التقديس فخلعت ثوب الوطنية ولبست عباءة التبعية والحزبية والمناطقية والمذهبية وأذلت امتها من أجل ان تكون خيراتـها ثروة غنائمية .. فاقل ما نقول عنهم انـهم من أولياء الإلتصاق من أجل الإرتزاق الغير مشروع مدفوع الثمن من رصيد معانات أبناء اليمن جنوبا وشمالا .
هذه الفئه من يدعون زيفا وكذبا انـهم قياديين ومسؤليين يمثلون الشعب وهم يستمرون في التحضير لمشاريع إعادة الصراعات والحروب من أجل إستعادة طموحات وذكريات مستغلين أحداث تاريخية وتراكمات سياسية وفكرية كانت مصدرا للإزمات متناسيين انـهم هم من صنعوها ومن ملؤ صفحاتـها بدماء ابناء اليمن في جنوب القلب اليمني وشماله .... ليكتمل مخطط يستهدف صناعة الفتن في بلادنا اليمن فهناك الكثيرون من شعبنا اليمني من ينجر نحو فوهة البركان دون وعي وادراك في ظل المناعة الغير محصنة بالحقائق والأهداف لتلك الفئة التي لها سجل اسود وتريد ان تعيد صياغة سجلها الأسود لكن بتاريخ مختلف وتحت ظروف مغايرة لكن الهدف يظل كما هو في السابق وهو المتاجرة بقضايا اليمن الوطنية وصناعة بؤر توتر وصراعات لتخلق لنفسها بيئة مناسبة تتكاثر منها وتنهش في الجسم اليمني دون هوادة .
من خلال سلسلة من المقالات المترابطة بعضها ببعض سأحاول التطرق لجزء يسير من صفحات التاريخ اليمني السياسي ابتداء من نهاية الدولة العثمانية حتى وقتنا الحاضر والوصول الى عوامل النهوض واسباب السقوط في اكمال كثير من المحطات الوطنية التي لو كتب لها النجاح لكان شعبنا اليمني في وضع مختلف كليا نحو بناء وطن يخرج للعالم مرفوع الرأس وبلا قياس في مصاف الأمم المتقدمة والعروج الى بعض العوامل الخارجية التي كان لها اثر في ذلك .
من منا لم يقراء او حتى يسمع عن الدولة العثمانية ودورها في حماية الأماكن المقدسة الإسلامية من المخططات الصليبية البرتغالية والصهيونية ومساعدة الشمال الأفريقي ضد الحملات الصليبية الإسبانية وغيرها لم يكن نجاح الدولة العثمانية من خلال إيجاد وحدة طبيعية بين الولايات العربية والتصدي للزحف الاستعماري عن بلاد الشام ومصر وغيرها من الاراضي الاسلامية حتى ضد انتشار المذهب الاثنى عشري الشيعي الرافضي الى الولايات الاسلامية التابعة للدولة العثمانية ومنع اليهود من استيطان فلسطين وكذلك دورها في نشر الاسلام في أوروبا ونتيجة لهذا الدور العظيم حيكت الكثير من المؤامرات ضد الخلافة العثمانية ، والتي كان لها الأثر في إضعاف الحكم العثماني من خلال ابراز اعداء من نفس نسيج الدولة العثمانية ومجتمعها الاسلامي.
فكانت الحركة الوهابية بجانب الدور المشبوه الذي قام به محمد علي باشا بإيعاز من بريطانيا وفرنسا دورا كبيرا في ضرب للتيارات الاسلامية في مصر، والحجاز والشام . لقد كان الدعم الماسوني هو العمود الفقري الذي يقف خلف انشاء سياسات تدمير الأمة الاسلامية في وقتنا الماضي وحتى عصرنا الحاضر مع استمرار هذه السياسية التدميرية حتى الان .
هذا الدعم الخفي نجح في إعاقة وايقاف كل نـهضه علمية وإقتصادية وعسكرية للمسلمين فالدولة العثمانية مثال واضح عجل من انـهيارها الضعف العقدي والإسلامي في اخر عهدها بسبب صراع التيارات الاسلامية العقدية .
الدول الصليبية الأوروبية نجحت في تقسيم أراضي الدولة العثمانية بعد ان زرعت خلايا تقوم بدور خلق بؤر التوترات والفتن واستغلت الظروف السياسية الهشة التي سهلت الإختراق و جعلت الدولة العثمانية تعاني من قلاقل داخلية سهلت تغلغل كثير من مناصري الفلسفه الغربية الماسونية فأقتبس من الغرب سمومه وغرسها داخل المجتمع الإسلامي نحو التشكيل الغير اسلامي .
لقد استغل الصليبين الانقسامات الفكرية في مفاهيم الدين الاسلامي واستفادو من خلالها الدخول في لبنات المجتمع الاسلامي وتفكيك عراه وجعلو تلك المفاهيم خنجراً مسوماً وكانت هذه الانقسامات سببا في سقوط الامبراطورية العثمانية ففسدت لدى الكثير من المتصوفة عقيدة القضاء والقدر، وأصبحت عندهم عقيدة سلبية مخذلة .
فقد كتب أحد المستشرقين الألمان وهو يؤرِّخ حال الأمة الاسلامية قائلا: "طبيعة المسلم التسليم لإرادة الله والرضا بقضائه وقدره والخضوع بكل ما يملك للواحد القهار. وكان لهذه الطاعة أثران مختلفان: ففي العصر الإسلامي الأول لعبت دورًا كبيرًا في الحروب؛ إذ حققت نصرًا متواصلاً لأنها دفعت في الجندي روح الفداء. وفي العصور الأخيرة كانت سببًا في الجمود الذي خيَّم على العالم الإسلامي، فقذف به إلى الانحدار وعزله، وطواه عن تيارات الأحداث العالمية" .
وبالفعل هذا ماحدث فانتشرت مظاهر الشرك والبدع، وانحرافات الصوفية المنحرفة كقوة في المجتمع الاسلامي وغيرها من الفرق الأخرى التي تحمل عقائد وأفكار وعبادات بعيدة عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكان اهمها الأثنى عشرية الشيعية الرافضية، والدروز والنصيرية والإسماعيلية، والقاديانية، والبهائية وغيرها من الفرق المحسوبة على الاسلام فأصاب الأمة الإنغماس في الاختلاف والتفرق الهادم و ماترتب عنه من الابتعاد عن شرع الله من آثار خطيرة، كالضعف السياسي والاقتصادي والعلمي، والأخلاقي، والاجتماعي ... وهذا للاسف الشديد نراه في اليمن وايضا في مجتمعاتنا الاسلامية فدخلنا في جدليات اصطلاحية ثانوية ونسينا اعادة بناء الانسان اليمني وتأهيله اجتماعيا ومعيشيا ومن ثم علميا وفكريا حتى نبني منه شخصية تحمل تركيبة اسلامية عصرية ولكن اين عقلاء وراشدو اليمن ونحن نرى البعض يسوق للخلافة الاسلامية والجوع يقض مضاجع الغالبية من الشعب اليمن ولكن شر البلية ما يضحك ولا حول ولاقوة الا بالله .
وبالرجوع الى التأمرات الصلبية ورأس حربتها بريطانيا واليهود نستنتج من ذلك الدهاء والذكاء السياسي الذي استغلته بريطانيا وحلفائها وكيف خططت له بشكل دقيق وجعلت لكل ولاية من الولايات العثمانية من ينهش فيها ويقاتل النفوذ العثماني فكريا وعقديا بالتوافق مع الرغبة الاستعمارية للبريطانيين مستغلة صراع التيارات الاسلامية والجهوية فيما بينها فكان للحركة الوهابية دورا في تمزيق الخلافة العثمانية وأخذت نصيبها من التوسع وأيضا أسرة آل حميد الدين بموجبه حصل آل حميد الدين على الدعم لشن حرب على العثمانيين لتشتيت جهودهم من اجل بسط السيطرة على الكثير من البلدان الإسلامية التي كانت ضمن الخلافة العثمانية فقد شن آل حميد الدين حربا على العثمانيين من عام 1904م الى عام 1911م فبعد خروج تركيا منهزمة في الحرب العالمية الأولى دخل يحي حميد الدين صنعاء وأعلن نفسه حاكما على اليمن وانتهج سياسة الحكم الكهنوتي الديني المنغلق فانشر الجهل والفقر والمرض وعاشت اليمن ظروفا صعبة جعلت اليمن منغلقا على من حوله .... وعدد أئمة اليمن 59 اماماً حكموا شمال واجزاء من وسط اليمن منذ عام 898م حتى العام 1962م ويرجع نسب أئمة اليمن ذو المذهب الزيدي الى الهادي يحي ابن الحسين القاسم وهو اول امام لليمن .
بكل تأكيد كان للتكالب الصليبي وتغذيته لحروب قبلية وتمردات داخلية اثر كبير في هزيمة العثمانيين في اليمن فنتيجة لتمرد القبائل اليمنية ضد الحكم العثماني قررت الدولة العثمانية اجراء محاولات لإستعادة اليمن وإعادة بسط سيطرتـها وبداءت بإنتهاج خطة بتعيين واليين اثنين بدلا عن واحد وذلك خلال العام 1566م لكن الامر لم ينجح حسب ما خططه له العثمانيون حيث كان تعيين واليين اثنين قد فاقم الامر اكثر من قبل وشجع على ظهور تمردات قبلية اخرى خرجت كليا عن سيطرة العثمانيون في ظل الظروف الصعبة التي كانت تتعرص لها الامبراطورية العثمانية في ولايات اخرى وكان احداها استقلال حضرموت ولحج عام 1732م .
ظلت حملات الدولة العثمانية تستمر حتى 1840م لإستعادة السيطرة على الوضع في اليمن لكن الضعف وانهيال التأمرات على الدولة العثمانية جعلها تستسلم لمعاهدة لندن بعد احتلال بريطانيا جزيرة بريم في 1799م واحتلال مدينة عدن في 1839م ... ولم يقف بعدها التوسع الاستعماري البريطاني حتى امتد الى كل المقاطعات الشرقية والغربية في اليمن وكان ذلك بإشراف النائب الملكي البريطاني في الهند .
لكن العثمانيون قاموا بحملة أخيرة في العام 1868م في محاولة للقضاء على التمرد القائم هناك لكن بعد مواجهتهم لمقاومة شرسة انتهت بحصارهم حتى استسلموا وانتهى الامر بعقد صلح بين الامام يحي حميد الدين و الوالي العثماني عزة باشا في العام1911م غرب عمران في مدينة دعًان وكان الاتفاق يحتوي على شروط منها :
- يشرف الإمام يحيى حميد الدين على شؤون القضاء والأوقاف مع كامل الصلاحية في تعيين القضاة .
– تكوين هيئة بإشراف الامام يكون من مهامها استقبال ملاحظات الامام ويكون مركزها صنعاء مع صلاحية للأمام يحي بإختيار رئيسها وأعضاءها، ويتم التصدق عليه من قبل الدولة العثمانية.
- يحق للحكومة العثمانية أن تعين قضاة شرعيين في المناطق التي يوجد فيها سكان ذو مذهب شافعي وأحناف .
- تشكيل محاكم شرعية مختلطة من قبل قضاة وعلماء من الشوافع والزيديين للنظر في الدعاوى التي تقام من قبل المذاهب المختلفة.
- لا تجبى الضرائب من قبائل أرحب وخولان وجبل الشرق لمدة عشر سنوات بسبب فقرهم وخراب بلادهم.
ـ على الإمام أن يعطي الدولة العثمانية عُشر حاصلاته.
ـ يحق لمأموري الدولة العثمانية في اليمن أن يتجولوا في أنحاء اليمن بشرط ان لا يعتدو على احد
- لا يعتمد أي فريضة غير التي شرعها الدين الاسلامي .
هذا الصلح مكن الإمام الزيدي يحيى حميد الدين من دخول مدينة صنعاء عام 1918م، ويصبح حاكمًا مستقلاً على اليمن ، وأضحى الإمام صاحب الكلمة العليا في اليمن في شؤونه الداخلية والخارجية .
،،،، وللحديث بقية
اقرأ ايضا: