تنظيم القاعدة يعدم كل من يعمل لمصلحة أجهزة الأمن اليمنية والأمريكية ويجنّد عملاء من الأجهزة
اخبار الساعة - متابعات بتاريخ: 23-10-2012 | 12 سنوات مضت
القراءات : (2255) قراءة
يخوض تنظيم «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب» ومقره اليمن، حرباً استخبارية تجسسية مع أجهزة الاستخبارات اليمنية والأميركية والإقليمية، لا تقل أهمية وخطورة عن المواجهات المسلحة المباشرة وغير المباشرة، مع قوات الأمن والجيش اليمني.
وعلى رغم التكتم الشديد على الحرب الاستخباراتية، إلا أن هذه الحرب طفت مطلع عام 2012 على سطح المواجهات الدائرة على نطاق واسع في الأراضي اليمنية، بعد كشف «القاعدة» عن تفكيك خلايا تجسس تعمل في أوساط مقاتليه لمصلحة أجهزة الاستخبارات اليمنية والأميركية.
وخلال أكثر من تسعة أشهر، تمكن «القاعدة»، من تفكيك أغلب الخلايا التجسسية البالغ عدد أعضائها نحو 50 عميلاً، وفقاً لمصادر مقربة من التنظيم، وقالت المصادر التي تحدثت لـ «الحياة» إن التنظيم أعدم خلال الأشهر الماضية كل الذين ثبت للتنظيم وهيئته الشرعية أنهم يعملون لمصلحة أجهزة الأمن اليمنية والأميركية.
وطاولت آخر عملية إعدام في التاسع من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري ثلاثة أشخاص دانهم التنظيم بالتجسس لمصلحة القوات الأميركية وأجهزة الاستخبارات اليمنية، ونفذ «القاعدة» حكمه بقطع رؤوسهم في منطقة حصون آل جلال على بعد 2 كيلومتر إلى الشرق من مدينة مأرب عاصمة المحافظة الواقعة (شرق صنعاء)، ووضع «القاعدة» بجانب رؤوس الأشخاص الثلاثة، أقراصاً مدمجة تتضمن تسجيلاً مصوراً، وهم يعترفون بلصق شرائح إلكترونية على سيارات عدد من أعضاء التنظيم وقياداته، سهلت استهدافهم من قبل طائرات أميركية من دون طيار.
وتظهر الأقراص اعترافات الأشخاص الثلاثة، الذين تحدثوا حول المهام التي نفذوها ضد تنظيم «القاعدة»، لمصلحة أجهزة (الاستخبارات) اليمنية، والأمن العام، واعترف ثلاثتهم بزرع شرائح والإبلاغ عن عناصر التنظيم، ما أدى إلى استهداف الطائرات الأميركية من دون طيار لعناصر التنظيم، وأكدوا أن اعترافاتهم التي دونت كتابياً في محاضر التحقيق، تضمنت أسماء الضباط الذين كانوا يعملون معهم، والعناصر الذين قام الثلاثة بتجنيدهم، وكشف التسجيل أسماء القتلى من عناصر «القاعدة»، الذين قتلوا في الغارات الجوية للطائرات الأميركية، وكان بينهم المصري «أبو عبيدة المصري»، والسعودي «أبو محمد الشهري».
وتعـــد عمليــة القتل الأخيرة التي طاولت عبدالكريم الريمي (25 سنة) وسعيد الريمي (26 سنة) وعـبـــدالله شرف مهدي حنش (32 سنة)، هي الثانيــــة التي ينفذها «القاعدة» علناً خلال ثمانية أشهر، حيث سبق للتنظيم أن أعدم منتصف شباط (فبراير 2012) وبالطريقة ذاتها أربعة من عناصره، اتهموا بالتجسس، ثلاثة منهم أدينوا أمام محكمة تابعة لجماعة أنصار الشريعة المحسوبة على التنظيم في مدينة جعار بمحافظة أبين، تسمى «المحكمة الشرعية في إمارة وقار بولاية أبين»، والرابع أعدم في مدينة عزان بمحافظة شبوة (شرق اليمن) لذات السبب.
وكان جهاز الاستخبارات التابع لتنظيم «القاعدة»، قال إن أعضاء خلايا تجسس التي تمكن من تفكيكها تضم نحو 50 شخصاً، وإنهم كانوا من عناصر التنظيم، وأن أحدهم كان قائداً ميدانياً، وفي الوقت ذاته كانوا يعملون لمصلحة أجهزة استخبارات محلية وإقليمية ودولية، وأقرّ بعضهم بدوره في مقتل عدد من القيادات الميدانية الخطيرة في التنظيم عبر شرائح زرعت بسياراتهم واستهدفتها الطائرات الأميركية من دون طيار.
وأفادت المصادر المقربة من التنظيم، بأن ثلاث خلايا تجسس على الأقل فككها جهاز الاستخبارات التابع لتنظيم «ألقاعدة»، إحدى هذه الخلايا جندت عناصرها الاستخبارات السعودية وعددهم ثمانية أشخاص، بالإضافة إلى خليتين أخريين، تم تجنيدهما من قبل جهاز الأمن القومي (الاستخبارات اليمنية) ويبلغ عدد عناصر الخليتين أكثر من 30 شخصاً.
وأضافت المصادر بأن إحدى هاتين الخليتين تم تجنيد معظم أفرادها من أبناء مدينة جعار بمحافظة أبين، بحيث تكون مهمتهم داخل المدينة نفسها، التي كانت تعد مركز التحكم لقيادة «أنصار الشريعة» التابعة لـ «القاعدة»، والتي سيطر عليها عناصر التنظيم أواخر آذار (مارس) 2011، وأسسوا فيها إمارة «وقار» الإسلامية، قبل أن ينسحبوا منها منتصف شهر حزيران (يونيو) الماضي تحت ضغط القوات الحكومية التي شنت أكبر حملة عسكرية ضد مسلحي «القاعدة»، بأوامر من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي.
أما الخلية الثالثة فإن عناصرها، بحسب المصادر المقربة من «القاعدة»، كانوا من أبناء محافظة مأرب، وتم تجنيدهم فيها، وكانوا يقومون بمهام تجسسية داخل المحافظة، التي تمثل أيضاً أحد أهم أوكار القاعدة في اليمن، وفي بعض الأوقات كان يتم انتداب بعض أفراد الخلية، للقيام بمهام تجسس خارج المحافظة، وقد تمكن جهاز الاستخبارات التابع لتنظيم «القاعدة» من القبض على عدد من أفراد هذه الخلية، وتمت تصفيتهم سراً بعد استجوابهم والتحقيق معهم.
وبحسب مصدر في التنظيم فقد تمت تصفية ما يقرب من 40 شخصاً من المتهمين بالتجسس لمصلحة أجهزة الاستخبارات، في حين لا يزال عدد من العملاء رهن التحقيق، وآخرون لم يتم الحصول على أدلة دامغة لإدانتهم، مشيراً إلى أن جهاز الاستخبارات التابع لـ «القاعدة»، كشف منذ وقت مبكر أحد عناصره وهو يدلي بمعلومات خطيرة، عبر هاتفه الخليوي لمسؤول أمني في الاستخبارات اليمنية، أثناء المواجهات التي خاضتها قوات الجيش اليمني مسنودة بدعم قبلي وغطاء جوي أميركي، ضد عناصر القاعدة في مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين (جنوب اليمن) أواخر العام الماضي 2011، وبين المصدر أنه جرى استجواب هذا «العميل»، في ظروف قاسية للغاية، وانتزعت منه اعترافات خطيرة فاجأت قيادات التنظيم.
وقال المصدر، إن «القاعدة»، كان يعمد في مرات عدة إلى تسريب معلومات وهمية للأشخاص المشكوك في ولائهم للتنظيم، بغرض التثبت من حقيقة ارتباطهم بأجهزة الاستخبارات، وأن بعضهم كان ينكشف أمره سريعاً، من خلال نقله لتلك المعلومات للأجهزة التي يعمل لمصلحتها، والتي بدورها تتعامل مع هذه المعلومات كحقائق تبني عليها خططها وتحركاتها، وعملياتها الأمنية والعسكرية.
وكشف المصدر أن استخبارات التنظيم في 10 أيلول (سبتمبر) الماضي، أبلغت أحد العناصر المشكوك في ولائهم، معلومات غير دقيقة عن مكان تواجد نائب زعيم التنظيم سعيد الشـهري الذي يحمل الجنسية السعودية، في محافظة حـضرموت (شـرق اليمن)، وقال المصدر إن هذا الشخص سـارع بالـفعل بنقل تلك المعلومات، وبعد دقائق فقط، شنت الطائرات الأميركية من دون طيار غارة جوية، على المكان الذي يفترض أن يـكون الـشهري متواجداً فيه.
وأشار المصدر ذاته، إلى أن اليمن أعلن فور تنفيذ الغارة الجوية، مقتل الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» سعيد الشهري، وقال إن مقتله «يمثل ضربة موجعة لما تبقى من فلول العناصر الإرهابية»، غير أن التنظيم الذي كشف بمعلومات كاذبة أحد الجواسيس الذين اخترقوا صفوفه، نفى بعد أيام قليلة مقتل الشهري، وقبل أن تتراجع السلطات اليمنية عن تأكيداتها، من خلال تصريحات صحافية لوزير الداخلية اليمني الدكتور عبدالقادر قحطان، أكد فيها عدم وجود معلومات دقيقة تثبت مقتل الشهري.
وأشار المصدر إلى أن عمليات التصفية كانت تمر بطريقة سرية، حيث يطلق سراح الأشخاص المدانين، مقابل توجههم إلى الجبهات الأمامية للقتال، كدليل على إثبات توبتهم، وهناك تتم تصفيتهم بدقة من الخلف على أيدي قناصة محترفين من عناصر التنظيم، ومن دون أن يشعر بقية المقاتلين من عناصر «القاعدة» في جبهة القتال بحقيقة الأمر، في حين اغتيل أحد عناصر الخلية في فندق بمدينة عدن، ومن ثم عثر على جثته مقتولاً بطعنات في أماكن قاتلة في جسده.
وأوضح المصدر أن الأشخاص الذين تمت تصفيتهم بهذه الطريقة، كان التنظيم يذيع بيان نعيهم، باعتبار أنهم «شهداء»، قتلوا في مواجهات مع الجيش اليمني، وذلك لتحاشي الدخول في إشكاليات مع قبائلهم، وحتى لا يشعر بقية المتهمين بالعمل ضد التنظيم بأنهم مستهدفون، وذكر بأن بعض الأشخاص الذين تمت تصفيتهم، كانوا قد اعترفوا بأنهم وراء مقتل عدد من القيادات الميدانية للتنظيم بطائرات أميركية، بينهم أبو علي الحارثي، وذلك من خلال زرع شرائح لاصقة في سيارات قيادات ميدانية لـ «القاعدة»، تتبعتها الطائرات الأميركية وقصفتها بصواريخ موجهة عن بعد.
وقال المصدر إن هؤلاء الأشخاص، كانوا يستلمون مقابل كل عنصر يقتل من «القاعدة» مبلغاً مالياً قدره عشرة آلاف دولار أميركي، نحو (2 مليون ومئتي ألف ريال يمني)، ونوه إلى أنهم كانوا يستلمون هذه المبالغ، خلال اجتماعات سرية تعقد في مدينة عدن، مع ضباط في أجهزة الأمن والاستخبارات اليمنية، وكانوا في هذه الاجتماعات يستلمون شرائح إلكترونية جديدة لاستخدامها في استهداف المطلوبين.
ووفقاً للمصادر المقربة من «القاعدة»، فإن القائد العسكري للتنظيم المكنى (أبو هريرة) قاسم الريمي، هو الذي أشـرف على تأسيـس الـجهاز الأمـني للتنظـيم، وبرعـاية مباشرة من الأمـير (أبو بـصـير) ناصر عبدالكريم الوحيـشي، وقالت إن عناصر وقيادات هذا الجهاز يمتـلكون قدرات أمنية عالية، ويتمتعون بمهارات متعددة، مكنتهم من كشف ومراقبة عمليات الاختراق التي قد يتعرض لها «القاعدة»، وحماية قياداته وعناصره من عدد كبير من العمليات التي كانت تستهدفهم، إلى جانب الحصول على معلومات أمنية مهمة، من داخل أروقة أجهزة الأمن اليمنية.
وتؤكد المعطيات الراهنة للمواجهات، بين «القاعدة» والأجهزة الأمنية اليمنية، إن الاختراق الذي تعرض له التنظيم من قبل أجهزة الاستخبارات، قابله اختراق مماثل لأجهزة الأمن اليمنية، من قبل الجهاز الأمني لـ «القاعدة»، ويعتقد مراقبون وباحثون في شؤون التنظيمات المتشددة، إن عناصر وقيادات التنظيم الذين يديرون جهازه الأمني، استفادوا من سنوات اعتقالهم في السجون داخل اليمن وخارجه، وتعرضهم لاستجوابات دقيقة على أيدي محققين أميركيين ويمنيين.
إضافة إلى أنهم تمكنوا خلال الاضطرابات التي شهدها اليمن العام الماضي، من اللعب على وتر الانقسامات التي حدثت في المؤسستين الأمنية والعسكرية، ونجحوا في نسج علاقات سرية مع ضباط أمنيين، أغروا بعضهم بالأموال وأقنعوا آخرين بالعمل لمصلحة التنظيم، وهو ما وفر لهم معلومات أمنية بالغة الخطورة، في ما يتعلق بملف الحرب على الإرهاب، وعمليات الرصد الأمني لقيادات وعناصر التنظيم، والغارات الجوية التي تستهدف مناطق تواجدهم.
وتؤكد مصادر متطابقة لـ «الحياة»، إن جهاز الاستخبارات التابع لـ «القاعدة»، كان يعلم بعدد من الغارات الجوية التي شنتها الطائرات الأميركية من دون طيار، قبل عملية التنفيذ بدقائق معدودة، وهو ما يفسر فشل العديد من تلك الغارات في تحقيق أهدافها، ونجاة قيادات مهمة في التنظيم، من الصواريخ التي تطلقها الطائرات الأميركية، والتي كانت تصيب مدنيين ليس لهم علاقة بـ «القاعدة»، مثلما حصل في العملية التي استهدفت قرية المعجلة بمحافظة أبين أواخر عام 1999، والتي أدت إلى مقتل أكثر من 42 شيخاً وامرأة وطفلاً، وغيرها الكثير من الغارات التي نفذت خلال السنوات الماضية واستهدفت مناطق في محافظات شبوة وحضرموت ومأرب (شرق البلاد)، ومحافظتي الجوف (شمال اليمن) والبيضاء (جنوب اليمن).
وتعزز عمليات الاغتيال التي نفذها «القاعدة»، واستهدفت عدداً كبيراً من ضباط الأمن اليمني (الاستخبارات)، وهم الأكثر تجربة في الحرب على الإرهاب، الروايات التي تتحدث عن قوة الجهاز الأمني لـ «القاعدة»، وقدرته على رصد الأهداف التي يسعى للوصول إليها، وكان آخر هذه الأهداف مسؤول التحقيقات والمنـسق بيـن الحـكومة اليمنية والسفارة الأميركية قاسم عقلان، وبحسب المصادر الأمنية فإن مجهولين كانوا يستقلون دراجة نارية، أطلقوا الرصاص الحي مباشرة على عقلان يوم 11 تشرين الأول الجاري، وهو يقود سيارته بشارع الستين غرب العاصمة صنعاء، ما أدى إلى مقتله على الفور.
وأشار الباحثون إلى أن الجهاز الأمني التابع لتنظيم «القاعدة»، تمكن خلال العام الماضي من رصد تحركات قوات أميركية في اليمن، وأنه كان أول من كشف وجود قوات من «المارينز» الأميركي يسكنون في فندق الشيراتون القريب من السفارة الأميركية في صنعاء، حيث نشر في التقرير الإخباري رقم 6 الصادر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 عن وكالة مدد الإخبارية التابعة لـ «أنصار الشريعة» المرتبطة بـ «القاعدة»، صوراً حصرية لجنود من «المارينز»، وهم في طابور صباحي، ونشر أيضاً صوراً لخبراء ومدربين أميركيين وهم يدربون قوات يمنية في ساحل أبين الممتد بين محافظتي عدن وأبين.
اقرأ ايضا: